الإسلام مستهدف لحركات الإبادة العالمية
سبتمبر 2, 2024نجاة المؤمنين : دراسة علمية في ضوء حديث : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ( الحلقة الثالثة الأخيرة )
سبتمبر 2, 2024التوجيه الإسلامي :
ربوبية الله تعالى والتركيز على الآخرة
الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله تعالى
تعريب : محمد فرمان الندوي
عاقبة الكافرين :
( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً . وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً . ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَآءٍ عَن ذِكْرِى وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) [ الكهف : 99 – 101 ] .
ذكر الله تعالى في هذه الآية أنه إذا نُفخ في الصور جمع الله جميع الخلائق ، وأتى بالنار أمام الكافرين ، وقيل لهم : هي مثواكم خالدين فيها أبداً ، فإن ما عملتم في الدنيا من عمل يعطى جزاؤه في صورة جهنم ، فإن أعينكم كانت مطبقةً عن ذكر الله تعالى ، فلا تنظرون إلى أحكام الله تعالى ، ولا تسمعون كلامه ، كأنكم حُرمتم صلاحية الأخذ والقبول ، وقد ذُكِّرتم مراراً وتكراراً ، لكنكم ما أطعتم ، وما استسلمتم لأمر الله تعالى .
ربوبية الله تعالى :
( أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً ) [ الكهف : 102 ] ، يقول الله في هذه الآية : هل اعتقد الكافرون العباد الذين خلقهم الله أولياء وآلهة ، وهل يظنون أنهم يكملون حوائجهم ، فليعرفوا أننا أعتدنا للكافرين جهنم نزلاً ، هؤلاء هم الذين يكفرون بوحدانية الله تعالى وملكوته ونعمه ، فإن مأواهم جهنم خالدين فيها أبداً .
فالله سبحانه تعالى هو القادر والمتصرف في هذا الكون ، وهو الذي خلق كل شيئ ، فهو يسير حسب نظامه الطبيعي ، فالذين لا يؤمنون بهذه الحقيقة يكون لهم صراع دائماً مع أهل الحق ، فوردت أمثلة كثيرة في القرآن والسنة تذكيراً بهم ، ويتضح منها أن الأمر كله لله تعالى ، ولم يخلق الله الدنيا للنزهة والتسلية ، بل خلقها لاختبار أعماله وحياته ، فإذا عمل الإنسان فيها عملاً حسناً ، وآمن بالله كرب وخالق له كان جزاؤه في الآخرة أحسن وأطيب .
مطالبة الإيمان بالغيب :
الإيمان بالله هو الإيمان بوحدانية الله تعالى ، والإيمان برسوله ، والإيمان بالآخرة ، فالإيمان بالله للإنسان أصعب وأدق ، لأنه مفطور على الإيمان بالرؤية ، فإنه إذا رأى شيئاً أو اطلع عليه أو شاهده بعينه اعترف به وسلَّمه ، فيكون سائر نشاطاته دائراً حول المشاهدة والرؤية ، فإذا واجه الإنسان في حياته مشكلةً معقدةً ، وكان حلها خارجاً عن نطاقه ، أو أصابه مرض لا يزيله الوسائل الإنسانية اعتقد الإنسان آنذاك أن هناك قوة خارقة للعادة ، لا بد له من الركون إليها ، والالتجاء إلى جنابها ، لكن دأبه أن يتأثر بأي قوة على أساس مشاهدته ورؤيته ، لأنه ليس متعوداً على الإيمان بالله ، والتسليم له ، يعمل بما يكون في المشاهدة ، بل الواقع أن القوة التي خلقت جميع الوسائل والأسباب هي مستورة عن أعيننا الظاهرة ، وهو الله عز وجل الذي أودع في الأشياء تأثيراً ، وقوةً ، فلا بد لنا أن نفهم أن الوسائل التي خلقت كيف تستطيع أن تساعد الإنسان ، أو كيف يمكنها أن تقاوم قدرة الله تعالى ، هذا هو الواقع الذي كشف القناع عنه سيدنا إبراهيم عليه السلام أمام قومه الوثنيين بكل وضوح أن لا قيمة للأصنام والأوثان ، فإنها لا تدافع عن وجودها ، فكيف تساعدكم ؟
كرامة الإنسان :
إذا لم يعتبر الإنسان الله عز وجل ولياً وناصراً تخبط ذهنه خبط عشواء ، وكلما رأى بصيص أمل أو ومضة رجاء اعتقد أنه معقد آماله ومعقله ، هذه هي الفكرة الإنسانية الخاطئة ، التي رفضها الله تعالى بالأنبياء والرسل ، فإنهم نصحوا الإنسانية أن الله واحد ، وهو الذي يدير الكائنات بكاملها ، وهو النافع والضار ، فعلى الناس أن يسألوه ، وهو الرب الملك القدوس ، فعلينا أن نستسلم لأوامره ، ونطيع أحكامه ، هذا ما يقتضي منه كرامة الإنسان ، فلنتق الله ، لأنه هو الذي يملك الضرر وإلحاق الخسارة ، ولنتصل به اتصالاً مباشراً ، لأنه هو الذي ينفع ، وليس لأحد سواه قدرة على النفع والضرر والإعطاء والمنع ، وكل ما عداه مخلوق له ، فلا يمكن أن يعمل عملاً مثله .
