ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

ذكرى مئوية للخلافة العثمانية
مايو 4, 2024
دور العمل الإيجابي في تنحية الشباب عن المفاهيم الخاطئة
يوليو 3, 2024
ذكرى مئوية للخلافة العثمانية
مايو 4, 2024
دور العمل الإيجابي في تنحية الشباب عن المفاهيم الخاطئة
يوليو 3, 2024

صور وأوضاع :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
محمد فرمان الندوي
انطلقت موجات الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية والأوربية دعماً لطوفان الأقصى ، وتنديداً بالحرب الإسرائيلية على غزة ، فالطلاب والطالبات خرجوا إلى الشوارع والطرقات ، وأبدوا عواطفهم وآراءهم نحو غزة وشهدائها من الأطفال والنساء ، والرجال والشباب ، وقد رفعوا لافتات ولوحات بأيديهم ، وحملوا أعلاماً ورايات مكتوبةً عليها : ” غزة تتحرر ، وفلسطين تتحرر ، ومن النهر إلى البحر فلسطين ستتحرر ، أوقفوا الحرب ، وانشروا السلام العادل والشامل ” ، وقد أقام المحتجون مخيمات داخل الجامعات ، تضامناً مع شهداء غزة ، وقد أغلق المتظاهرون حركة المرور حول الجامعات ، وقالوا بكل ثقة : لن نتوقف ، ولن نهدأ ، اسحبوا الاستثمارات ، وقد اعتقلت الشرطة كثيراً من هؤلاء المتظاهرين ، وأدخلتهم في السجون ، لكنهم لم يتنازلوا عن مواقفهم الصارمة ، ومعلوم أن هؤلاء المحتجين ليسوا مسلمين فقط ، بل هم من جنسيات وأعراق مختلفة ، شاركوا في هذه النشاطات والفعاليات باسم الإنسانية والرحمة والأخوة العالمية .
الضمير العالمي قد استيقظ :
هذه الثورات الطلابية في الجامعات العصرية دليل على أن الضمير الإنساني مازال حياً ، وهو يشعر بالآلام والجروح التي أصيب بها أعضاء الإنسانية ، في أي منطقة كانوا ، فإن المجازر البشرية التي تجري منذ أكثر من مأتي يوم على أرض غزة ، ظلت القوى العالمية ساكتةً عليها ، ولم تتحرك لها كما ينبغي لوقف الحرب ، فلا تخلو ساعة أو لمحة من اليوم والليلة إلا ويضيق على أهل فلسطين الخناق ، ويكون الرجال والنساء ، والشباب والأطفال عرضةً للهجمات الإسرائيلية ، ولم ينبس ببنت شفة الحكام المعاصرون ، كأن الغيرة والحمية قد سلبت منهم ، واستولى عليهم الضعف والخور ، أو وقعوا فريسةً لاستراتيجيات عالمية ، فلا تحرك الحوادث والأزمات سواكنهم ، ولا يؤرق نومهم ، حتى الأدباء والشعراء الذين ظل دأبهم منذ زمن بعيد أنهم كانوا يبدون في دراساتهم وأشعارهم عواطف جياشةً ، وآراء نقادةً ، وكانوا يردون أوسمتهم التقديرية ، وشهاداتهم الفخرية احتجاجاً على الظلم والعدوان ، في أي مكان كان ، لم يصدر منهم بيان ضئيل ، فقيض الله تعالى في الآونة الأخيرة طلاباً وطالبات من جنسيات مختلفة ، يحملون في داخلهم قلباً يتحرق على ظلم واضطهاد ، ويتألم لدى كل عدوان وغطرسة ، فهذه الثورات الطلابية جاءت في أوانها ، وفي مكانها ، ومثلت دوراً كبيراً في عولمة هذه القضية ، وإيصال صوتها إلى الضمير الإنساني ، فاستيقظ الضمير الإنساني ، وبدأ يرتفع صوت من كل ناحية من نواحي العالم ضد الهيمنة الإسرائيلية ، أما الضماير الميتة ، والقلوب القاسية فلا تسأل عنها يا تُرى ! لأنها أشد من الحجارة أو أشد قسوةً ، ولم يبق فيها ذرة من الحياء ، قال صلى الله عليه وسلم : إذا لم تستح فاصنع ما شئت . ( صحيح البخاري عن أبي مسعود البدري ) .
