الشيخ عبد الشكور الفاروقي وجهوده العلمية والإصلاحية
يوليو 31, 2021العلاّمة أبو ريحان البيروني ومآثره العلميّة
يوليو 31, 2021من وحي التنوير :
أتبين دينيه ( قبل الإسلام )
ناصر الدين دينيه ( بعد الإسلام )
( الحلقة الرابعة الأخيرة )
بقلم : الدكتور غريب جمعة ( جمهورية مصر العربية )
عرفنا أن أتبين دينيه قد اعتنق الإسلام بعد أن بلغ مرتبة عين اليقين متجاوزاً مرتبة علم اليقين واختار لنفسه اسم ” ناصر الدين ” وكان الرجل بحق ناصراً للدين ، يرد المفتريات ويدحض الأكاذيب ويفضح الأخطاء الفاحشة ولا يخاف في الله لومة لائم ، ثم يضع الحقيقة ناصعة البياض تبدد بنورها تلك الظلمات وتنسف المفتريات التي يبثها اليهود والنصارى والملاحدة على الإسلام والمسلمين واستمع إليه وهو يقول :
” إن أهل السوء من أهل الكتاب يهاجموننا بالأباطيل ويحاربوننا بالمفتريات ، وإذا نحن شئنا أن نحصي أكاذيبهم علينا كانت صفحةً هي أسود الصفحات في تاريخ التعصب ، يشترك ( فيها ) أعداء الإسلام ، قديمهم وحديثهم ، سواء منهم العلماء والرواد والقساوسة ورجال الحكومات والكتاب ، أمثال : بيرون وبلجراف ، مرجليوث ، قسيس كانتربري والأب لامانس ” .
ولما كانت آراء دينيه لا تتفق مع آراء الكثير من المستشرقين الذين يزعمون أنهم يعتنقون الآراء التي انتهى البحث العلمي الحديث إليها ، ولكن دينيه يرى أنه يستحيل أن يتجرد هؤلاء المستشرقون من عواطفهم وبيئاتهم ونزعاتهم المختلفة عند دراستهم في النبوة الإسلامية ، ولذلك كان تحريفهم للسيرة ولحياة الصحابة كبيراً حتى غطى على الحقيقة ، ويوضح ذلك بقوله :
” وهم رغم ما يزعمون من اتباعهم لأساليب النقد الحديث ، فإننا نلمس في كتاباتهم محمداً يتحدث بلهجة ألمانية إذا كان المؤلف ألمانياً ، ومحمداً يتحدث بالإيطالية إذا كان الكاتب إيطالياً وهكذا تتغير صورة محمد بتغير جنسية الكاتب ” . ووسط هذا الجو المشحون بالعداء لناصر الدين قام بتأليف مجموعة من الكتب باللغة الفرنسية منها :
- حياة العرب .
- السراب .
- حياة الصحراء .
- ربيع القلوب .
- لعبة الأضواء .
- أشعار عنترة .
- آفاق الفن التشكيلي .
- الشرق كما يراه الغرب .
- أشعة خاصة بنور الإسلام .
- محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام .
وهو الكتاب الذي ترجمه إلى العربية فضيلة الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر .
وتعتبر كتبه الثلاثة الأخيرة من أهم مؤلفاته حيث عرض فيها فكره وقناعاته الثقافية والدينية والسياسية ، وركز جهده في مجال الدين والثقافة على إبراز ما انتهى إليه في دراسته من تحريف وبطلان عقائد النصارى وسلامة نصوص الوحي الإسلامي وقائده ، لقد تحدث عن المستشرقين في كتاب ( الشرق كما يراه الغرب ) ، وهاجم فيه المستشرقين وبين أن الافتتان بهم وبآرائهم لا أساس له ، ثم أبدى دهشته من إدعاء المستشرقين المغرضين بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو مؤلف القرآن حيث يقول في كتاب ( محمد رسول الله ) :
” حقاً إنه ليدهشني أن يرى بعض المستشرقين أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد انتهز فرصة الخلوة فروى ورتب عملية للمستقبل !! بل لقد ذهب بعضهم إلى أبعد من هذا فوسوس أن محمداً قد ألف في تلك الفترة القرآن كله . أحقاً لم يلاحظوا أن هذا الكتاب الإلهي خال من أي خطة سابقة على وجوده مرسومة على نسق المناهج الإنسانية .