غاية الدنيا والآخرة :
جعل الله الحياة الدنيا للابتلاء والامتحان ، وجعل الآخرة دار القرار ، فمن فطانة الإنسان أن يعتقد الآخرة حياةً أبديةً ، ويستعد لها أكثر فأكثر ، لا الحياة الدنيا التي هي محدودة ، فيفكر فيها كل وقت ، لكن الواقع أن جميع مجهوداتنا ، وأشغالنا ومساعينا تبذل لإجادة وإحسان هذه الحياة الدنيا ، المحدودة الحقيرة ، وقد جعل الله نظام الدنيا أن كل ما يكون في هذا الكون من راحة وطمأنينة يتوافر بالوسائل والأسباب ، وكان القصد وراء ذلك أن يرى الله عز وجل : من ينهمك ويتورط في نيل الوسائل والأسباب للحياة الدنيا ؟ ومن تكون الآخرة نصب عينيه ؟ ولا ينسى ربه وخالقه ؟
تركيز على الآخرة :
أكد الله تعالى في القرآن الكريم على الآخرة ، وذكر الأمور والأشياء التي تؤديه إلى النجاة والفوز في الآخرة ، فتناول ذكر القصص أيضاً التي تقرب فكرة الآخرة وأهميتها إلى ذهنه ، وإن قصة أصحاب الكهف نموذج في هذا الشأن أنهم تظاهروا بإيمان خارق للعادة لإصلاح آخرتهم ، وانقطعوا من كل شيئ وتوجهوا إلى الله تعالى ، فأكرمهم الله تعالى بأن رفع عنهم مشكلاتهم بالإيمان بالله ، كذلك قصة صاحبي الجنتين أيضاً مثال له ، بحيث إن واحداً منهما اعتبر جهده ووسائله أصلاً ، ونسي هذه الحقيقة أن الله هو القادر الحقيقي في كل شيئ ، فتكلم بكلمة إساء ة إلى الله ، فأخذه الله نكال الدنيا ، وأخبره بأنه لا يُسمح له بالإساءة إليه ، فكما أن الله تعالى ينفع الإنسان ويكرمه بنعمه الكثيرة كذلك يضره ويلقيه في خسارة ، فكان في هذه القصة درس لأهل الإيمان بأن يستيقنوا ويدركوا بأهمية أن ما يملكون من أسباب وثروات ومناصب عالية كل ذلك بإذن الله وأمره ، فلم يكن فيها نصيب مساعيهم إلا قليلاً ، وهي ليست أساساً فيها ، بل الله تعالى هو الأساس .
وردت في القرآن الكريم قصص كثير من الأمم التي أسخطت الله تعالى ، فعذبهم الله عذاباً شديداً ، فكان من ذكر هذه القصص في القرآن الكريم أننا إذا أردنا أن نعيش حياةً مطمئنةً في الدنيا والآخرة ونجتنب غضب الله وسخطه ، فعلينا أن نعتبر من هذه القصص ، ونزيل عنا النقائص التي تسبب إثارة غضب الله ثم إنزال عذابه .