علماء أهل الحديث في الهند
يوليو 25, 2020المهندس محمد توفيق بن أحمد سعد
أغسطس 12, 2020رجال من التاريخ :
العلامة الشريف السيد عبد الحي الحسني : شخصيته البارزة
( 1286هـ / 1869م – 1341هـ / 1923م )
بقلم : العلامة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
تعريب: محمد فرمان الندوي
أسرة الشيخ علم الله الحسني :
إن أسرة السادة الحسنيين الذين يسكنون في قرية تكية كلان بمديرية رائي بريلي كان فيهم الشيخ علم الله الحسني ، الذي عمر هذه القرية بروح من الإيمان والتقوى ، وأنشأ هناك جواً ، يستوفي بمتطلبات التزكية والتربية ، وينقطع إلى ذكر الله تعالى بعيداً من العمران ، فظلت فيها سلسلة التعليم والتربية ، ولا يزال ينشأ فيها المشايخ والعلماء الربانيون ، كان أكبرهم الشيخ علم الله الحسني أحد تلامذة العالم الرباني الشيخ السيد آدم البنوري ، وهو من أتباع المجدد الكبير أحمد بن عبد الأحد السرهندي ، عاش عيشة الزهد والقناعة ، وقام بدور مثالي متميز في الدعوة والإصلاح ، وكان أولاده على هذه الخلال ، يجمعون بين العلم والتقوى ، ويتصلون اتصالاً روحياً بالإمام ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي ، فكانت لهم ثقة واعتماد لديه .
ثم واصل أبناء الشيخ علم الله الحسني علاقاتهم بالشيخ عبدالعزيز الدهلوي ، كان أبرزهم الإمام أحمد بن عرفان الشهيد ، وكان من أتباعه البارزين في الأسرة الشيخ محمد ظاهر الحسني ، وكذلك كان له ابن عم ، تربى على يديه ، وهو الشيخ ضياء النبي الحسني .
الشيخ عبد الحي الحسني : شخصيته البارزة :
فالذين تربوا من أبناء الأسرة على هاتين الشخصيتين ( الشيخ محمد ظاهر الحسني والشيخ ضياء النبي ) ، كان منهم العلامة السيد عبد الحي الحسني ، وكان له ولدان ، اشتهر كلاهما في العهد الأخير ، وكانا خالاً لنا ، وهما الشيخ السيد عبد العلي الحسني والشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، لا حاجة هنا إلى التعريف بهما ، استفاد كلاهما من دار العلوم لندوة العلماء ودار العلوم بديوبند ، وانتخبا رئيسين لندوة العلماء مرةً بعد أخرى .
نال الشيخ عبد الحي الحسني نبوغاً في العلوم الدينية ، كما وطد علاقته الروحية بمشايخ عصره ، وناب عنهم في التربية الروحية ، وقد دلت على نبوغه العلمي ثلاثة كتبه العلمية ، فاستفاد الناس منها استفادةً كثيرةً ، أحدهما كتابه نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ، فقد اعتبره العلماء كموسوعة تاريخية للهند ، وثانيهما الثقافة الإسلامية في الهند ، وهو يشتمل على ذكر مؤلفات علمية ودينية وثقافية قام بتأليفها العلماء الهنود ، وهو نادر في فنه ، وثالثهما: گل رعنا ، وهو يتحدث عن تاريخ اللغة الأردية في الهند ، فعرض من خلال هذه الكتب تاريخ الهند العلمي والثقافي والأدبي ، وفتح مجالاً واسعاً للاستفادة من تاريخ الهند القديم والجديد ، وفي جانب آخر كتب عن مآثر علماء غجرات ، ومشايخها وأعلامها وسلاطينها وأمرائها ، وجمع فيه معلومات موثوقاً بها ، حتى صار الكتاب مصدراً أساسياً من في هذا الباب .
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي :
” لقد ألف أولاً كتابه ( نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ) – في تراجم أعيان الهند – من القرن الإسلامي الأول إلى القرن الرابع عشر الهجري ، في ثمانية أجزاء ، تشتمل على أكثر من أربعة آلاف وخمس مأة ترجمة ، وقد اقتدى فيه بابن خلِّكان في الدقة والاقتصاد ، ووضع الرجال في منازلهم ، وألف كتابه ( معارف العوارف في أنواع العلوم والمعارف ) ، وهو دليل شامل لمؤلفات علماء الهند ، مع تاريخ دخول العلوم الإسلامية في هذا القطر وتطورها ، وتاريخ مناهج الدرس فيه ، والمراحل التي مرت بها .