وأن كل سورة من سور منفصلة عن غيرها بحادثة أو مناسبة أو موضوع وقع بعد الرسالة طيلة فترة تزيد عن عشرين عاماً ، وأنه كان من المستحيل على محمد أن يتوقع هذا ويتنبأ به ؟ فهذا القرآن كتاب الله العلي القدير هو الذي أملى هذه الآيات البينات حيث نجد أن معجزات الأنبياء الذين سبقوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، كانت في الواقع معجزات وقتية ( مرتبطة بزمنها ) وبالتالي معرضة للنسيان السريع ، بينما نستطيع أن نسمي الآيات القرآنية معجزةً خالدةً ذلك أن تأثيرها دائم ومفعولها مستمر ، ومن اليسير على المؤمن في كل زمان ومكان أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة آيات القرآن كما أن في استغناء النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن مدد الخوارق والمعجزات المادية التي اعتمد عليها من سبقوه من الأنبياء لأكبر معجزة على الإطلاق ، ثم تحدث – رحمه الله – عن الفروق بين الإسلام وغيره في نظرته لإله الكون فيقول في كتابه ( أشعة خاصة بنور الإسلام ) :
” الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي لم يتخذ الإله فيه شكلاً بشرياً أو ما إلى ذلك من الأشكال ، أما في المسيحية فإن لفظة الله تحيطها تلك الصورة الآدمية لشيخ طاعن في السن قد بانت عليه جميع دلائل الكبر والشيخوخة والانحلال ( انحلال القوة ) فمن تجاعيد بالوجه غائرة إلى لحية بيضاء مرسلة مهملة تثير في النفس ذكرى الموت والفناء ، وتسمع الجميع يصيحون ( ليحيي الله ) فلا نرى للغرابة محلاً ولا نعجب لصيحاتهم وهم ينظرون إلى رمز الأبدية الدائمة ، وقد تمثل أمامهم شيخاً هرماً قد بلغ أرذل العمر فكيف لا يخشون عليه من الهلاك والفناء ؟! وكيف لا يطلبون له الحياة ؟!
كذلك ( ياهو ) الذي يتمثلون به طهارة ( لتوحيد اليهودي فهم يجعلونه في مثل تلك المظاهر المتهالكة ، تراه في متحف الفاتيكان ونسخ الأناجيل القديمة المصورة ) .
ويتوج العلامة ناصر الدين حياته الإيمانية بالحج إلى بيت الله الحرام عام 1929م ، وعاد بعدها في شهر يونيو إلى مرسيليا بفرنسا وأصبح يمهر لوحاته ولأول مرة ( بالحاج ناصر الدين ) ثم ألف كتاباً عن الحج إلى بيت الله الحرام وقد طبع هذا الكتاب بعد وفاته وقد ذكر فيه :
” لو كان الإسلام الحقيقي معروفاً في أوروبا لنال من العطف والتأييد أكثر من أي دين آخر ، يجدون فيه عزاءً وسلوى من غير أن يحول بينهم وبين حريتهم التامة في آرائهم وأفكارهم ” .
ومن وفاء هذا الرجل لصديقه الجزائري سليمان بن إبراهيم أنه وضع اسمه معه على كتاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل حقوق الطبع محفوظة لذلك الصديق حتى يمكنه الانتفاع به ، وهكذا يصنع الإسلام .
وبعد أن انتهى من تأليف كتابه عن الحج بأسبوعين اشتكى من علة أدخل على إثرها المستشفى في باريس في 9 نوفمبر عام 1929م ومكث بالمستشفى حتى أسلم الروح في 24 ديسمبر من نفس العام ، وصلى المسلمون عليه صلاة الجنازة في مسجد باريس الكبير ، ونقل جثمانه في يناير 1930م لكي يُدفن حسب الشريعة الإسلامية عملاً بوصيته التي تركها مع أخته ( جين دينيه ) وأن يكون دفنه في مقبرة إسلامية أعدها مسبقاً لنفسه بمقابر المسلمين ببلدة بوسعادة التي شهدت إسلامه وكانت مستقراً لجثمان الطاهر إلى يوم أن يقوم الناس فيه لرب العالمين .
رحم الله تلك الروح الطاهرة ومعها أرواح اللورد هيلدي والدكتور عبد الكريم جرمانوس ومن على شاكلتهم .