خير جليس في الزمان كتاب
سبتمبر 4, 2021العلم القرآني وصلته بحياة الإنسان
أكتوبر 12, 2021الدعوة الإسلامية :
ماذا تعلّمنا من فيروس كورونا ؟ – منظور إسلامي
الدكتور علي إبراهيم الجمالي *
المقدمة :
إن العالم في حالة من الخوف والفزع والاضطراب بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا منذ سنة أو أكثر ، والناس صاروا مسجونين داخل بيوتهم ولا يستطيعون لهم الخروج إلا لضرورة أو لحاجة ماسّة ، وقد تعطّلت الأنشطة التجارية وأغلقت المتاجر الصغيرة ومراكز التسوق وتوقّف التبادل التجاري بين الدول ، وكذلك قد أُوقف أكثر خدمات خطوط الطيران والسفن والمركبات ، وأُلغيت كل الفعاليات والتجمّعات بما فيها الصلاة الجامعة في المساجد حول العالم حتى الحرمين الشريفين ، وإنما سُمح لعدد خاص لأداء فريضة الحج في هذه السنة . والناس حيارى لا يعرفون ماذا يكون في المستقبل ، هكذا أثار هذا المخلوق المجهريّ الصغير – الذي لا يرى بالعين المجردة ، ولا يسمع له همس ، ولا تشم له رائحة – الرّعب والذّعر في نفوس جميع سكّان القارّات السّبع .
فإذن لابد من أن يكون هذا الفيروس درساً وعبرةً لجميعنا ، ينبّهنا إلى ضعفنا وقلّة حيلتنا أمام قدرة الله تعالى الجبار القهار . بالرغم من أن الإنسانية قد وصلت إلى معرفة أسباب الكوارث والنّكبات ، فلا ينبغي أن تصرفنا تلك المعرفة عن المواعظ والعبر في الأسباب غير الظّاهرة . وأهم النقاط من تفشّي وباء كورونا في العالم أجمع ، فإنه لم يفرق بين الغني والفقير ، والأبيض والأسود ، والعالم والجاهل ، والصحيح والعليل ، والشيخ والطفل ، وبين الدولة المتقدمة والدول الفقيرة بل كل العالم أصابه هذا الداء الخطير .
في هذه اللحظة من التوتّر ، يكون من الأفضل أن تُعرف وجهات النظر المختلفة حول قضية هذا الفيروس ، وخاصّة وجهة النظرة الإسلامية . وفي هذا المعنى ، تهدف هذه المقالة القصيرة على إلقاء الضوء على بعض العبر والدروس التي تعلمناها من هذا الفيروس المبيد في منظور الإسلام المبين .
الفيروس في رأي الإسلام :
إن فيروس كورونا ليس له جنسية ولا عرق ولا منطقة ولا حدود ولا جواز سفر ولا تأشيرة ، فيمكن أن يسافر دون أي قيود ويؤثر على حياة الناس ويمكن – أعاذنا الله – أن يقتلهم . وفي الحقيقة ، مهما تقدم الزمن بالبشرية وارتقت العلوم والتكنولوجيا ، تظهر فيروسات جديدة أكثر ذكاءً وخطورةً لم تكن معروفةً من قبل كالإيدز وإيبولا وسارس وكورونا وغيرها من الفيروسات . وبالتأكيد فإن فيروس كورونا الجديد لن يكون آخر هذه الفيروسات . وإن ذلك قد أظهر عدم جاهزية العالم وعجزه عن مواجهة مثل هذه الفيروسات والأوبئة التي تهدّد البشرية ، وكذلك لم تكن الدول المتقدمة تبحث اللقاحات للوقاية من هذه الفيروسات .
وإن مثل هذه القوارع والبلايا والتي تحلّ بنا ينبغي أن تهدينا للعودة إلى الله جلّ شأنه تعالى والاحتماء بحماه ، وعلى التّوبة وكثرة الاستغفار . فما نزلت بليّة في هذه الدنيا إلا بذنب ولا رُفعت إلا بتوبة ، وعلى هذا قال تعالى في كلامه الأعلى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون ) [1] .
فإذا أمعنّا أنظارنا في هذا عرفنا أنه لدرس عظيم ، وتذكرة وعِبرة لجيمع طبقات الناس ، لأن الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا تقف عاجزةً أمام هذا الفيروس مع الإمكانيات الكبيرة والأموال الكثيرة لديهم ، وما تتمتّع فيه من خِبرات وقدرات هائلة في مجال مواجهة الطوارئ الصحّية ، لكن أمام قدرة الله لم يقدروا على أي شيئ كما قال تعالى : ( مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ ) [2] . وكذلك لا يقدر عقل الإنسانية على اكتشاف لقاح ودواء لهذا الوباء إلا بمشية الله تعالى كما ذكر : ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [3] .
