الربانيّة تخلق الرجال
نوفمبر 19, 2023مثال رائع لميراث الشمائل المحمدية
نوفمبر 19, 2023كادت عليه تصدع الأكباد
الأستاذ عبدالرحمن الملي الندوي *
فقدت الأمة الإسلامية بغاية من الأسى والحزن يوم الخميس ، وذلك في 21/ رمضان المبارك عام 1444هـ المصادف 13/ أبريل عام 2023م مرشداً حاذقاً ، ومربياً عطوفاً ، وعالماً حكيماً ، ومدبراً جليلاً ، ومفكراً بمعنى الكلمة ، وشخصيةً فذةً ونجماً ساطعاً في سماء العلم والأدب ، أعني سماحة العلامة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي نكتب عنه – رحمه الله – بدل – حفظه الله – ولقد كان لنبأ وفاة الشيخ مرشد الأمة – رحمه الله – أثر كبير على العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه ، وعلى المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها ، وقد عاش فقيد الأمة رحمه الله حياةَ تضحيةٍ وإخلاصٍ ، حياةَ جدٍ وجهادٍ ، حياةً بسيطةً ساذجةً ، جمع بين العقيدة والسلوك ، وبين العلم والعمل ، وبين الأصالة والمعاصرة ، وبين الرؤية والتطبيق ، إنه درس تاريخ الأمم والأديان بتعمّق وواقعية ، واستنبط منه نتائج إيجابية ، إنه جعل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم محوراً أساسياً للفكر الإيماني الذي عاشه وانطلق منه إلى جميع التأملات والدراسات في الحياة والكون والإنسان ، ونذر حياته لنشر الإسلام وتعاليمه ، وقد كان يدرس ظروف العالم الاجتماعية والسياسية . وأوضاع الأمم والشعوب ، ويستعرض أحوال المسلمين في كل مكان .
كان شديد التألم بالمؤمرات التي تُدبّر ضد الإسلام والمسلمين من دول العالم الكبرى ، لأنه كان من رجال التاريخ السابقين ، والأئمة الأعلام الذين عاشوا هُموم الأمة وأحزان المسلمين ، لقد كانت حياته ذات مناح متعددة ، وجوانب كثيرة ، فكان العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله عالماً بصيراً ، وداعية كبيراً ، ومفكراً إسلامياً عملاقاً ، وأديباً فذاً ، وخطيباً بارعاً يتكلم عن القضايا المستحدثة ، ومربياً يتناول الناس بحكمة بالغة ، وكاتباً قديراً ، وأستاذاً رحيماً عطوفاً معنياً بتلاميذه بلطف ورحابة صدرٍ . كان يُدعى إلى المؤتمرات العالمية ، والندوات العلمية ، والاجتماعات الدينية ، والمحافل الدولية ، فيستجيب الدعوة حرصاً على أن يقوم بواجب دعويٍّ ، أو يكون سبباً لإقناع الناس بالإسلام ، وإعادة الثقة بالإسلام إلى نفوس العاشقين .
وكان الدين وعقائده وتعاليمه هو الهدف الأول عند سماحة العلامة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي – رحمه الله تعالى – مهما كانت الظروف والمصالح دعا إلى الدين الحنيف وتجاهر به من غير خوف وبدون مبالاة بالعواقب ، لأن حياة المسلم لا تستغني عن الدين للمحة واحدة ، فالدين هو المحور الرئيس عنده .
كان من ميزاته أنه كان جامعاً لهذا الشتات ، كان عالماً جليلاً ، ومصلحاً ربانياً ، ومرشداً حكيماً ، وكان تأثيره على القلوب ما لا يحققه غزو الجيوش ، إنه كان مجاهداً بالقلم واللسان والقلب ، وكان أسلوبه يأتي بنتائج غالية قيمة ، كان يفتح القلوب بمفتاح المحبّة ، وأسلوبه الحكيم ، إنه كان جامعاً بين أسلوب الإمام السرهندي وشيخ الإسلام ولي الله الدهلوي ، والإمام أحمد بن عرفان الشهيد ، فقد تصدى لكل قضية كانت تنافي التصور الإسلامي ، وكان يؤمن بأن الحب هو السلاح الأكبر . وهو مفتاح تفتح به القلوب ، ولذلك كان محبوباً إلى الحكام والقادة ، وعامة الناس ، إن الذي شغل عقله وقلبه باستمرار هو الإسلام ورسالته وحضارته . وتربية الجيل المسلم ، والنشء الجديد ، لأن اللبنة الأساسية في بناء الجماعة هو تغيير ما بالنفس حتى يغيّر الله ما بالأمة : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) .
