الرزق في وحي الله وما يجب فيه من الحقوق ( الحلقة الأولى )
يناير 28, 2025الرزق في وحي الله وما يجب فيه من الحقوق ( الحلقة الثانية الأخيرة )
فبراير 23, 2025التوجيه الإسلامي :
الصحوة الإسلامية بحاجة إلى جهود علمية وإعلامية
الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله
إن عقلية المثقفين بالثقافة الغربية ، وهم الطبقة الغالبة في أهل المعرفة والعلم اليوم تنطوي على الخوف من الإسلام ، لأنهم لا يعرفون عن الإسلام إلا تضايقات مختلفةً للرجل والمرأة كليهما في حياتهما ، وذلك لأنهم لا يعرفون التسهيلات والموافقات الفطرية للحياة التي يحفظها الإسلام لأتباعه في مختلف جوانب حياتهم من ” إن الدين يسر ” [1] ، و ” ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما [2] ” . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ولنفسك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً [3] ” . وقد جعل الإسلام أتباعه أحراراً في تناول كل طاهر من المأكولات ، وأباح لهم أخذ الطيبات من الرزق ، وأباح لهم الاستفادة مما خلق الله في هذه الأرض من الطيبات ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ) [4] ، ولكن المثقفين بالثقافة الغربية لا يعرفون عن ذلك شيئاً ، وإن عرفوا فلا يعرفون كيف تحصل لهم هذه التيسيرات ، فهم لذلك يخافون من الإسلام ويكرهونه ، ونحن ما دمنا نقصر في إزالة هذا الخوف والكراهة من الإسلام من قلوب الناس ، فسنبقى نواجه كره أمم العالم للإسلام والمسلمين ومقتها لهم ، بل وسنبقى نواجه خصومةً وعداوةً بين المسلمين أنفسهم ، بين الداعين إلى تطبيق الإسلام ، وبين الهاربين منه .
وزماننا اليوم هو زمان انتشار العلم والمعرفة ، وأصبحت وسائل التوجيه ، وإبلاغ الفكرة وإحلالها في النفوس ، والقلوب كثيرة ومتنوعة ، ويستفيد بها الكفار كل الاستفادة ، فقد أفسدوا ببحوثهم ومؤلفاتهم وبتعليمهم وإعلامهم أذهان الناس ، وأبعدوها عن الإسلام وعن شريعة الإسلام ، وعن نبي الإسلام ، نجد ذلك عندما نزور أي بلد من بلدان الكفر ، وندخل في دار لتوزيع الكتب ، أو مكتبة من المكتبات ، ونلتفت إلى ركن كتب تتحدث عن الإسلام وتاريخه وشريعته وأحكامه ، أو عن نظمه للحياة ، ونتصفح أي كتاب منها ، فنرى تخليطاً للحقائق وعرضاً محرفاً ، يثبت منه أن الإسلام دين الجهالة والتخلف ، وعدم مسايرته للحياة ، فيه تعدد للزوجات لإشباع النفس بالشهوات ، وفيه ظلم على المرأة وضربها إذا خالفت زوجها، وفيه كذا وكذا .
ولقد تصفحت كتاب سيرة للرسول صلى الله عليه وسلم ألفه أحد أصحاب الاختصاص في علوم الشرق أثبت فيه ببحثه ودراسته أن محمداً صلى الله عليه وسلم لما كان قد نشأ في بلد الفقر قام بإخراج قبيلته من الفقر ، ثم إخراج العرب إلى الثروة والقوة ، وحارب لأجل ذلك ، واستدل المؤلف بدلائل تخدع الأغرار من الناس ، وأثبت بذلك أنه لم يكن إلا زعيماً ، أو قائداً سياسياً قومياً فحسب ، ونحن حينما نختلط بأحد من المثقفين الكفار في أي بلد من بلدان الكفر ، ونذكر له الإسلام فما نجده إلا ويتأفف ، حسب معلوماته ومظنوناته من شدة الدين الإسلامي على أتباعه وسلوك المسلمين الإرهابي مع الآخرين ، ويظهر ظنه بأن الإسلام دين التضيق والعودة إلى عصر التخلف ، وأنه لا يصلح للعصر الحاضر ، هذا بالنسبة إلى بلدان الكفر ، أما في بلدان يحمكها المسلمون فلا نجد في أغلبية المثقفين بالثقافة المعاصرة إلا تصورات شبيهة بذلك التصور .