الإرشادات الإسلامية ضد الأوبئة :
إن القرآن الكريم يتحدث عن عقاب الله لمن ينكر الحق ويرتكب المعاصي بإصرار ، ويشرح ما هو العذاب لهؤلاء الفاسقين . وأيضاً يسلط الضوء على ثلاثة أمور ، تحذيرات والعقاب في هذه الحياة الدنيا والعذاب في الآخرة . وإن هذا المرض هي مُصيبةٌ كُبرى قد أصابت العالم ، وعلينا أن نتأمل عن هذه المصيبة في ضوء الآيات الإلهية مثلاً : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) [4] ، لأن الله خالقنا ورازقنا يخبرنا أنّ المَصائب بسبب أعمال البشر . وعلينا بالصبر والرضا ، والاحتساب ، والدعاء ، والانكسار والتذلل لله عز وجل . وعلى هذا قال جل وعلا : ( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [5] .
وقال هادينا ومرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم : ” إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم ، فمَن رَضي فله الرِّضَى ، ومَن سخِط فله السَّخطُ ” [6] . وكذلك يجب الأخذ بالأسباب المادّية المشروعة مع التوكّل على الله كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم : ” يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ” [7] . وإن مثل هذا البلاء آية سماوية تهدف إلى التذكير والعظة كما ورد في القرآن الكريم : ( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ) [8] ، فإذن يخاف العاصي فيتوب ويخاف المؤمن فيزداد إيمانه ويقينه .
كما ينبغي لنا أن نكثر من الدّعاء والإلحاح على الله بأن يدفع عنا كلّ بلاء ويردّ عنا كل وباء ، ومن الأدعية النّافعة بإذن الله ، ما أثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يدعو قائلاً : ” اللهمّ إنّي أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيّئ الأسقام ” [9] ، ويقول أيضاً : ” اللهمّ إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ . اللهمّ إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في دِيني ودنيايَ وأهلي ومالي . اللهمّ استُرْ عوراتي وآمِنْ روعاتي . اللهمّ احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذُ بك أن أُغْتَالَ من تحتي ” [10] .
وكذلك يلزم علينا في مثل هذه الحالات ، أن نلتزم بتعليمات الحكومات المحلية بشكل تام ، ويجب علينا عدم التضخيم من المرض وخلق حالة هلع منه ، لأن القلق والخوف يضعف مناعة بعض الأشخاص ، وخاصة المصابين بأمراض مزمنة كالضغط والسكر أو بعض الأمراض الخطرة كالسرطان . وينبغي اتباع نصايح الأطبّاء وعدم تبسيط الأمر أو التنكيت عليه ، والعناية بالنظافة وإتباع نظام غدائي طبيعي وغيرها من التعليمات الللازمة . وهذه التعليمات والإرشادات ليست بأمور حديثة بل هي قديمة وموجودة في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية . ولكن مع الأسف ، لم يعلمها ولم يمارسها أكثر المسلمين في حياتهم اليومية .
دروس وعبر من كورونا :
يواجه العالم في كل زمان وباءاً يهدّد البشرية بالفناء ، في زمن كان الطاعون ، وفي زمن آخر كانت الكوليرا وفي بعض الأزمنة كانت الإنفلونزا والآن جاءت الكورونا . وفي هذه الحالة يصاب بعض منا بالهلع ويتّجه البعض الآخر للدعاء ويتجاهل الآخرون الأمر كله لإيمانهم القوي . مهما كان الأمر ، يلزم علينا أن ندرس دروساً من هذه المصيبة ونقارنها في ميزان الإسلام حتى نستفيد منها ونغير أنظارنا للعالم ونعيش بمفهوم جديد .
الدروس والعبر التي أفرزتها كورونا عديدة ، أهمها ما يأتي :
(1) الصحة نعمة عظيمة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافىً في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا ” [11] . وإن نعم الله على عباده عظيمة لا تعدّ ولا تحصى كما قال تعالى : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ) [12] . ومن هذه النعم العظيمة على العباد ثلاث نعم هي الأمن ، الصحة ، والغذاء . وهي التي تقوم بها الأمم كافة في التصدي لجائحة كورونا والتي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل 1400 سنة . وفي الحقيقة ، أول درس قد تم تطبيقه في هذه الأيام ، هو الأمان في السرب ” الأمن ” في البقاء في المنزل وبين أفراد الأسرة ، تواكب معها جنباً إلى جنب التدابير الصحيّة الصارمة الوقائية والعلاجية وتوفير المستلزمات الطبّية اللازمة المعافاة في البدن هي الصحة ، ثم جاء الاهتمام بالغذاء مواكباً للأمن والصحة من خلال توفير المؤن المعيشيّة . وإن الدنيا وما بها من النعم قد جمعت لنا في هذا الحديث الشريف ، هكذا كانت رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم قدوةً لإدارة الأزمات وتحقيق المصلحة .
(2) عجز الإنسان أمام قدرة الله :
وإن فيروس كورونا قد أظهرعجزنا أمام قدرة الله وأخبرنا بأن فوق كل ذي علم عليم . وقد علّمنا أيضاً أنّنا ما أوتينا من العلم إلا قليلاً ، لأن المخلوق الضئيل والذي لا يرى بالعين المجردة إذا كان قادراً على الانتقال من طرف العالم إلى طرفه الآخر في غضون ساعات رغم اختلاف الثقافة والجغرافيا والتاريخ ، فما بال قوة الإنسان ؟ فإنه ضعيف مهما كانت سلطته وشهرته أو غناه ، وقد جبل الله الإنسان على الضعف ، كما قال : ( وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ) [13] . وهذا الضعف يشمل الضعف النفسي ، والضعف البدني . وإن الذي يرى حوله يتأكد بهذه الحقيقة لأن قوته أمام قوة الله تعالى ليست بشيئ .
