الفقه الإسلامي :
نظرة على الحيوانات من حيث حِلّها وحرمتها وتذكيتها
د . خورشيد أشرف إقبال الندوي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد !
فالقاعدة الشرعية التي تحكم التعامل مع كل ما سخره الله لنا وأوجده هي أن الأصل فيه الإباحة ؛ لقوله تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) [ الجاثية : 13 ] ، إلا ما ورد نص على تحريمه مثل النجس ، وما اختلط بنجس والضار والمسكر ، وكل ما تأنفه النفس السوية ، ولا تسطيبه من الأوساخ والقاذورات ، قال تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتِ ) [ المائدة : 4 ] . ويقول تعالى في صفة نبيه صلى الله عليه وسلم : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) [ الأعراف : 157 ] .
أولاً : الحيوانات التي يحل أكلها :
ثانيًا : الحيوانات التي يحرم أكلها :
ثالثًا : أسرار تذكية الحيوانات :
يراد بالتذكية ذبح الحيوانات التي يحل أكلها بالطريقة الشرعية ، وهي من الأمور التعبدية عند المسلمين ، وتتم بإحدى الطرق الشرعية التالية :
ويستحب معاملة الحيوان قبل ذبحه وفي أثناء الذبح معاملة حسنة ، فلا يسلخ ولا يقطع أي جزء من أجزائه قبل الذبح ، ولا يعذب ، ولا يذبح بشفرة غير حادة ، ولا تحد الشفرة أمامه ، ولا يذبح أمام حيوان آخر ؛ فإذا حصل شيئ من هذا كانت الذبيحة حلالاً ، وإن أثم الذابح ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله كتب الإحسان على كل شيئ ؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته ” [15] ، ويشترط أن يكون الذبح بآلة حادة ، ولا يجوز الذبح بالسن والظفر وسائر العظام ، أو بآلة لا حد لها ، ويشترط أن يكون الذابح عاقلاً مميزًا ، مسلمًا كان أو كتابيًّا .
اتفق الفقهاء على مشروعية التسمية على الذبيحة ، عند نية ذبحها وهي قول الذابح : ” باسم الله والله أكبر ” ، ويجزئ ذكر اسم الله بأي صيغة كانت ، كالتسبيح والتحميد ، ويجوز أكل ذبيحة من ترك التسمية ناسياً .
ولا يجوز للمسلم أن يذكر اسم صنم أو عظيم أو ملك أو ولي على أي حيوان يذبح ، وينبغي أن يكون الحيوان المراد أكله سليمًا خاليًّا من الأمراض المعدية ، ومما يغير اللحم تغييراً يضر بأكله .
والأصل في الذبح عند المسلمين أن يكون بدون تدويخ للحيوان ؛ لأن المسلمين يرون أن طريقة الذبح الإسلامية هي الأمثل ، رحمة بالحيوان وإحسانًا لذبحته ، وتقليلاً من معاناته .
وقد عنى الإسلام بوضع الأحكام الشرعية التي تنظم عملية الذبح للحيوانات ، التي يحل أكل لحومها ؛ لما لعملية الذبح من تأثير كبير على صحة وسلامة هذه اللحوم ، وما ينتج عن ذلك من تأثير كبير على صحة الإنسان ، ولقد حققت الشريعة الإسلامية سبقًا حضاريًّا بفرض الذكاة الشرعية على ما يحل أكله من الحيوانات ( كالأنعام والإبل والماشية ) ، وبوضع العديد من الآداب والأحكام الشرعية أثناء عملية الذبح .
فمن ذلك ضرورة التقيد بالذكاة الشرعية ، وهي ذبح الحيوان أو نحره ، بقطع حلقومه ( مجرى النفس ) أومريئه ( مجرى الطعام والشراب من الحلق ) ، ويطبق ذلك على كل حيوان أكله حلال ما عدا السمك والجراد ، وتكمن أهمية الذكاة في تسهيل خروج وتدفق الدم من داخل جسم الحيوان ، حيث يحمل الدم داخل الجسم العديد من المركبات السامة ، مثل المركبات النيتروجينية ( اليوريا وحمض البول والأمونيا ) وغاز ثاني أكسيد الكربون ، بالإضافة إلى أنه ناقل لبعض السموم من الأمعاء إلى الكبد ، والتي قد يؤدي تناولها إلى الأضرار بصحة الإنسان وتسبب الأمراض له .
وينبغي أن يذكر المسلم اسم الله سبحانه وتعالى على الحيوان المراد تذكيته ؛ لقوله تعالى : ( كُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ) [ الأنعام : 188 ] ، وقوله جل علا : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) [ الأنعام : 121 ] .
