علم الدلالة وعلاقته بالأصوات
أغسطس 3, 2024الشيخ سعيد الكرياسني : رجل في أمة
سبتمبر 2, 2024بأقلام الشباب :
مكانة الإمام أبي حنيفة في علم الحديث
الأخ محمد روح الأمين *
تُعرف مكانة الإمام أبي حنيفة رحمه الله ومنزلته وشأنه في علم الحديث بمعرفة أحوال شيوخه ممن أخذ علم الحديث ؟ وكم شيخاً سمع منه ؟
أقول : لا ينبغي لأحد أن يقول عن أبي حنيفة رحمه الله أنه حصل من شيوخه علم الفقه ، لأنه ما كان قبله فناً مستقلاً . فإنه أوّل من دوّن علم الفقه الإسلامي ، بعد استنباط الأحكام من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية ، فالمراد هنا بشيوخه شيوخ الحديث . فإن العُرف لا يستعمل لفظ الشيخ لمعلِّم الفقه .
إنه أول من وضع الأصول والضوابط ، وبوّب الشريعة الإسلامية المحمدية حتى الإمام مالك مؤسس المذهب المالكي قد اختار ترتيب أبي حنيفة الفقهي في كتابه ” الموطأ ” ، ومن أتى بعده قد اتبع الإمام أبا حنيفة في وضع الأبواب ، وترتيبه الفقهي في كتبهم الحديثية والفقهية .
قد وضّح الإمام الخوارزمي ( المتوفى 665هـ ) هذه الحقيقة في جامع المسانيد ، فكتب : ” أنه أول من دوّن علم الشريعة ورتّبه أبواباً ثم تابعه مالك بن أنس في ترتيب الموطأ ، لم يسبق أبا حنيفة أحد ، لأن الصحابة والتابعين بإحسان لم يضعوا في علم الشريعة أبواباً مبوّبةً ولا كتباً مرتبةً ، وإنما كانوا يعتمدون على قوة حفظهم [1] .
وحدّث الإمام ابن حجر الهيثمي المكي الشافعي ( المتوفى 973هـ ) : ” إنه أوّل من دوّن علم الفقه ورتّبه أبواباً وكتباً على نحو ما هو عليه اليوم ، وتبعه مالك في الموطأ ، ومن قبله إنما كانوا يعتمدون على حفظهم . وهو أول من وضع كتاب الفرائض وكتاب الشروط [2] .
يظهر به أن العلوم الأصلية في الشريعة الإسلامية من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مائة عام من الهجرة النبوية كلها يدرس بشكل الحديث . فلهذا الوجه يؤخذ وتحصل المسائل الفقهية ، وعلوم الأحكام ، وعلوم الشريعة والقانون وغيرها بشكل الحديث . وكان كذلك الحال لعلم التفسير ، يعني يؤخذ أيضاً بشكل الحديث ما لم يبدأ عصر المفسرين ، وهكذا يعلم علم الزهد ، والعبادة ، والرياضة ، والتزكية وغيرها بالأحاديث النبويّة . لهذا ما يذكر عن الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان مثلاً : سمع أبو حنيفة من فلان ، وروى عن فلان ، أو أخذ من فلان ، أو تفقّه من فلان ، فالمراد بكل منها علم الحديث سواءً كان خبراً أو أثراً . لا يفهم منه كان هو علم الفقه . فإن علم الفقه لا يوجد في ذلك الوقت فناً مستقلاً ، فإن بدايته ونشأته صدرت عنه أولاً . مع أنه من يفهم أنه يتعلق بعلم الفقه .
يُقال عن الإمام أبي حنيفة أن له سبعة عشر حديثاً ، وكان من قليلي الرواية . فإذا استعرضت خدماته حول الشريعة المحمدية ، يتجلّى كالشمس أنه كذبٌ جليٌ لم يوجد في علم التاريخ من قبل .
كتب الإمام الزرقاني في شرح الموطأ للإمام مالك أن عدد شيوخ الإمام مالك رحمه الله نيف وتسع مائة [3] .
وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء ” أن الإمام أحمد بن حنبل قد روى عن ثمانين ومائتين من شيوخه في المسند ” [4] .
وقال الإمام البخاري : رويت عن ثمانين وألف من شيوخي [5] .
وعدّ الإمام الذهبي شيوخَ الإمام مسلم الذين روى عنهم في صحيحه فبلغ عشرين ومائتين [6] . وعدّ شيوخ الإمام الترمذي واحداً وعشرين ومائتين .
وذكر ابن حجر العسقلاني أن الإمام أبا داود صاحب السنن عدد شيوخه ثلاث مائة [7] .
وكتب الذهبي أسماء سبعين من شيوخ النسائي ، ووُجِد في سننه النسائي وغيره من كُتبه ثمانون وثلاث مائة ، فالمجموع خمسون وأربع مائة [8] .
