البروفيسور فؤاد سيزكين : شخصية موسوعية
مارس 1, 2020قصيدة أسماء القرآن للشيخ مير شجاع الدين حسين : دراسة فنية
مارس 1, 2020رجال من التاريخ :
منافع الجهد والجهاد على لسان الإمام أحمد بن عرفان الشهيد
[ عربه من كتاب ” الصراط المستقيم ” بالفارسية للشيخ إسماعيل الشهيد مجموع أمالي الإمام أحمد بن عرفان الشهيد طلحة نعمة الندوي ] *
اعلموا – رحمكم الله – أن الجهاد يحمل في طيه فوائد جمةً ومنافع عظيمةً ، وعامةً عموم الغيث الذي لا يحرم منافعه أي فرد من الإنسان والحيوان والنبات ، وتنقسم هذه الفوائد إلى قسمين : أحدهما ما يشارك فيه كل من المؤمنين المطيعين والكفار المتمردين والفساق والمنافقين ، بل يتعدى إلى الجن والنبات ، أما القسم اﻵخر فهو يختص بطائفة خاصة من الناس . ومعنى ذلك أن طائفة تستفيد منها فوائد ، بينما تصيب الأخرى منها فوائد غيرها .
وتفصيل المنفعة العامة أنه قد ثبت بالتجربة الصحيحة أن عدل الحكام وأمانة أهل المعاملة وحكامهم ووجود الأغنياء وسخاءهم ووجود النية الحسنة في عامة الناس ، إذا اجتمع كل ذلك فإنه يستنزل البركات والخيرات من السماء فتنزل عليهم البركات ويكثر النبات وتكون سوقهم نافقةً وتجارتهم رابحةً ، ويُرفع عنهم البلايا والآفات ، وينمو المال ويزداد أهل العلم والفضل والكمال وأرباب الحرف والصناعات ، فيشهد العالم زيادةً مدهشةً في الأمور المذكورة بفضل عظمة أهل الإسلام وشوكة دين الحق وتقدم الملوك الأغنياء وظهور جلالة شأنهم في أرجاء المعمورة ونواحي الأرض وقوة عساكر الأمة الإسلامية والملة الحقة وانتشار أحكام الشريعة الغراء في القرى والأمصار .
وإن أردت لها مثالاً فانظر مثلاً في الهند ، وقارنها بالروم وتوران في نزول البركات السماوية . وكذلك قارن بين حالة الهند في عصرنا ( أي عصر الإمام سنة 1233هـ ) بحالها قبل قرنين أو ثلاثة قرون ، حيث كانت الدولة الإسلامية فيها في ازدهار ، تلاحظ بين القرنين فرقاً واضحاً جلياً في نزول البركات السماوية وظهور الأولياء العظام والعلماء الكبار الأفاضل ، أما فوائده ومنافعه الخاصة بالمجاهدين الشهداء والغزاة من المسلمين والتي يتمتع بها الملوك المسلمون والأبطال فلا يحتاج إلى شرح وتوضيح .
أما بالنسبة إلى الأولياء وأهل الله تعالى فينالهم الرقي الروحي العظيم في وقت قليل ، والفوز بمراتب كثيرة جمة ومناصب الولاية والوجاهة بحهود يسيرة وترويض قليل .
وأما العلماء فبالجهاد تنتشر علومهم ويتسع نطاقها ويكثر عدد طلابهم مع كثرة المعلمين والمدرسين ، ويظفرون بمراتب القضاء والإفتاء والاحتساب والاجتهاد . وربما ينالون درجة الإمامة العامة الباطنة أي الدعوة العلانية العامة إلى الملة الإسلامية الحقة كما يتشرفون بنيابة الأنبياء عليهم السلام بسبب بيان العقائد الحقة والأحكام المرضية المقبولة عند الله ويجهرون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
أما فوائده بالنسبة إلى الصالحين من الأمة فزيادة رغبتهم في الطاعات والخيرات والشوق إلى التحلي بفضائل التقوى لما يشاهدون من إجلال أهل الدين وتكريم رجال الله تعالى وإهانة أهل الباطل والفجار وانتشار الأمور المشروعة المحمودة وخمول الأمور الممنوعة المذمومة ، ويتضاعف أجر طاعاتهم بفضل انقيادهم للملوك المسلمين المؤمنين وإكرامهم للعلماء الأجلة والأولياء العظام ، وبسبب دخولهم في الجماعة العامة لأهل الإسلام .
كما لا يُحرم من بركات الجهاد عامة المسلمين فإنهم يخلصون نياتهم في معاملاتهم وأعمالهم وتزداد نزعتهم الدينية ، وتميل قلوبهم إلى الطاعات والخيرات ، وذلك بفضل ما يسود الجو من نور الإيمان والدين الحق وما تجود به يد الجواد المطلق العظيم جلَّ شأنه من توفيقه وعنايته وكرمه ، كما ينقادون للأوامر الشرعية لاشتهارها وانتشارها وإن كان ذلك تقليداً . كما يترفهون ويتحسن معاشهم بفصل نزول البركات السماوية وعدل الحكام وجود الكرماء الأسخياء . وتنتظم أمورهم المعاشية والمعادية والأخروية والدعوية بفضل التزامهم بالقوانين والأحكام الشرعية .
