الزهد الحقيقي في ضوء جوامع الكلم الحكيمة ( صلى الله عليه وسلم )
يناير 6, 2021الإسراء والمعراج ؛ بين المنحة والمحنة
فبراير 21, 2021الدعوة الإسلامية :
الغرب المتكبر والشرق المتنكر
الأستاذ محمد الحسني ( رحمه الله )
في مجتمعنا الحاضر موجات متلاحمة تركب بعضها بعضاً ، وتيارات متزاحمة تأكل بعضها بعضاً ، وأناس شاغبون ، متباغضون ، متنافرون ، يموج بعضهم في بعض ، ولذلك نری الأوضاع – رغم كل الضمانات والصيانات والوقايات التي أنتجتها الحياة الصناعية الراقية – تتدهور كل يوم من سيئ إلى أسوا ، لماذا ؟
لأن هذه الوقاية أو هذه الصيانة سطحية لا تمس إلا القشور ، ولا تبلغ إلى الجذور ، إنها لا تتناول إلا أموراً سطحيةً ظاهرةً ، لا تمت إلى صميم الحياة ، ونفسية المشكلة ، وجذور القضية بصلة ، إنما هي تعتني بالمظهر الكاذب للإنسانية ، أثاث فاخر ، وقلب فاجر ، جسم فاره ، وروح شاحية ، هندام جميل وأعصاب متوترة ، قوة هائلة كالعفاريت ، وعقلية صغيرة ضيقة كالعصافير ، هذا المظهر الكاذب استهلك طاقات الإنسانية كلها ، منذ زمن طويل ، خاصةً بعد النهضة الأوربية الحديثة ، وقد جاء وصف القرآن لهذا الوضع المظلم وتصويره المعجز البليغ لانحطاط الإنسانية وشيوع الفساد جامعاً بين تعيين الداء وتحديد الدواء والحث على الرجوع إلى الله واستثارة نوازع الخير في الإنسان ، ( ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [1] .
( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً . أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً ) [2] .
( وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ ) [3] .
فهل في دراساتنا الإحصائية ، وعلومنا الوقائية ، وبحوثنا الفكرية والاجتماعية العميقة الطويلة في عالمنا الإسلامي مكان ما – ولو في زاوية صغيرة بعيدة – لما كشف عنه كتاب الله وأقره كسبب رئيسي لهذا الفساد الذي ظهر في البر والبحر ؟
هل في جامعاتنا العصرية كرسي خاص للبحث في مثل هذه الأمور الحيوية الدقيقة الخطيرة ، الأمور التي يتوقف عليها مستقبل الإنسانية ومصير الحضارة ؟
هل في عمالقة الفكر والفلسفة والاجتماع في الغرب والشرق من يهتم بهذه القضية ، قضية النوع البشرى كله والأسرة الإنسانية كلها ؟
هل هنا بين هذه المكتبات العالمية العامرة ، والسيل العرم من المطبوعات ، وفي هذا المحيط الهادر من الثقافات ، والآداب ، والعلوم والفنون ، والمذاهب والفلسفات ، ناحية لدراسة هذا ” العلم النبوي العظيم ” الذي ترتبط به سعادة الدنيا والآخرة ؟
كلا ! وما هو إلا الاستكبار والصلف والتبجح والحقد الدفين في صدور الصليبيين الذي يمنعهم عن قبول الحق المبين ؟
إن هذا العلم ، علم النبوة والوحي والرسالة الخالدة ، العلم الذي أوتي موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين – يتحدى جميع العلوم وجميع الحضارات ، والثقافات والمذاهب والفلسفات ، و الدول والحكومات ، ويقول بلهجة جازمة وأسلوب قاطع و بيان صارم ، إن هذه العلوم لا قيمة لها بتاتاً ، بل هي تعود وبالاً وأغلالاً في عنق أهلها إذا قطعت صلتها بالنبوة ، وازدرتها ، ونظرت إليها بعين الاحتقار والاستخفاف والاستهزاء ، كما عبر عنه القرآن على لسان قدماء المشركين ( وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْى وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ) [4] ، ويقول :
( أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّاكِرِينَ ) [5] .
إن هذا العلم هو علم القلب الذي يتوقف عليه كيان الإنسان ، كما عبر عنه لسان النبوة قائلاً :
” ألا ! إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا ! و هي القلب ” .
إن هذا العلم هو علم الساعة ، ولا يمكن لأي إنسان أن يجتاز نهر الحياة الفائض ، ويعبر أمواجه الهائجة المائجة ويقاوم العواصف الهوجاء العاتية ، ويحفظ نفسه من تماسيح هذا النهر العميق الكبير وحيواناته وثعابينه وعلقه ، من غير أن يتعلم هذا العلم ويعرف فن السباحة .
وأروي لكم في هذا المجال قصةً طريفةً تلقي الضوء على هذا الأمر ، وتقرب فهمه إلى العقول والأذهان .
ركب لفيف من الشباب الجامعيين – وكانوا في عطلتهم الصيفية – سفينةً ، وكان النهر فائضاً ، والمنظر جميلاً ، وقالوا للملاح الفقير أن يذهب بهم إلى الشاطئ الآخر حيث يتمتعون بالماء والخضرة والهواء البارد بعض الوقت ، ففعل ، وطاب لهم الجو وآنسوا المنظر فبدا لهم أن يحاوروا الملاح ، ويتندروا به ، فسأله واحد منهم وكان طالب هندسة ، هل تعلمتَ الهندسة يا ملاح ؟ فتحير ولم يجد جواباً ، فسأله لا بد أنك تعرف الحساب طبعاً ، وأنكر خجولاً ، وسأله ثالث عن الكيمياء ، ورابع عن الفلسفة ، وخامس عن الجغرافية ، و هو يقول : إنه لا يعرف ما هذا الشيئ ، ولم يسمع عنه في حياته ، فضحكوا منه وقالوا له : إذاً إنك أغرقت شطر حياتك ، وما لبثوا دقائق حتى اشتد الفيضان ، وبدأ الزورق الصغير يتمايل يميناً وشمالاً ، وشعر الملاح بالخطر ، فسألهم هل تعرفون السباحة يا أبنائي ! فنكسوا رؤوسهم وقالوا : لا ! وعلم الملاح – وكان ذكياً – أنهم مقبلون على الغرق ، فقال : إذاً إنكم أغرقتم حياتكم كلها !
إن هذه القصة قصة من صميم الحياة ، إنها قصة الغرب المتكبر والشرق المتنكر ، إن مصير الغرب – إن استغنى عن نور النبوة – هلاك محتوم ، وإن هذه الوسائل الجبارة والمخترعات العجيبة المدهشة ، والحضارة المزخرفة المنمقة ، وحرية الكلاب والخنازير لا تغني من عذاب الله شيئاً ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .
لماذا ؟
لأن هذه العلوم أو هذه الحضارة لا تمس – كما قلت في مطلع الحديث – غير القشور وغير الظواهر ، إن الغربي لا يعرف أن ما فقده في القلب ، لا يجده إلا في القلب ، إنه فقد لوعة الحب ، ولذة الروح ، وصفاء الضمير ، إنه فقد حنان الأم ، وعطف الأب ، وحب الاخ ، ورحمة الزوج ، ومودة الصديق ، وأراد أن يستبدلها بمساكن مخصصة للعجائز الذين لا يتحملهم الأبناء ، وصالونات ترفيه للشيوخ الذين قضوا وطرهم من الحياة ، ومستشفيات للمجانين الذين سئموا صخب الحياة وضراوتها وقساوتها ، وروضات للأطفال أصبحت كالزنزانات ، أو كميونات شعبية ( Communes ) في البلاد الاشتراكية أصبح فيها الإنسان حيواناً أو جماداً أو نباتاً ، يخاف على نفسه – من هول الاضطهاد والحكم الرهيب – أن يحول بعثرة لسان أو سوء بيان إلى قطعة من الصابون أو علبة من المسحوق . . . هذه الحياة الرهيبة أو الحياة الرتيبة ، ليست إلا عذاباً من الله في الدنيا قبل العذاب في الآخرة .
والقرآن بشر الكفار بالعذاب في عدة مواضع كما بشر المؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِى ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ ) [6] .
( أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) [7] ، وقال :
( إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ ) [8] .
إن فلاسفة الغرب لم يفهموا بعدُ معنى الحضارة والمدنية ، ولم يعرفوا الصلة بين المادة والروح ، والعقل والقلب ، والآلة والضمير ، والغاية والوسيلة . . . ولذاك نراهم يرتكبون في أفكارهم وكتاباتهم أخطاءً صبيانيةً لا تتصور من صاحب عقل ورشد وتمييز ، ونرى كبار عقلائهم ونوابغهم لا يعرفون الفرق بين الحقيقة وشبحها ، والحقيقة وظلها ، جهلوا أبسط المبادئ التي تتصل بالخلق والخالق ، وغاية الحياة ، وتوغلوا في أعماق العلوم التي لا خلاق لها في الدنيا والآخرة ، وذلك معنى قوله تبارك وتعالى :
( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) [9] .
( بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ) [10] .
ذلك مبلغهم من العلم .
وكما أن علوم هؤلاء الشباب الجامعيين الذين ركبوا السفينة ، لم تنقذهم من الغرق ، كذلك هذه العلوم التي فاضت بها المكتبات الغربية ، والجامعات الغربية لا تستطيع أن تنقذ الغربيين من الغرق لأنهم لم يتعلموا فن السباحة ، وفن الحياة ، وفن الخلود ، واطمأنوا إلى الحياة الدنيا ورضوا بها ، وزين لهم الشيطان أعمالهم ، فترى بعضهم يقضي عمره في النحت ، وبعضهم في التصوير ، وهذا ينفق الملايين على كلبه المدلل ، وهذا يقضي عمره كله في معرفة أسرار فن الطهي ورموزه ، وهذا يقضي عمره في رسم الأزياء والتقاليع ، ولا سبب له إلا البعد عن الهدف ، والجهل عن الحق ، والعلو والاستكبار ، والإخلاد إلى الأرض ، واتباع الشهوة ، وابتغاء الشهرة ، والرضا بالحياة الدنيا عن الآخرة وعبادة النفس والشيطان عن عبادة الله .
( نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ، أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ) [11] .
هذا في الغرب . . . فما هو الأمر في الشرق ؟
تقليد في غير ذكاء ومحاكاة في غباء ، والاكتفاء بالجوانب التي تجلب المتعة واللذة عن الجوانب التي تتصل بتنظيم الحياة وتصميمها ، والرغبة في الارتجالية والتهور بدلاً من الروية والتفكير والصبر .
والجري وراء المتعة الرخيصة ، واللذة المكشوفة كالكلاب اللاهثة ، والفرار عن الجد والاجتهاد كما يفعله الغربي ، ثم يرفه عن نفسه منطلقاً عن جميع الحدود والقيود في آخر أيام الأسبوع .
سبحان الله ! لقد أخذنا من الغرب عاهاته وآفاته ، وتركنا خيراته وحسناته ، وذلك جزاء كل من يتنكر لدين رب العالمين ، ويكفر بالنعمة ويجحد بالفضل والمنة ، وتتشعب به المسالك عن الصراط المستقيم ، فيتخبط من غير هدى ، ويتسكع في ضلال وعمى .
لقد تاه الغرب بحكم ظروفه وبيئته وأخطائه ، وها هو ذا يجني ثماره المريرة ، ولا يجد حيلةً ولا يهتدي سبيلاً ، إنه يحصد الآن ما زرع ، ويشكو مما صنع ، فما لنا نجري وراءه كقطعان ضالة من الغنم ، لا رأس لها ولا رائد ، ولا راعي لها ولا حارس ، وما لنا لا نأخذ منه إلا ما يوافق الهوى والجنس واللذة والشرود والشذوذ ، أما ما يتعلق بتفتيق القرائح ، وإذكاء المواهب ، والترويض على حياة الجد والاجتهاد ، وعناء البحث العلمي فلا نصيب لنا منه إلا قليلاً .
ونظرة واحدة إلى المغتربين والمبعوثين – باستثناء ثلة من المؤمنين – تكفي برهاناً على صدق ما نقول !
إن تطوير الحياة ، وتقدم البلاد، وتحسين المعيشة ، ورفع مستوى الحياة ، وتضخم الدخل والإيراد ، ومجاراة الغرب في الأسواق والمعارض ، والعمارات ، والآلات والماكينات ، ليست غايةً بذاتها ، إن هذه الخيرات التي يسيل عليها لعاب الشرق ، وإن هذه الحياة اللامعة البراقة التي تعجب أبناءنا الفج في الغرب ، وتستهوي قلوبهم وعواطفهم ، أصبحت اليوم سلاسل وأغلالاً في قدمه ، وطوقاً ثقيلاً في عنقه ، وما حوادث الانتحار والجنون ، والتوتر العصبي ، والقلق النفسي العام ، والفجور العلني الشايع ، وحركات الحيوانية والشذوذ ، والتفنن في إرواء غلة الجسد وخواء الروح بحركات مضحكة ومهازل مبكية ، إلا مظاهر يأسه وإخفاقه في مضمار الحياة وقعوده عن قيادة الإنسانية ، وعجزه عن الحصول على المسرة الحقيقية ، والأمن العاطفي ، و الشعور بالخطيئة والاثم الذي خالط لحمه ودمه ، وإن لم يعترف به لاستكباره ، وقوته ، وعساكره وجنوده ، إنه يعرف في قرارة نفسه – وإن لم يعترف به – أنه أضعف من النمل ، وأحقر من الذباب ، وأخس من الكلاب ، وأذل من الديدان والحشرات ، ولكنه لا يجد السبيل ولا يعرف طريق الخلاص .
( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ) .
إنه نتيجة الاستغناء عن نور النبوة ، وهداية السماء ، إنه نتيجة الحقد الذي يغلي به صدور الصليبيين الجدد في الغرب على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته الأخيرة الخالدة وعلى كتاب الله المقدس الأخير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد .
إن المسيحية والصليبية لا تزالان تشكلان خطراً على الإسلام والمسلمين ، وتضمران الحقد لهما ، وتدبران المكر عليهما ، وهما صورتان لحقيقة واحدة ، حقيقة الكبر والحقد ، والتمويه والتضليل والفساد في الأرض ، وجناحان لمعسكر واحد ، معسكر الكفر والضلال ، أو بتعبير أدق وأفصح معسكر المسيح ، الدجال .
فما لنا نحن المسلمين في الشرق نرقص على نغمات هذه الصليبية الحاقدة ، ونتجاوب مع أصدائها ، ونسبح بحمدها ، ونتفانى في حبها ، ولا تمنعنا الذلة والإهانة التي لقيناها من معسكر أو كتلة أن نجرب حظنا في معسكر آخر أو كتلة أخرى ، ونستبدل بعد كل عشر سنوات أو عشرين سنة سيداً قديماً بسيد جديد ، واستعماراً قديماً باستعمار جديد ، والعبيد هم العبيد لا تغيير فيهم ولا تبديل [12] .
وأرض الكنانة أرض الإسلام والإيمان تندب حظها النكد على يد هؤلاء السفهاء وتقول بلسان حالها : ( أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِى مَن تَشَآءُ ) .
إن الله أغناكم يا قوم بالإسلام ، أغناكم بنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وبكتابكم القرآن وذروة سنامكم الجهاد ، أغناكم بالمحبة البيضاء ليلها كنهارها ، أغناكم بالمفتاح الذي يُفتح به كل قفل ، ويحل به كل مشكلة ، أغناكم بالمعين الخالد الذي لا ينضب ، والمدد الذي لا ينفد ، والنور الذي لا ينطفئ ، والتوفيق الذي لا يخون ، والنصر الإلهي الذي لا يخذل عباده ، وهم على الطريق ، طريق الإيمان والقرآن ، والفرقان ، طريق الجهاد والإعداد والاجتهاد ، طريق التقوى والصبر ، فلنكن كما أراده الله لنا أن نكون ، ولنبق في هذا المكان الرفيع السامق الفريد الذي اختاره الله لنا كحملة الرسالة الأخيرة ، وكتائب الإنقاذ للإنسانية المعذبة ، ومشاعل النور للتائهين في الأرض ، الضالين في دروب النفس ومسارب الحياة في عواصم الغرب والشرق .
[1] سورة الروم : الآية 41 .
[2] سورة الكهف : الآية 103 – 105 .
[3] سورة الشورى : الآية 30 .
[4] سورة هود : الآية 27 .
[5] سورة الأنعام : الآية 53 .
[6] سورة يونس : الآية 64 .
[7] سورة يونس : الآية 62 .
[8] سورة فصلت : الآية 30 – 31 .
[9] سورة الكهف : الآية 103 – 104 .
[10] سورة النمل : الآية 66 .
[11] سورة الحشر : الآية 19 .
[12] وقد تبلغ العبودية والخنوع والرضوخ للاستسلام وللركل بالأقدام لبعض الحاقدين ، والفاقدين الغيرة والحياء – وإنه بو رقيبة في أيامه – أن يتحدى الشعب التونسي المؤمن الغيور في غيرته وعقيدته وحرمته ومقدساته ويعلن باستهتاره وكفره جهاراً ، فيتهم كتاب الله بالتناقض ، والمعجزات النبوية بالخرافة ، واستلام الحجر الأسود بالشرك ، ويتهم النبي صلى الله عليه وسلم بقبول طقوس المشركين ونقل الخرافات إلى القرآن ونحو ذلك .
والمحل ليس محل البحث والدراسة ، فالرجل أبعد من العلم بمثل ما هو أقرب إلى الخمر وهو لا يعرف كتاب الله ، ولا يعرف معنى التناقض ، وإنما دفعه الحقد والعبودية – التي تعودت عليها بعض النفوس – أن يتجسس نبض شعبه ويمتحن غيرته وتماسكه ، فإذا رأى منه ما يشجع ، تقدم فيما أراد ، وزاد واستزاد، وإذا رأى ما يكره انكمش وانخنس ، وعاد إلى جحره يتربص بالمؤمنين الدوائر ، وهو لا يخدم في ذلك إلا أسياده ويرضي نذالته ، وكل إناء يترشح بما فيه ، وهذا ليس جديداً منه أو بدعاً ، فهذا دأبه وديدنه منذ زمان ، عرف به بين الأقران .
والأمر الآن إلى الشعب التونسي الشقيق ، فلننظر بماذا يرد على هذا التحدي والاستفزاز والإثارة والإهانة ؟