في هذا الوضع كيف نعتقد أن الذين يملكون أزمة السياسة والحكم وقيادة نظم الحياة الاجتماعية المختلفة سيرضون بالإسلام كبديل حسن لنظمهم السائدة ، بل ولن يكرهوا الإسلام ، ولن يكيدوا ضد غلبته ، ووصول المتمسكين به والمتعصبين له إلى منصة الحكم .
الأمر في كل ذلك إنما يرجع إلى تقصيرنا نحن ، وإلى خطأنا في التقدير ، وعدم استعراضنا للحالة الواقعية ، وإلى أننا لا نهتم إلا قليلاً جداً بتصحيح فهم المخطئين لفهم الإسلام ، وفهم تاريخه المجيد في صورته النافعة الحقيقية ، ولا نهتم بإعداد وتوزيع كتب لشرح الإسلام للجاهلين له ، ولا نهتم بعقد ملتقيات في الأوساط الكافرة ، تعرض على الغافلين عما يمتاز به الإسلام على غيره من فضائل وموافقات طبيعية ، ولا نهتم باختيار وسائل الإعلام في العالم الأجنبي ، وفي العالم الإسلامي كليهما ، إن جهودنا في كل هذه المجالات قليلة تافهة جداً ، نحن نبذل أموالاً طائلةً على رغباتنا الشخصية ، ولكننا لا نبذلها على مصالحنا الاجتماعية ، وحاجاتنا الدعوية ، وعلى الوسائل الأدبية والعلمية المفيدة إلا قليلاً ، أما في مجال التعليم فإن تخريجنا لرجال يضطلعون بمهام العمل في النظم الإدارية ، والتخصصات التنظيمية والعلمية ، مع معرفتهم الصحيحة لأحكام الإسلام ، وروح الإسلام ومع الكفاءة اللازمة لسياسة البلاد ، لا يعد بشيئ أمام تخريج المؤسسات الغربية مئات وألوفاً من الإخصائيين في الأعمال المختلفة مع بعدهم عن الثقة بالإسلام ومعرفة أحكامه وروحه .
لماذا لا نبذل جهودنا في تربية كتاب ومؤلفين يقومون بإعداد بحوث علمية وأدبية ، ويؤلفون الكتب على المنهج العلمي الرائق ، وباللغة الفصيحة التي يتحسنها أهل اللغة ، ويستجيدون قراءتها ليعرضوا فيها حقائق الإسلام بروعة تعبير ، وأسلوب أخاذ يجذب إليها القراء ، وكذلك أمر الصحافة والإعلام ، فنحن فيهما في الحضيض ، لا نستخدمهما إلا لمجرد الاستهلاك المحلي ، ولإشباع الرغبات فحسب ، وعدونا يتعلمهما لتربية الأذهان ولمصلحة خاصة ، إنه عمل مضن دون شك ، ولكنه لا بد منه إذا أردنا أن يفهمنا غيرنا على الصورة الصحيحة الصادقة فيقتنعوا بجدارة الإسلام لمسايرته للحياة المعاصرة .
إننا نجحنا في إيقاظ عدد لا بأس به من الجماهير المسلمة على ضرورة عودتهم إلى الإسلام وتطبيق نظم إسلامية للحياة ، وهو عمل عظيم من غير شك ، وسوف تكون له جدواه ونتيجته الحسنة ، ولكن تقصيرنا في مجالات أخرى من كسب طاقات لا بد منها لإقامة الحياة الإسلامية تقصير يخاف فيه من أن يطمس جانباً من جهود قادة الفكر والرأي المسلمين لتصعيد الصحوة الإسلامية السائدة اليوم ، هذا جانب مهم يجب أن نهتم به أيضاً ، وحينئذ تعطي جهودنا للصحوة الإسلامية ثمراتها الطيبة الكاملة ، مما تساعد في إقامة نظام شامل مقبول لدى الناس ، ولقد هدانا الله تعالى بقوله : ( ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ . وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ . وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِى ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ . إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ) [5] .
[1] صحيح البخاري ، رقم : 6463 ، والنسائي ، رقم : 121 – 122 .
[2] صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، رقم : 6126 . وصحيح مسلم ، الفضائل ، رقم : 6045 .
[3] صحيح البخاري ، كتاب الصوم ، رقم : 1968 وكتاب الأدب ، رقم : 6139 .
[4] الأعراف : 32 .
[5] النحل : 125 – 128 .