وقال : روى ابن ماجة عن كثير من شيوخه سوى المذكورين ، ولم يتعين أحد من الأئمة عدد شيوخه [9] .
كثرة عدد شيوخ الأئمة شأن ذوقهم في علم الحديث ، ودليل على سعة علمهم . عدد شيوخ الأئمة من كبار المحدثين من مائتين إلى ثمانين وألف . قد تفرّد الإمام أبو حنيفة بهذا الاعتبار أيضاً على غيره . فإن عدد شيوخه أكثر منهم ، فإنهم أربعة آلاف على ما صرّحه أئمة المحدثين وأسماء الرجال كما يلي :
إن عدد شيوخ الإمام أبي حنيفة النعمان أربعة آلاف ، بيّنه الإمام موفق بن أحمد المكي في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان ، والخوارزمي في جامع المسانيد ، والكردي في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان ، وغيرهم من المؤرخين منهم : ابن حجر الهيثمي المكي الشافعي ، والإمام أحمد بن يوسف الصالحي الشامي الشافعي ، والإمام أبو حفص الكبير وغيرهم .
ذكر الإمام أبو عبد الله بن أبي حفص الكبير مناقشةً بين تلاميذ أبي حنيفة والشافعي فكتب : ” فجعل أصحاب الشافعي يفضلون الشافعي على أبي حنيفة ، فقال أبو عبد الله بن أبي حفص : عدوا مشايخ الشافعي كم هم ؟ فيعدون فبلغوا ثمانين . ثم عدوا مشايخ أبي حنيفة من العلماء والتابعين فبلغوا أربعة آلاف . فقال أبو عبد الله : هذا من أدنى فضائل أبي حنيفة [10] .
وقال سيف الأئمة السابلي : ” إن أبا حنيفة تلمذ عند آلاف من شيوخ أئمة التابعين [11] .
وذكر الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي ( المتوفى 942هـ ) بمرجع أبي حفص الكبير أن عدد شيوخ الإمام أبي حنيفة النعمان أربعة آلاف [12] .
وتفاوض الهيثمي المكي الشافعي ( المتوفى 972هـ ) على شيوخ الإمام أبي حنيفة فكتب : ” هم كثيرون لا يسع هذا المختصر ذكرهم ، وقد ذكر منهم الإمام أبو حفص الكبير أربعة آلاف شيخ ، وقال غيره : له أربعة آلاف من التابعين ، فما بالك بغيرهم [13] .
فثبت بأقوال الأئمة المذكورين أن عدد شيوخ الإمام أبي حنيفة النعمان أربعة آلاف حتى إنهم كانوا من التابعين . فإن فُرض أنه روى عن كل واحد من شيوخه حديثاً فيبلغ عدد المرويات عنه إلى أربعة آلاف ، مع أنه إن ضُمّت معها مروياته عن شيوخه الذين من غير التابعين ، فما بالك أي لم يمكن أن يسعها . وكان كثير من شيوخه من التابعين ذوي رواية لا يحصون .
فكيف نُسلّم أن الإمام أبا حنيفة قد صحِب كثيراً من شيوخه سنوات ، ولم يأخذ منهم إلا حديثاً . بل الحق أنه روى عنهم حتى الإمكان أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم . فإنه كان ممتازاً من غيره في الفطانة والحرص لطلب الحديث روايةً ودرايةً .
قول الإمام أبي حنيفة في رواية الحديث عن شيوخه من التابعين : أبو جعفر المنصور الخليفة الثاني في العصر العباسي مرةً سأل أبا حنيفة : ممن أخذت العلم ؟ فأجاب الإمام بقوله : ” عن أصحاب عمر عن عمر رضي الله تعالى عنه ، وعن أصحاب علي عن علي رضي الله تعالى عنه ، وعن أصحاب عبد الله بن مسعود عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه ، وما كان في وقت ابن عباس رضي الله تعالى عنه على وجه الأرض أعلم منه . قال : لقد استوثقت لنفسك [14] .
فقال أبو جعفر : بخ بخ ، استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة ! الطيبين الطاهرين المباركين صلوات الله عليهم [15] .
وقد اعترف أبو جعفر المنصور بأن الإمام أبا حنيفة النعمان روى عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس بأجلة تلاميذهم بأسانيد عالية . وذكر الإمام أبو حنيفة أسماء بعض شيوخه من كبار التابعين ، قال الإمام عبد الله بن داود : سألت أبا حنيفة من أدركت من الكبراء ؟ فقال : القاسم وسالماً وطاؤساً ومكحولاً وعبد الله بن دينار والحسن البصري وعمرو بن دينار وأبا الزبير وعطاء وقتادة وإبراهيم والشعبي وأمثالهم [16] .
