أمة الدعوة ومسئوليتها في عالم البشر !
يوليو 11, 2022الأسرة الحسنية ، والدعوة إلى الله تعالى !
سبتمبر 12, 2022الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم
تعالوا نستقبل العام الجديد !
إن التقويم الإسلامي الذي يبتدئ مع طلوع الهلال لشهر المحرم كل عام يذكِّرنا بالواجبات التي فرضها الله سبحانه وتعالى على أمة الإسلام ، وكان من أهم الأمور والعبادات في كل شهر إسلامي فريضة الحج وأداء واجباتها لمجرد رضا الله تعالى ، فطواف البيت مثلاً من أعظم الأمور المختصة بفريضة الحج ، وقد تحدث القرآن عن هذه العبادة الجليلة بغاية من الأهمية فقال تعالى : ( ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى ٱلْحَجِّ ) ( البقرة : 197 ) .
ولا شك فإن نفي الرفث والفسوق والجدال في هذه العبادة الخالصة يعد وحده ليس غير ، من أهم الواجبات التي فرضها الله سبحانه على عباده للتقرب إليه لكي لا تتلوث هذه العبودية لله تعالى بجانب سيئ في حياتنا الحاضرة التي تحاول صرف الأنظار عن المعاصي ونتائجها الخبيثة التي لا يألو الشيطان جهداً في نشرها وتلويث حياتنا بها حتى يكتب لنا الحرمان من كل خير في الدنيا والآخرة .
هناك طوائف من الناس تترقب مبدء الشهر الإسلامي الأخير ( ذي الحجة ) لكي توفي نذورها من الأوهام التي تختلج في الصدور وتترقب نهاية العام الهجري مع بدء العام الجديد الذي تتجدد فيه الحياة وتنشط فيه العزائم على تقوية الشئون الحية التي يؤدي في توسعة نطاق ذلك النشاط الإيماني الذي يلعب دوراً بارزاً في توطيد الغيرة الإسلامية وتجديد العواطف الإيمانية التي قد تؤثر العوامل المادية في إضعاف جوانبها المرضية والمطلوبة عند الله تعالى ، وقد أشار كتاب الله تعالى إلى مثل هذا المعنى فقال : ( يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ ) ( سورة فاطر : 5 ) ، وقال : ( يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ( الحجرات : 13 ) .
ومن هنا المنطلق ندرس شهر محرم الذي يطلع على العالم كله بتميزاته الكبيرة وتطلعاته الجليلة التي يترقبها المسلمون ويعزمون على إنجاز برامج الحب والإيمان ، وقد يلعب هذا الشهر الجديد للعام الجديد من أدوار الأمن والإيمان وصالح الأعمال ما يحير العقول ، ويغير الآراء في تقوية العلاقة الصادقة من الإيمان والعمل الصالح ، والاعتماد الكامل على الله تعالى لإرساء جميع الجوانب المطلوبة التي خلقها الله سبحانه في هذا العالم البشري والمادي ، ومن ثم أحاط الله تعالى حياة الإنسان المسلم بأركان تلعب دوراً متميزاً في إسعاد جوانب الحياة وتوطيد دعائم العز والشرف من الدين الإسلامي الخالد الدائم الذي ( لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) .
إذا تأملنا ودرسنا المواصفات التي خُلق عليها الإنسان واستعرضنا التميزات التي ميز الله تعالى بها الإنسان أدركنا منها صلة العبودية والمعبودية بين الله سبحانه وخلقه المتميز ” الإنسان ” ووصلنا إلى أن هذا الخلق العاقل قد ارتبط بربه تبارك وتعالى ، يقول أستاذنا العلامة الإمام سماحة العلامة أبي الحسن علي الندوي في كتابه ” الأركان الأربعة ” : ” تأمل في صفات هذا الإنسان المخلوق ، واستعرض كل ما اتصف به من ضعف وعجز ، وفقر وفاقة ، ثم انظر إلى طموحه الذي لم يُعرف لأي مخلوق ، ونهامته للماديات أو المعنويات التي تفوق كل شره ونهامة عند أكبر حيوان ، وإلى حاجاته التي لا يشاركه مخلوق آخر في كثرتها وتنوعها ودقتها ، وإلى آماله ومطامعه التي لا تكاد تنتهي ، ثم انظر إلى غريزة الحب والحنان ، والخضوع والانحناء المودعة في هذا الإنسان .