(3) العناية بالنظافة :
تعرف النظافة الشخصيّة بأنّها مجموعة من العادات التي يلتزم الإنسان بها ، ويحرص على اتّباعها للمحافظة على نشاطه ، وحيويّته ، وصحّته ، ومظهره الشخصي ، ولاحترام الآخرين له ، لذلك أكد الإسلام على المحافظة على النظافة ، كما ورد في القرآن الكريم : ( إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) [14] .
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يحرض على النظافة في كل أمره حتى قال : ” تخللوا فإنه نظافة ، والنظافة تدعو إلى الإيمان ، والإيمان مع صاحبه في الجنة ” [15] . وقال أيضاً : ” إذا استيقظ أحدكم من نومه ، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده ” [16] . ومثل هذه الأحاديث تدلّ على أهمية النظافة في حياة الإنسان . وهنا تجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية للدول أصدرت تعليمات بالحفاظ الدائم على النظافة وغسل الأيدي للقضاء على الميكروبات التي قد تعلق باليدين لمكافحة كورونا .
(4) الحجر الصحي :
ومن هدي الإسلام في التعامل مع الوباء عدم الذهاب إلى الأرض التي ينتشر فيها ، وعدم الخروج منها ، يدل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا سمعتم به – يعني : الطاعون – بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها ، فلا تخرجوا فراراً منه ” [17] ، فنهى عن التعرض للمكان الذي ينتشر فيه الوباء والمرض والخروج منه . وهذا الإجراء نسميه في وقتنا الحالي ” الحجر الصحي ” . وهذا الحديث يدل على أن الإسلام سبق إلى ما يسمى بالحجر الصحي ، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الاختلاط بأهل المرض المعدي فقال : ” فرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد ” [18] .
في ظل الذعر العالمي من انتشار وباء كورونا ، والتوصية باتخاذ التدابير اللازمة لمواجهته ، على رأسها البقاء في المنازل والحجر الصحي . وإن الخبراء ومختصي المناعة يوصون بالحفاظ على النظافة والحجر أو العزل عن الآخرين باعتبارها أكثر الإجراءات فاعلية لاحتواء كورونا أو منع انتشار الأمراض المعدية عموماً . رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن بأي حال من الأحوال خبيراً ” تقليدياً ” في المسائل المتعلقة بالأمراض القاتلة ، إلا أنه قدّم نصيحة جيدة لمنع ومكافحة تطور مرض مثل كورونا .
خاتمة :
هذه المقالة القصيرة إنما تشتمل على بعض الدروس والعبر التي تعلمناها من فيروس كورونا ، فهي ربما تزداد وتنقص حسب آراء المفكرين وعلماء الاجتماع والباحثين . وقد ذكرت النقاط الهامة مع إشارة إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المناسبة .
فلنستبشر خيراً في الأيام القادمة بإذن الله إذا تمسكنا بهدي كتاب الله وسنة سيد المرسلين ، واتبعنا الإرشادات الصادرة من قبل المعنيين حتى نصل إلى شاطئ الأمان كاملاً بحول الله وقوته عن قريب . آمين .
المصادر والمراجع :
- القرآن المجيد .
- البخاري ، محمد بن إسماعيل ، صحيح البخاري ، دار ابن كثير ، بيروت ، 2001م .
- النيسابوري ، مسلم بن الحجاج ، صحيح مسلم ، دار طيبة للنشر والتوزيع ، الرياض ، 2006م .
- الترمذي ، محمد بن عيسى ، الجامع الكبير ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1996م .
- السجستاني ، سليمان بن الأشعث أبو داود ، سنن أبي داود ، مطبع أصح المطابع ، ديوبند ، 1996م .
* الأستاذ المساعد ، قسم اللغة العربية للماجستير والبحوث ، كلية جمال محمد ، تروشي ، الهند . Email:aliibrahimjamali@gmail.com
[1] سورة الأنفال : 33 .
[2] سورة يوسف : 68 .
[3] سورة يونس : 107 .
[4] سورة الشورى : 30 .
[5] سورة التوبة : 51 .
[6] سنن الترمذي : 2396 .
[7] سنن الترمذي : 2038 .
[8] سورة الإسراء : 59 .
[9] سنن أبي داود : 1554 .
[10] سنن أبي داود : 5074 .
[11] سنن الترمذي : 2346 .
[12] سورة النحل : 18 .
[13] سورة النساء : 28 .
[14] سورة البقرة : 222 .
[15] مجمع الزوائد ، ج 1 ، ص 632 .
[16] صحيح مسلم : 450 .
[17] صحيح مسلم : 42330 .
[18] صحيح البخاري : 5769 .