ثم أقبل على هذا الموضوع الذي هو من أشد الموضوعات العلمية في هذه البلاد غموضاً وخمولاً ، ومواده كما قدمنا إما منثورةٌ مبعثرةٌ في ثنايا السطور في الأسفار الكبيرة ، وهي إشارات لا تفي بالغرض ، ولا تُسمن ولا تُغني من جوع ، وإما مطمورةٌ مغمورةٌ ، تحتاج إلى نفض أتربة وإزالة أنقاض ، ثم إن كثيراً منها يوجد في غير مظانها فلا يهتدي إليها ، ولا يتفطن بها إلا من عاش بين الكتب – بين مطبوع ومخطوط – مدة طويلة ، وأرهق عينه وأضنى نفسه في مطالعة كل ما أُلّف في التاريخ والأخبار والتصوف ، وما لا يتصل بالتاريخ من قريب وبعيد ، ويكون كالنحلة تدور بين الأشجار ، وتجلس على الرياحين والأزهار ، فتمتص منها الرحيق ، فتحوله إلى عسل مصفى ، فيه شفاء للناس ، ويرزق صبر النحلة وحرصها وتلطفها وحكمتها في قضاء وطرها ، وإخلاصها في عملها ، وإيثارها في نفع غيرها ” [1] .
تربيته الروحية :
اتصل الشيخ عبد الحي الحسني في التربية الروحية ، بشيوخ وعلماء ديوبند ، ونال منهم توجيهات خاصةً ، كان أبرزهم الشيخ رشيد أحمد الغنغوهي ، والشيخ محمود الحسن الديوبندي ، والشيخ محمد أشرف علي التهانوي ، كما بايع على يد رباني العصر الشيخ فضل رحمن الغنج مرادآبادي ، وملأ قلبه بمعاني الإحسان والتقوى ، وأخذ منه إجازة الحديث الشريف ، وحينما توفي الشيخ فضل رحمن الغنج مرادآبادي بدأ يستفيد من الشيخ الرباني إمداد الله المهاجر المكي ، وكانت هذه الاستفادة بالرسائل والكتب ، وأخيراً بايع على يديه . وكان في مشايخ أسرته خاله الشيخ عبد السلام الهنسوي فاستفاد منه في هذا المجال ، كما استفاد من والده الشيخ السيد فخر الدين ووالد زوجته الشيخ ضياء النبي استفادةً روحيةً .
جهوده في ندوة العلماء :
ارتبط الشيخ من مدرسة متميزة بين المدارس الأخرى في عهده ، وهي دار العلوم لندوة العلماء ، وبذل لها جهوداً كثيرةً ، وبما أن أكثر أعضاء ندوة العلماء كانوا ينتسبون روحياً إلى الشيخ فضل رحمن ، وكان الشيخ السيد محمد علي المونغيري رئيس ومؤسس ندوة العلماء من أكبر أتباعه ، فاختار الشيخ عبد الحي مساعد رئيس ندوة العلماء ، فوقف الشيخ عبد الحي الحسني نفسه لندوة العلماء ، وارتقى من منصب مساعد رئيسها إلى نائب رئيسها ، ثم إلى رئيسها العام عام 1915م ، وقام بتطوير ندوة العلماء من جهات متنوعة ، وظلت مدة رئاسته لندوة العلماء ثماني سنوات ، وكان رئيساً لها وقت وفاته .
كان من وراء تأسيس ندوة العلماء تقريب الفجوة بين العلوم الدينية والعلوم العصرية ، ليمكن بذلك إزالة فكرة فصل الدين عن السياسة التي شاعت آنذاك على أوسع نطاق ، فتخرج في أول دفعة لدار العلوم ندوة العلماء علماء كانوا يجمعون بين العلم والربانية أمثال العلامة السيد سليمان الندوي والشيخ عبد الباري الندوي ، ثم تخرج الجيل الثاني ، وكان فيه الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ، والشيخ محمد أويس النجرامي الندوي والشيخ محمد عمران خان البوفالي الندوي ، وهم على درجة رفيعة من الصلاح والتقوى .
قام الشيخ السيد عبد الحي الحسني بخدماته العلمية بغاية من الهدوء ، وهي نموذج عال للبحث والدراسة ، اطلع الناس على كتبه العلمية بعد وفاته ، فاعتنى أبناؤه بطباعتها ونشرها ، وكانت حياته تشتمل على جانبين مهمين: خدمة ندوة العلماء وتأليف مؤلفات قيمة ، كما كان له اشتغال خاص بكسب الرزق الحلال ، وقد ركز عنايته داخل البيت على تربية أولاده ، وإعدادهم على خلال من الإيمان والتقوى ، تزوج من بنت الشيخ عبد العزيز الهنسوي ، ولد منها الطبيب السيد عبد العلي الحسني ، وبعد وفاته تزوج من بنت الشيخ ضياء النبي السيدة خير النساء بهتر ، ولد منها الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ، وقد ظهرت محاسن هذه الزوجة الصالحة في ابنتيها السيدة أمة العزيز وهي والدتنا رحمها الله تعالى ، والأخرى السيدة أمة الله تسنيم امرأة صالحة قانتة ، ومن آثارها العلمية : زاد سفر ترجمة رياض الصالحين للإمام النووي باللغة الأردية وقصص الأنبياء . توفي الشيخ السيد عبد الحي الحسني عن عمره 55/ عاماً حسب التقويم القمري ، 53/ عاماً حسب التقويم الهجري . ودفن قريباً من الشيخ علم الله الحسني .
[1] شخصيات وكتب للعلامة الندوي : 190 – 191 .