الشيخ طنطاوي جوهري فى ضوء إنتاجاته العلمية

أعتقونا لوجه الله
نوفمبر 22, 2024
مريم جميلة : نموذج رائد للمرأة المسلمة في مواجهة الاتجاهات المعاصرة
نوفمبر 22, 2024
أعتقونا لوجه الله
نوفمبر 22, 2024
مريم جميلة : نموذج رائد للمرأة المسلمة في مواجهة الاتجاهات المعاصرة
نوفمبر 22, 2024

رجال من التاريخ :

الشيخ طنطاوي جوهري فى ضوء إنتاجاته العلمية

الأخ ناصر . ك *

الدكتور محمد حنيفة §

يُعتبر الفيلسوف الحكيم الشيخ طنطاوي جوهري في مقدمة الأعلام من رجال الفكر العصريين الذين لا نزال إلى اليوم نذكرهم بكل إجلال ، وبكل تبجيل وإكبار ، وسيبقى ويبقى أولادنا وحفدتنا وحفدة أولادنا إلى يوم الدين – متأثرين بمحاولاته الإصلاحية في الأدب والدين وبتعاليمه التقدمية ، سواء ذلك في مصر وطنه العزيز أم في العالم العربي ، الذي كان فيه خير مصلح ديني [1] .

ولادته ونشأته :

نشأ الأستاذ الشيخ طنطاوي جوهري في قرية ” كفر عوض الله حجري ” من أعمال مديرية الشرقية قرب الآثار الفرعونية جنوب شرق الزقازيق ، وعوض الله حجري هو جد شيخ طنطاوى لأمّه ، وقد ولد في هذه القرية في سنة ١٨٦٢م ، واشتغل في مبدأ أمره بالزراعة مع أسرته التي كان لها اتصال حميد بعلماء الجامع الأزهر يفدون كل عام على سراة الأسرة وكبار بلدة الغار التي فيها أسرة أخوال والدته ، فأثر ذلك كله في والده ، فأرسله إلى كتّاب القرية ليحفظ فيه القرآن ، وكانت له جدة في تلك البلدة من أسرة عريقة لها نفوذ وسلطة تسمى أسرة العنائمة ، وكانت جدته تعنى به عنايةً خاصةً ، وذلك لأنها كانت تحبه حباً جماً [2] .

وكان والده الشيخ طنطاوي عالماً من علماء مصر حريصاً أن يكون ابنه يضارع أولئك الذين يجوبون البلاد مثل الشيخ الأشموني والشيخ العشماوي والجوري وغيرهم . وكان الشيخ محمد شلبي عم الشيخ طنطاوي رجلاً صالحاً تقياً محباً للعلم والعلماء ، مغرماً بمجالسهم ، وهو الذي أشار على أخيه الشيخ جوهري بإرسال ابنه إلى الأزهر ، ليتعلّم الفصاحة والبلاغة وعلوم الدين ، فشاقه وأيم الحق أن يكون له ولد على مثال أولئك العلماء الكبار الذين ملكوا القلوب بعلمهم ، ونزلوا أحسن المنازل لدى رجال الأمة [3] .

طنطاوي جوهري طالباً :

دخل الشيخ طنطاوى الجامع الأزهر ، وكان ذلك في عام 1877م ، والشوق يدفعه إلى العلم والرغبة تستحثه إلى الدأب وراء العلوم والمعارف وفهم الدروس ، ولقد ظهر ذكاؤه الحاد بالرغم من كثرة الحواشي والمتون ، وأتم القرآن وهو في السنة الثالثة عشرة من عمره ، ولا سيما كان يراه من اشتغال أولاد عمه بالعلم والحضور بالجامع الأزهر . أما والد الشيخ طنطاوي فهو الشيخ جوهري الزارع بقرية كفر عوض الله حجازي ، والذي كان وبعد سنوات قضاها طنطاوي في الأزهر درس فيها اللغة العربية والفقه الإسلامي ومذهب الإمام الشافعي والعلوم الأخرى من توحيد وعروض وبلاغة وغيرها ، وقعت الواقعة بنزول البلاء ، فسلب الزمان ضعف ما وهب فقد مرض الشيخ طنطاوي مرضاً شديداً اضطره إلى الانقطاع عن الأزهر والتوقف عن الدراسة فيه ، وعاد إلى القرية حيث وجد أباه أيضاً يعانى من المرض ، واضطر إلى البقاء مع أسرته الفقيرة لمساعدتها بالرغم من مرضه ، وأخذ يعمل مع الفلاحين في الحقول بنفسه ، ويداوي مرضه بالعقاقير التي كان يقرأ عنها في كتب الطلب القديمة ، ويداوي كذلك والده . أثناء مزاولة الشيخ طنطاوي عمله في الزراعة واشتغاله بالفلاحة اكتسب نزعةً جديدةً اتجه فيها إلى البحث عن وجود الله تعالى ، فقد حلت له الطبيعة بأجلى مظاهرها ، وفتحت بصيرته أبواب العلوم . تعكف على الصلاة وقراءة تفسير الجلالين ، وفي النهاية بفضل الراحة التي أحسها بين أحضان الطبيعة وبفضل صلواته وتأمله الخاشع – زالت أزمته النفسية . وإن والد الشيخ طنطاوي يتمتع بخيال الشعراء ومواهبهم ، ولم يطلع على استعداده للشعر إلا استعداده العلمي للنظريات الكونية قضاها في قريته بين حب الطبيعة وجمالها ، وكان سميره في فترة الانقطاع عن الأزهر عمه الشيخ ” محمد شلبي ، الذي أخذ يطالع معه الحديث الشريف في الجامع الصغير هناك وأظهر عمه فرحه وسروره من ابن أخيه ، وقال في نفسه : ما لي أسمع من ابن أخي ما لا أسمعه من أساتذة العلماء [4] .