ولكن لا حياة لمن تنادي :
الاحتجاجات والمظاهرات جزء لا يتجزأ من نظام الجمهورية ، لأن الجمهورية هي حكومة الشعب ، للشعب ، وبالشعب ، فالشعب هو الأساس في هذا النظام ، إذا وافق رجال على تسمية العقل جنوناً ، والجنون عقلاً ، فلا يمكن التغاضي عنه ، لأن العبرة فيها لكثرة الآراء والاتجاهات ، فهي تصوغ الأذهان ، وتمهد الطريق نحو البناء والهدم ، فاختيار الطلاب الجامعيين هذا الأسلوب لإبداء آرائهم ليس خرقاً للقانون الدولي ، ولا مضاداً للجمهوريات السائدة في شتى البلدان والدول ، لكن يا للعجب أن الحكومات التي تدعي بنظام الجمهوريات ، وتنادي بهتافاتها على رؤوس الأشهاد ، إنها تخنق أصواتها ، وتصدر بيانات مضادةً ضد من يتظاهرون بحقوقهم ، وتزج بهم في السجون ، ولا تعبأ بهم شيئاً ، هكذا تكون الجمهوريات في البلدان والدول ؟ وهكذا تورد الأبل ؟ لا والله ، إنها مواقف غير إنسانية للجمهوريات ، كان من اللازم إذا اجتمع عدد من الناس ضد أمر مجمع عليه ، وخالفوه على جميع المستويات ، ورفعوا رايات وأعلاماً تأييداً لمواقفهم ، أن يسمع صوتهم ، وتصدر بيانات وقرارات ضد من يواصلون عمليات الظلم والاعتداء على المظلومين الأبرياء ، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيانه بعد ما رأى نار المظاهرات على شتى الأصعدة : لديهم وجهة نظر صحيحة ، لكن لا نسمح بذلك إلى حدوث فوضى في الجامعات ، ولن نتنازل عن مواقفنا نحو إسرائيل ، وقد أرجع الرئيس الأمريكي جوبايدن بدهائه عقارب الساعة إلى معاداة السامية ، فقال في بيانه : ” إن معاداة السامية أمر يستحق الشجب ، وليس له مكان في حرم الجامعات أو في أي مكان في بلادنا ، وستواصل إدارتي استراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية ووضع القوة الكاملة للحكومة الفيدرالية خلف حماية المجتمع اليهودي ” ، اقرؤوا هذا البيان ، وانظروا كيف نسب بايدن الأمر إلى معاداة السامية ، وليس الأمر كذلك ، وقد ساهم في هذه المظاهرات من الطلاب اليهود المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهم أيضاً يرفعون أصواتهم ضد الهجمات الإسرائيلية على غزة ، وكل من يحمل بصيصاً من العقل والمعرفة يستنكر هذه الهجمات الإسرائيلية المستمرة من أكثر من سبعة شهور ، وينادي بوقف الحرب نداءاً حاراً ، لكن ” لا حياة لمن تنادي ” .