أما الفساق والفجار فمن بركة الجهاد ومنافعه لهم أنهم يُوفَّقون للتوبة عن معاصيهم ، وذلك بسبب ما يسري إلى قلوب بني آدم من نور الإيمان وإخلاص هذه الملة المستقيمة ، فتحدث بذلك في قلوب هؤلاء الفساق الكراهة للمعاصي كما أن اشتهار الملة الحقة المستقيمة يؤدي إلى رسوخ شناعة الأفعال القبيحة في قلوب عامة الناس ، ثم إنهم مع ذلك يحفظون أنفسهم من الجهر باقتراف المنكرات والتقرب إلى البدع حذراً من الحدود والجنايات أو العار الذي يلحقهم وما يطعنهم به إخوانهم ويلومهم أصدقاؤهم على ذلك لو اشتهر أمرهم وهم يعرفون قبحها بفضل التعاليم الإسلامية .
أما أهل النفاق فمن بركات الجهاد لهم أنهم لأجله يتمسكون بشعائر الدين ويستقيمون على الصراط المستقيم ولو ظاهراً ، وعدم دخولهم علانيةً في طوائف الكفار خوفاً من القتل أو حرصاً على الحب والإجلال في أهل الإسلام أو نظرةً إلى عزة أهل الإيمان وذلة أهل الكفر والطغيان كما أن الرجاء ﻻ يزال معقوداً بهم ، لأن يدخلوا في السلم كافة ويكون الإيمان راسخةً جذوره في أعماق قلوبهم حينما يشاهدون بأم أعينهم انتشار أنوار الملة الحقة ونزول البركات السماوية وما يلاحظون من شوكة الإسلام وعظمة أهله وبما يخالطون الصالحين ويحتكون بهم ورجال الله وأوليائه ويستمعون إلى مواعظهم حتى تعكس عليهم أنوارها وتنفذ في قلوبهم آ ثارها .
أما بالنسبة إلى أهل الذمة فترفه حالهم وتحسَّن معاشهم لأجل البركات السماوية ورواج بضاعة المكاسب ونفاق الأسواق وعدل الحكام وأمنهم من اللصوص وقطاع الطرق ، وبفضل الرجاء أن تحدث فيهم الرغبة في الإسلام من خلال احتكاكهم بأهل الحق وذيوع صيتهم في الأخلاق الفاضلة وما يلاحظونه من أن أمور المعاش منتظمة بين أهل الحق لأجل اتباعهم للشريعة الإسلامية .
كما أنّ الجهاد يشمل ببركاته الكفار فالذين يذهبون ضحايا المعركة ويقتلون بأيدي المسلمين – مع أنهم أقل قليل بالنسبة إلى الفارين من ساحة الحرب – ولاسيما عند ظهور آثار الفتح على الفريق الآخر إلاّ أنّ ذلك يخفف العذاب عنهم في الآخرة ، ويقلل من عقابهم ، وذلك من حيث إنهم لو عاشوا أكثر من ذلك وهم على كفرهم لازداد عقابهم وتضاعف عذابهم في الآخرة .
وأما الجهاد في حق ذراري الكفار ونسائهم وصبيانهم فهو أيضاً يأتي بفوائد عظيمة أعظمها أنهم بفضل استرقاقهم يتسنى لهم أن يعاشروا رجال الله تعالى ويتشرفوا بصحبتهم ، وعسى أن تعود هذه الصحبة عليهم بالبركات والخيرات في الدنيا والآخرة . هذا غيض من فيض في ذكر بركات الجهاد ومنافعه وفوائده ، ولا يمكننا الآن الإحاطة بالتفصيل .
وجملة القول أن وجوب الجهاد على أهل الإيمان وإقامته إلى انقراض الدهر والزمان في عالم التشريع كإنزال الغيث وإسالة الأنهار والوديان في عالم التكوين .
أما هلاك بعض الرجال الذين قد فقدوا استعدادهم مثل بعض المسلمين الذين يحولون بين الجهاد ويضعون العراقيل في طريقه ويخالفون الغزاة والمجاهدين لخبث باطنهم وحسدهم وحبهم لأهل الكفر والنفاق ، وهكذا يلقون بأيديهم إلى التهلكة إلى الأبد ويكون عدادهم من أخبث المنافقين ، فحرمانهم من فوائد الجهاد وبركاته وعدم شمولهم منافعه لهم مما لا يعتبر به ولا يؤثر ذلك على المنافع العامة للجهاد التي ذكرت ، وذلك لأنه غيث يعمّ نفعه جميع الخلق بداهة وإن كان الغيث يأتي بالخسران وهلاك الحرث والنسل أحياناً ، ولكن بركاته مما لا ينزع فيه رجلان .
* استهانوان ، بهار شريف .