أما احتاج هذا الإنسان إلى أن يكون في خضوع دائم ، وفي ركوع أو سجود لا انقطاع لهما ، وفي مناجاة ودعاء لا نهاية لهما ، أمام الرب الذي هو الإله الحق ، والجواد المطلق ، والذي أعطاه من كل ما سأل بلسان القال أو بلسان الحال ؟ ” ، ( الأركان الأربعة لسماحة العلامة الندوي رحمه الله ) .
وقد بيّن الله تعالى معاني البرّ بغاية من الوضوح ، وأكد أن هذا الكنز الخفي ليس في التوجه إلى المشرق والمغرب ، إنما هو مستور في الإيمان بالله واليوم الآخر ، وقد تحدث الله تعالى عن هذا الموضوع بغاية من الوضوح فقال : ( لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِى ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّاءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوآ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ ) ( البقرة : 177 ) .
ليست الاستمرارية في طلوع الشمس وغروبها ولا التعددية في بيان الأيام والليالي في كتاب الله تعالى إلا رمزاً إلى تلك الآيات البينات التي لا يعقلها إلا العالمون الذين أكرمهم الله سبحانه باللب والعقل ، وهم لا ينفكون عن عبادة الله تعالى ، وبالتفكير فيما خلقه سبحانه في السماوات والأرض من آيات بينات تدل على قدرته الكاملة وأوامره السماوية بغاية من التفكير في جميع الدقائق والثواني الدائمة المستمرة من خلال أوامر الله سبحانه وصناعته العالمية .
أعتقد أن استقبال هذا الشهر يؤكد تلك الإجراءات الكونية التي وضعها الله سبحانه في خلق العالم الأرضي والسماوي ، وأن ذلك الطريق الكوني يستمر إلى يوم القيامة التي ذكرها الله تعالى في كتابه العظيم في مناسبات عديدة عن الخلق والأمر ، كما يقول الله تعالى في سورة البقرة وهو يتحدث عن الظالمين المانعين عن ذكر الله تعالى في المساجد ، وباذلين جهودهم في خرابها : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( البقرة : 114 ) .
وقد بين الله تعالى حقيقة التوحيد ورفض الشرك في أي جزء من العالم ، فما من شيئ فيه إلا ويسبح بحمده ، وإن كان صغيراً لا يعبأ به ، ذاك أن الكائنات بكاملها تحت أوامره وفي إشرافه ، ليل نهار ، صباح مساء ، بل في كل لمحة من لمحات الليل والنهار وفي كل دقيق وجليل من الكون والإنسان ، وكل ذلك مشغول بحمد الله تعالى وتسبيحه وعبادته والحصول على نعمه من الرضا والدخول في جنات النعيم ، يشير كتاب الله تعالى إلى هذه الحقيقة الدائمة القائمة بقوله : ( قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِى ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً . سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً . تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) ( الإسراء : 42 – 45 ) .
ولقد كان حج بيت الله تعالى في هذا الشهر من كل عام عبادة لها قيمتها العظيمة في قائمة العبادات التي تفرض على أهل البصر والبصيرة وعلى من استطاع إلى أدائها في ضوء تعاليم الله تبارك وتعالى التي تحدث عنها في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد صرح الله تعالى بآداب هذه العبادة التي لها صلة وطيدة بالبيت وبالأحكام التي يراعيها الحاج في أداء هذه العبادة الجليلة ، يقول الله تعالى : ( ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِى ٱلأَلْبَابِ ) ( البقرة : 197 ) .
نكتفي بهذه الكلمة الوجيزة راجين من الله سبحانه أن يوفقنا إلى التعمق في معاني هذه العبادة العظيمة ، وموعدها في شهر ذي الحجة الحرام .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
سعيد الأعظمي الندوي
7/12/1443هـ
7/7/2022م