وأن تكون الأداة المستخدمة في ذبح الحيوان حادة حتى تتم عملية الذبح بسرعة وسهولة ، ولكي تقل معاناة الحيوان أثناء الذبح ، ويعد هذا الأمر سبقًا علميًّا آخر في مجال التعامل مع الحيوان والرفق به وعدم تعذيبه ، قال صلى الله عليه وسلم : ” إن الله كتب الإحسان على كل شيئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ” [16] .
وفي الحث على إراحة الحيوان قبل ذبحه حكمة جليلة أظهرتها الدراسات العلمية الحديثة ؛ إذ أن إراحة الحيوان قبل الذبح أمر ضروري للحصول على لحم ذي طعم مستساغ ، حيث يتحول الجلايكوجين الموجود في العضلات بعد ذبح الحيوان إلى حامض اللاكتيك ( حامض اللبن ) والذي يقوم بدور حافظ للحم ، وكذلك يعمل على تطرية اللحم ، حيث يقوم هذا الحامض خلال فترة تعليق الحيوان بتغيير طبيعة البتروتين في اللحم ، مما يعمل على تطريته ، وفي حال تعرض الحيوان للإجهاد قبل الذبح ، فإن ذلك سيؤدي إلى استنفاد كمية الجلايكوجين ، ومن ثم تكون حامض اللاكتيك بدرجة كبيرة ، فلا تتم عملية التطرية بشكل جيد .
ولقد ثبت علميًّا أن جسم الميتة في الحيوانات يحتبس فيه الدم بكل رواسبه وسمومه ، وقد يتخلل جميع الأنسجة اللحمية ، وتبدأ السموم عملها في كل خلايا الجسم ، فتكتسب الميتة اللون الداكن ، وتمتلئ الأوردة السطحية بالدماء ، وتتوقف الدورة الدموية دون أن يتسرب ، حتى ولو كان قدر ضئيل من تلك الدماء إلى خارج الجسم ، وتصبح الميتة بذلك كلها بؤرة فاسدة للأمراض ، ومجمعًا خبيثًا للميكروبات ، ويبدأ التعفن في عمله فيها ، ويعم أثره في اللحم لونًا وطعمًا ورائحة ، فالميتة ليست من الطيبات ، قال تعالى : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) [ المائدة : 4 ] .
كما أن الميتة يفقد لحمها كل قيمة ؛ لأن إنزيمات التحلل تبدأ عملها في الخلايا ، فتفقدها كل قيمة غذائية .
وعلى أي حال فإن المسلمين يمتنعون تمامًا – وقبل معرفة هذه الحقائق – عن أكل لحم الميتة ؛ اتباعًا لأوامر الخالق في كتابه الكريم ؛ لأنهم يؤمنون أن ما جاء في هذا القرآن إنما هو الحق المطلق ، الذي لا يتغير ولا يتبدل ، يقول الله تعالى : ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ يونس : 37 ] .
رابعًا : شبهة تعذيب الحيوان :
ظهرت شبهات وافتراءات في بعض البلدان غير الإسلامية ، لقيام المسلمين بذبح الأغنام ، متهمة إياهم بالوحشية والهمجية ، وحين سئل الدكتور : ( جون هنوفر لارسن ) : إذا قمنا بذبح الحيوان وقطع أوردته وبعد أن يسيل الدم منه فهل يشعر الحيوان بالألم من جراء ذلك ؟
الجواب بسيط : . . . اضغط على أي شخص أمامك في هذا المكان ( ويشير إلى مكان ذبح الشاة ) تجده قد أغمي عليه لحظات ، وقد اكتشف العلم أن مراكز الإحساس بالألم تتعطل إذا توقف ضخ الدماء عنها لمدة ثلاث ثوان فقط ؛ لأنها بحاجة إلى وجود الأوكسجين في الدم باستمرار .