هل المظاهرات الطلابية تحمل من تأثير ؟
إن المظاهرات الطلابية ضد اعتداءات إسرائيل على غزة ليست جديدةً ، بل كانت هناك مظاهرات طلابية ضد الولايات المتحدة في حربها مع فيتنام ، وكانت المظاهرات عارمةً وشديدةً ، وقد ساهم الطلاب الأمريكان بعدد هائل ، فانسحبت الولايات المتحدة الأمريكية بعد ضغوط شديدة من فيتنام ، ولاذت بالفرار ، ولم يقر لها قرار ، هكذا تحمل المظاهرات من تأثيرات بالغة ، وأهمية تاريخية ، يتساءل بعض الناس عن مظاهرات طلابية في الجامعات الأمريكية ، ما هي فوائدها ؟ وما هي نتائجها ؟ الحرب الإسرائيلية تزداد وتتفاقم ، وتشتعل نارها ، ولا تنتهي الحرب المستعرة ، ولا تتوقف سلسلة الشهداء على أرض غزة ، فلا نقول لهؤلاء المتسائلين إلا أنه إذا لم يكن هناك احتجاجات واعتصامات لكانت أرض فلسطين مقبرةً كاملةً ، وبلغت أعداد الشهداء أضعافاً مضاعفةً من قبل ، وإذا لم يكن لهذه الاحتجاجات أي تأثير لما اعتقل الشباب ، والشابات في السجون ، ولما خرج طلاب آخرون دعماً وتضامناً لقضية فلسطين من مهاجعهم ، الواقع أن الإنسان إذا كان إنساناً حقيقياً ، فلا يسكت على أي ظلم وقع في أي أرض كان ، ولا يجلس في بيته مرتاح البال ومطمئن الفؤاد ، ويقلق لمجرد أن إنساناً أوذي وذُبح على مرأى ومسمع منه .
وهذا ليس من الذكاء والفطنة في شيئ أن الحرب ضد سكان غزة تحمل إسرائيل لها مبرراً شرعياً ، وأن حرب روسيا مع أوكرانيا ظلم واضطهاد ، والظلم ظلم من أي جهة كان ، لا يمكن أن يبرر له دليل في أي صورة من الصور ، رأى طلاب الجامعات الأمريكية والأوربية هذه الازدواجية والثنوية منذ زمن ، فقاموا ضد الظلم والعدوان ، ولم تدعمهم جمعية ، ولم تساندهم حكومة ، ولم تمولهم قوة من القوات ، وليسوا عملاء مرتزقين ، وسماسرة موظفين ، بل إنهم لبوا نداء ضميرهم ، فإنهم يقولون ما لا تستطيع أن تقول الحكومات الكبرى رغم كثرة وسائلها وإمكانياتها .
هذه التنديدات العالمية ، والاستنكارات الشديدة من شتى الجهات لا تستحيي منها إسرائيل ، وكيف يستحيي منها ؟ وقد ضربت عليها الذلة والمسكنة بمكرها ودهائها ، فإنها عطشى لدماء الإنسانية ، فإنهم يحتفلون بعيد الفصح تذكاراً لخروجهم من مصر من العبودية إلى الحرية ، فإنهم يعجون دقيقهم بدماء المسلمين الأبرياء ، فإنهم يجددون النزاع والصراع بين اليهود والمسلمين كل عام بهذه المناسبة ، وقد ذكر الله ذلتهم إلا بحبل الله وحبل الناس ، إن حبل الله هو التمسك بكلمته ، والاعتصام بشريعته ، لكن حبل الناس يعني حبل قوة كبرى في العالم ، وهي تقود العالم بزمامها ، وتسيره بعنانها ، لكن إذا انفلت منهم الحبل كانوا أرذل الناس وأنكدهم ، أليست هذه المسكنة لإسرائيل أن جميع الناس في الدنيا رجالاً وشيوخاً ، وأطفالاً وشباباً ، بنات ونساء حتى الناس من داخل إسرائيل يمقتون إسرائيل على إجراءاتها القمعية ، ويكرهونها من أنفسهم وصدروهم ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .
إن طوفان الأقصى أحرز نجاحاً باهراً في مختلف المجالات ، ولا يزال ينال تجاوباً عاطفياً من الناس ، حتى الطلاب والطالبات ، الذين قاموا نصرة للأقصى ، كان خروجهم إلى الشوارع برهاناً على نجاح هذه المهمة وجنداً من جنود الله ، ولله جنود السماوات والأرض ، وستنتهي المهمة بأكبر نجاح وأعلى نسبة بإذن الله تعالى ، وينسحب العدو عن أرض فلسطين ، قال الشاعر العربي :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود