ماذا تعلّمنا من فيروس كورونا ؟ – منظور إسلامي
سبتمبر 4, 2021الحضارة القرآنية : عناصرها وقيمها العليا
أكتوبر 12, 2021الدعوة الإسلامية :
العلم القرآني وصلته بحياة الإنسان
سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
الرئيس العام لندوة العلماء ، لكناؤ ، الهند
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين خاتم النبيين محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
فإن العلم نعمة الله العظيمة ، وفق الله تعالى الإنسان لتحصيلها ، وترقية حياته ، بها فتكون حاملةً لما تتفوق به على حياة غيره من المخلوقات الأرضية الأخرى ، وسعة العلم وقوته تزيد ما فيه الإنسان من ميزات حياته ، والإنسان يصل إلى ما تيسر له من قوة وخير كل اليسر لينال حسب حاجاته في الحياة ، وقد أمر الله تعالى بتحصيل العلم ، ولكن ذلك يكون حسب توفيق الله وتيسيره له ، وأمر الله تعالى أن يكون كل عمل من أعمال الإنسان مرتبطاً باسم الله تعالى ، وبه يكون علمه مقبولاً عند الله ونافعاً للإنسان في داري حياته الدنيوية والأخروية ، فقد قال : ” ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ ” وقال : ” عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” فوجب على الإنسان عملاً بأمره ” ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ ” أن يربط العلم باسم الله تعالى ، وهذا العلم الذي يحصل للإنسان ، يحصل له على إعطائه من الله ، وقد ينحرف عن هذا الأمر ويجعل رغبة نفسه بدلاً من رضا ربه .
فلما جعل الله كل شيئ للإنسان فضلاً منه عز وجل ، فعلى الإنسان أن يشكر ربه ، وبذلك يكون حاملاً لفضل الله وكرمه ، وإنه أكرمه بإعطائه العلم الذي ما لم يعلم ، ولا شك أن صفة معرفة العلم هي التي أقامت الإنسان على المقام الذي أصبحت فيه جميع المخلوقات الأخرى أسفل درجة من الحياة التي تعيش فيها ، كما أنه يطلع بمعرفته العلمية ويعرف كيف يستخدم ما حوله من القوى والأسباب الأرضية ويستفيد منها ، وينال أهدافاً لم يمكن له أن ينالها ، فإن أثمن شيئ في حياة الإنسان أولاً هو نعمة الحياة ، يولد من نطفة حقيرة ، ثم ينمو ويتدرج منها حتى يصبح مخلوقاً حياً ، ثم يحصل له أثمن شيئ ثان وهو العلم ، فإن معرفته تجعله مطلعاً على ما حوله من أقوى المخلوقات ، وهذا كله من رحمة الله وكرمه ، وبه يجعلنا متميزين على غيرنا من المخلوقات الأخرى من نفس الأرض وفي نفس الأحوال والأجواء ، فمن نعمة الله وكرمه العظيمين أنه علّم الإنسان ما لم يعلم بقوله : ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” .
ويجب على كل إنسان يعلم ويستفيد من العلم أن يشكر الله ويستفيد بعلمه في أداء حقه لما ينفع به الناس ، ويؤدي ما يرضى به ربه تعالى ، ولكن الإنسان الذي يملك العقل الذي يميز به بين الخير والشر ، يملك هوى النفس كذلك ، فيتضح عليه بذلك أن يجعله صالحاً يكون تابعاً للخير أو خاضعاً لهواه النفسي ، فعندما نستعرض جهود الإنسان العلمية نرى أن ما يقوم به يكون إما تابعاً للخير أو تابعاً لهواه وخادماً لنفسه ، أما استخدامه للعلم فنجد بصورة عامة أنه لا يكون تابعاً لرضا ربه ،فإن ذلك عام في الناس ، فإن أكثر ما يكسبه يكون تابعاً لهواه إلا قليلاً .
ولقد جعل الله تعالى المعارف الحاصلة للإنسان شطرين : شطر يكون تابعاً للخير الذي ينبغي لدينه ، وشطر يكون تابعاً لهوى نفسه وأغراضه الأرضية الصالحة ، وسمح الله الإنسان أن يستخدمها استخداماً صالحاً ، ولكن يتجنب عما لا يرضى الله به .
وقد رأينا في المسلمين أيضاً طائفةً كبيرةً قد ينحرفون في هذا الأمر ، وذلك لانغماسهم وعكوفهم على النظرة الغربية والفكر الغالب عليهم بصورة عالمية ، وحريتهم المطلقة في اختيار العلم التابع للهوى النفسي ، متجردين عن معرفة ما يتطلب العلم من رضى الله تعالى ، كما أن في المسلمين طائفة أيضاً يريدون رضا الله تعالى ، ولكنهم تركوا الجانب العلمي النافع من العلم غافلين عن فوائده وقوته ، مخالفين لغيرهم في الأمور الأرضية المفيدة ، وبذلك أصبحوا جاهلين عما يفيدهم من أمور الأرض ، ولكن شعر بعض المخلصين من علماء المسلمين بضرورة أن يجمعوا بين الجانبين بإيجاز ، فاجتمع جمع من العلماء الكبار من الهند للبحث في هذا الموضوع ، ورأوا ضرورة إنشاء حركة الجمع بين الجانبين ، وذلك ما سموه ندوة العلماء ، وتعرف هذه الفكرة الجامعة بعنوان ” الجمع بين القديم الصالح والجديد النافع ” ، ولما كانت جامعة ندوة العلماء قامت بأداء عملها تخرجت أجيال جامعة بين الفكر والعمل وسارت في هذا المنهج المتزن ، عندما قامت بتوضيح هذه الفكرة ، أرجو أن يعرف الناس بهذه الجملة القصيرة فكرة ندوة العلماء ومنهجها معرفةً واضحةً ، والله ولي التوفيق .