لست أنا وحدي الذي يحب الشيخ مرشد الأمة السيد محمد الرابع الحسني الندوي ، بل إن كل من عرفه واقترب منه أحبه على قدر معرفته به وقربه له منه ، وكلما ازداد منه قرباً ، ازداد حباً ، وقد قام مرشد الأمة وقائد الإنسانية الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي بدور فعال عظيم في توحيد الصفوف ، في المجتمع الإنساني على مستوى مختلف المذاهب والآراء الفقهية والعقائدية والثقافية .
حققت ندوة العلماء بلكناؤ في عهده المشرق الوضّاء إنجازات وجيهة . في كل مجال من التعليم والتربية ، وشرح الحضارة الإسلامية ، وتفسير مقاصد الشريعة والدين ، وإبراز وجه الشريعة الإسلامية جميلاً نيراً ، إنه خطط الغرض الأصيل لندوة العلماء بكل وضوح . حتى وفقه الله تعالى لإعداد جيل متميز من تلاميذه المخلصين ، ممن ساروا معه على دربه وتابعوه على الخط المستقيم ، وساعدوه بكل ما استطاعوا من الطاعة والولاء ، صارت ندوة العلماء في عهده مناراً شامخاً للعلم والأدب ، والدين والشريعة ، ومثالاً فذاً للجمع بين الإيمان الراسخ ، والعلم الواسع ، وحاملةً لراية العقيدة النيرة ، والعلم الحديث ، داعيةً إلى تحكيم الشريعة في جميع شئون الحياة وهاتفة بهتافها الوحيد ” إلى الإسلام من جديد ” أن العلامة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي – رحمه الله – لم يتأخر لحظةً في حياته عن تقديم الدعوة المخلصة للشريعة الغراء ، إلى الجمهرة جمعاء ، عقيدةً وسلوكاً ، ونشر الفكرة الإيمانية السليمة ، وإعادة الثقة بالإسلام إلى نفوس الأجيال البشرية ، وشرح بأن الإسلام هو الطريق إلى السعادة والنجاح مهما تغير الزمان وتطور الإنسان ، كان سماحته رحمه الله على غرار خاله المعظم العلامة السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي في فكرته وسلوكه ومنهجه . وإعادة ثقة العالم إلى ندوة العلماء بصفة خاصة وإلى الأمة الإسلامية بصفة عامة ، كان الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله يرأس الجامعات والمنظمات والهيئآت العالمية ، فكان رئيساً لهيئة الأحوال الشخصية لعموم الهند إلى حين وفاته ، وما إلى ذلك من الجمعيات والمنظمات الدينية ، ومن أهمّها رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، سعدنا بالمشاركة النشيطة في برامجها المختلفة وألقينا مقالات وكلمات حول موضوعات علمية مختلفة في بلدان مختلفة وأماكن شتى من الهند .
فرحمك الله يا مرشد الأمة وقائد الإنسانية ! أدخلك الله في نعيم جناته ، وألحقك بالصالحين والأبرار من الأنبياء والشهداء ، فَقَدْنَاكَ وكُنَّا في أمس حاجة إليك في هذا العصر الهائج . فقد كنت مأوى الناس من باب رسالة الإنسانية ، وموئل الأمة ومرجعَ المسلمين من رصيف هيئة الأحوال الشخصية للمسلمين ، وسنداً للباحثين والمحققين من باب رابطة الأدب الإسلامي العالمية .
فكانت بيني وبين الراحل الكريم رحمه الله علاقة التلميذ والأستاذ الحنون ، علاقة المربي الحقيقي ، علاقة المزكي العطوف ، سعدت بزيارته الكريمة واللقاء معه في مناسبات مختلفة ، وندوات علمية عديدة في أماكن شتى وفي ندوة العلماء أكثر من مرة ، فقد كان بحق وحقيقة إماماً ربانياً ، وداعيةً إسلامياً ، ولم يكن مجرد شيخٍ أو عالمٍ ، بل كان عالماً ورعاً ، ومربياً عظيماً ، وقد كان يدعو إلى تزكية النفوس وتربية الروح وتهذيبها ، ومن سعادتي أنا حظيت أيضاً بتزكيتي من الشيخ المرشد رحمه الله تعالى .
نسأل الله له القبول والرحمة ، وأن يجعل أعماله في ميزان الصالحين يوم القيامة ، وأسكنه فسيح جناته .
وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
* مدير التحرير لمجلة ” النور ” جامعة إشاعة العلوم الإسلامية أكل كوا ، arrahman161965@gmail.com