وفي رواية قال في جواب أبي جعفر المنصور : ” عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم .
أسماء شيوخ أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي : إن شيوخ البخاري إِذا أحصي عددهم فإنهم كانوا ثمانين وألفاً ، والإمام أبو حنيفة لم يكتب أئمة المحدثين والمؤرخين عدد شيوخه فقط . بل ذكر أسماء الذين روى أبو حنيفة عنهم .
كالخطيب ( المتوفى 463هـ ) في تاريخ بغداد [17] . والعسقلاني ( المتوفى 852هـ ) في تهذيب التهذيب [18] . والذهبي ( المتوفى 648هـ ) في سير أعلام النبلاء أربعين اسماً [19] . والسيوطي الشافعي ( المتوفى 911هـ ) في تبييض الصحيفة بمناقب أبي حنيفة أربعة وسبعين اسماً لشيوخ أبي حنيفة النعمان [20] . والمزي ( المتوفى 742هـ ) في تهذيب الكمال [21] . وفي رواية قال في جواب أبي جعفر المنصور : ” عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم . قال : ما ذكره الأئمة من أسماء شيوخ أبي حنيفة النعمان في كُتبهم تحت فهارس شيوخ الإمام فهو على تحقيقاتهم . كتب الأكثر منهم من خمسة عشر إلى سبعين . وحقّقَ بعض من غيرهم ، كصاحب السيرة الشمسية والإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي وغيرهما ، فقال : إن عدد شيوخ الإمام أبي حنيفة النعمان عدد لا يحصى . وإن ما ذكرته يتضح به مقام أبي حنيفة رحمه الله ومكانته في علم الحديث روايةً كانت أو درايةً .
* باحث بقسم علم اللاهوت الإسلامي في الجامعة العالية ، كولكاتا ، الهند .
[1] الخوارزمي ، جامع المسانيد ، الناشر دار الكتب العلمية ، المجلد 1 ، ص 34 .
[2] الهيتمي ، الخيرات الحسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان 1324هـ ، طبع بمطبعة السعادة بجوار محافظة مصر ، ص 43 .
[3] الزرقاني ، شرح الموطأ ، المجلد 1 ، ص 2 .
[4] الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ( الطبعة الحادية عشرة – 1996م ) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، المجلد 11 ، ص 181 .
[5] العسقلاني ، مقدمة فتح الباري ، ص 642 .
[6] شمس الدين الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ( الطبعة الحادية عشرة – 1996م ) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، المجلد 12 ، ص 561 .
[7] ابن حجر العسقلاني ، تهذيب التهذيب ، الطبعة الأولى ( 1435هـ ) دمشق ، سوريا ، المجلد 4 ، ص 151 .
[8] شمس الدين الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ( الطبعة الحادية عشرة – 1996م ) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، المجلد 14 ، ص 125 – 127 .
[9] شمس الدين الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ( الطبعة الحادية عشرة – 1996م ) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، المجلد 13 ، ص 277 – 278 .
[10] الموفق ، مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ، الطبعة الأولى ، بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند بمحروسة حيدرآباد الدكن ، ج 1 ، ص 38 .
[11] أبو المؤيد محمد بن محمد الخوارزمي ، جامع المسانيد ، الناشر دار الكتب العلمية ، ج 1 ، ص 32 .
[12] عبد القادر الأفغاني ، عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان ( تحقيق ودراسة ) ، جامعة أمّ القرى ، مكة المكرمة ، 1398 – 1399هـ ، ص 63 .
[13] ابن حجر هيتمي المكي ، الخيرات الحسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ، طبع بمطبعة السعادة بجوار محافظة مصر ، بومبي ، الهند سنة 1324هـ ، ص 36 .
[14] الخوارزمي ، جامع المسانيد ، الناشر دار الكتب العلمية ، المجلد 1 ، ص 31 . والخطيب ، تاريخ بغداد ، المجلد 13 ، ص 334 .
[15] الصيمري ، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ، الطبعة الثانية ، ص 58 – 59 . والخطيب ، تاريخ بغداد ، المجلد 13 ص 334 – 335 .
[16] الحصكفي ، مسند الإمام الأعظم ، ص 189 .
[17] الخطيب ، تاريخ بغداد ، المجلد 13 ، ص 325 .
[18] العسقلاني ، تهذيب التهذيب ، الطبعة الأولى ( 1435هـ ) ، المجلد 10 ، ص 401 .
[19] الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ( الطبعة الحادية عشرة – 1996م ) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، المجلد 6 ، ص 530 .
[20] السيوطي ، تبييض الصحيفة بمناقب أبي حنيفة ، الطبعة الأولى ، 1410هـ ، 1990م ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، ص 39 – 65 .
[21] الموزي ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، الطبعة الأولى ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، شارع سوريا ، المجلد التاسع والعشرون ، ص 418 – 420 .