فقيل له : كيف تقول يا دكتور ! إن هذا الحيوان لا يحس بالألم مع أننا نراه يرفس ويتحرك ويتلوى ويتخبط ؟
فابتسم الدكتور وقال : هذا سببه أن الجهاز العصبي لا يزال حيًّا وما تزال فيه حيوية ، ولم يفقد منه غير وعيه فقط ، وفي هذه الحالة ما دمنا لم نقطع العنق فإننا لم نعتد على الجهاز العصبي فتعطل الحياة الموجودة فيه ، لكن الذي يحدث في عملية الذبح ( أي بطريقة المسلمين ) أن يبدأ الجهاز العصبي بإرسال إشارات من المخ إلى القلب ، طالبًا منه إمداده بالدماء ؛ لأنها لم تصل إليه ، وكأنه ينادي : لقد انقطعت عني الدماء . . . أرسل إلينا دمًا أيها القلب ؟ يا عضلات ! أمدي القلب الدماء ، أيها الجسم ! أخرج الدماء فإن المخ في خطر ، عندها تقوم العضلات بالضغط فوراً ويحدث تحرك سريع للأحشاء والعضلات الداخلية والخارجية ، فتضغط بشدة ، وتقذف بكل ما فيها من دماء وتضخها إلى القلب ، ثم يقوم القلب بدورة بالإسراع في دقاته بعد أن يمتلئ بالدماء تمامًا ، فيقوم بإرسالها مباشرة إلى المخ ، ولكنها بطبيعة الحال ، وتخرج للخارج ، ولا تصل إليه ، فتجد الحيوان يتلوى ، وإذا به يضخ الدماء باستمرار ، حتى يتصفى جسم هذا الحيوان تمامًا من الدماء ، وبذلك يتخلص جسم هذا الحيوان أكبر بيئة خصبة لنمو الجراثيم ، وأخطر مادة على الإنسان .
فقيل له : تقصد أن الحيوان المذبوح يفقد الحياة خلال ثوان فقط إذا ذبح بالطريقة الصحيحة ، وأن ما نراه في الحيوان من رفس وتشنج وما شابه ذلك ، هي من مؤثرات بقاء الحياة في الجهاز العصبي ، ولا يشعر الحيوان المذبوح بها على الإطلاق .
فأجاب : نعم ، هذا صحيح .
لقد وردت كل هذه الأسرار الطبية والحكم الصحية في طيات القرآن المجيد ، الذي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) [ فصلت : 42 ] ، ما من خير إلا دل عليه ، وما من شر إلا وحذر منه .
[1] رواه ابن ماجة في كتاب الأطعمة باب الكبد والطحال برقم 3314 ، وأحمد برقم 5723 .
[2] رواه الترمذي في كتاب الأطعمة باب ما جاء في ذكاة الجنين برقم 1476 ، وأبو داود برقم 2828 ، وابن ماجة برقم 3199 ، وأحمد برقم 10950 .
[3] رواه مالك في المؤطأ في باب الطهور برقم 45 ، وأبو داود برقم 83 ، والترمذي برقم 69 ، وابن ماجة برقم 386 .
[4] رواه الترمذي في باب ما جاء في أكل الضب برقم 1790 ، وانظر تحفة الأحوذي للمباركفوري 5 / 402 .
[5] رواه أبو داود في كتاب الأطعمة ، باب في أكل لحوم الخيل ، برقم 3295 ، وأحمد برقم 14373 .
[6] رواه البخاري في كتاب الهدية وفضلها ، باب قبول هدية الصيد ، برقم 2284 ، ومسلم كتاب الصيد والذبائح ، باب إباحة الأرنب ، برقم 3611 .
[7] انظر تحفة الأحوذي للمباركفوري 1/ 189 .
[8] رواه الترمذي في كتاب الصيد عن رسول الله ، باب ما قطع من الحي فهو ميت ، برقم 1400 ، ورواه ابن ماجة في كتاب الصيد ، باب ما قطع من البهيمة وهي حية ، برقم 3207 .
[9] بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ” إنكم إذا نزلتم بفارس من النبط ، فإذا اشتريتم لحمًا فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوه ، وإن كان من ذبيح مجوس فلا تأكلوه ” ، رواه الإمام أحمد .
[10] مستدرك الحاكم ، كتاب البيوع ، برقم 2345 ، وابن ماجة في كتاب الأحكام ، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره ، برقم 2340 .
[11] رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر برقم 3963 .
[12] سنن أبي داود ، كتاب الأطعمة ، باب في كراهية التقذر للطعام 3789 ، وسنن الدارقطني في كتاب الأشربة وغيرها ، باب الصيد والذبائح والأطعمة ، وغير ذلك ، برقم 69 .
[13] رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد ، باب أكل كل ذي ناب من السباع ، برقم 5104 ، ورواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ، باب أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، برقم 3574 .
[14] رواه البخاري في كتاب الشركة ، باب قسمة الغنم 5203 .
[15] سنن ابن ماجة ، كتاب الذبائح ، باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة 2170 ، والترمذي في كتاب الديات باب ما جاء في دية الجنين 1409 .
[16] رواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح . . ، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل . . . ، برقم 3615 .