وفاته :

وقد توفي الشيخ طنطاوي جوهري رحمه الله بالقاهرة من يناير     ( 1940م ) وهو في سن الثامنة والسبعين بعد ما عاش فيلسوفاً محباً للكون ، ومصلحاً دينياً واجتماعياً ، وداعيةً إلى السلام العالمي ، والإخاء الإنساني ، في وقت كانت القوة هي أداة تنفيذ السياسة وإقرار الواقع [5] .

مؤلفاته طنطاوي جوهري :

ترك الشيخ ” طنطاوي أكثر من ثلاثين كتاباً في مختلف فروع العلم والمعرفة ، مكتوبةً بطريقة مبسطة محببة إلى النفس ، وبأسلوب رشيق ، وترجم بعض مؤلفاته إلى الإنجليزية والفرنسية والهندية ، والأمهرية ، والإندونيسية ، وأهم مؤلفاته :

(1) الزهرة في نظام العالم والأمم (2) نظام العالم والأمم (3) التاج المرصع بجواهر القرآن والعلوم (4) نهضة الأمة وحياتها (5) الفرائد الجوهرية في الطرق النحوية (6)جمال العالم (7) النظام والإسلام (8) جواهر العلوم   (9) ميزان الجواهر في عجائب هذا الكون الباهر (10) رسالة الحكمة والحكماء (11) جوهر التقوى في الأخلاق (12) صدى صوت المصريين بأوربا (13) مذكرات في أدبيات اللغة العربية (14) أين الإنسان ؟         (15) الموسيقى العربية (16) رسالة الهلال (17) براءة العباسة (18) المدخل في الفلسفة (19) جوهرة الشعر والتعريب (20) رسالة عين النملة        (21) الأرواح (22) أحلام في السياسة (23) القول الصواب في مسألة الحجاب (24) القول الصواب في مسألة الحجاب (25) السر العجيب في حكمة عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (26) كتاب التربية الحكيم الألماني كانط (27) بهجة العلوم في الفلسفة العربية وموازنتها بالعلوم العصرية (28) الجواهر في تفسير القرآن الكريم (29) سوانح الجوهري (30) أصل العالم (31) القرآن والعلوم العصرية .

آراء الباحثين :

قال الأستاذ جب في محاضرة له بهذه المناسبة في جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة : ” إن كتاب ” أين الإنسان ؟ ” يبحث في أعقد المشكلات المالية بحثاً عجزت أوربا إلى اليوم عن الإتيان بمثله ” … وقال :   ” إني أعلن أن خير كتاب أخرج للناس في هذا الشأن هو كتاب ” أين الإنسان ؟ ” الذي يرسم للعالم بأسلوب فلسفي عميق طريقه المستقيم إلى السلام الدائم الذي رسمه الله في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) [ الحجرات : 13 ] [6] .

يقول الكاتب المعروف الأستاذ رجاء النقاش عن الشيخ طنطاوي : هو أحد علماء الدين البارزين ، والمفكرين النابهين في هذا العصر برغم أنه لم يحظ بما يستحق من الدراسة والاهتمام لا في حياته ولا بعد وفاته [7] .

الجواهر في تفسير القرآن الكريم :

الجواهر في تفسير القرآن هو آخر مؤلفات الشيخ طنطاوي ، ولقد قام بتدوينه بدون توقف من عام 1922م حتى عام 1935م في 25 مجلداً كبيراً .

يقول في مقدمة كتابه ، بأنه تأمل الأمة الإسلامية وتعاليمها الدينية ، فوجد أكثر العقلاء وبعض أجلة العلماء معرضين عن تلك المعاني ، ساهين لاهين عن التفرج عليها ، فقليل منهم من فكر في خلق العوالم وما أودع فيها من الغرائب ، مما دفعه إلى أن يؤلف كتباً كثيرةً مزج فيها الآيات القرآنية بالعجائب الكونية ، وجعل آيات الوحي مطابقةً لعجائب الصنع ، وحكم الخلق ، فتوجه إلى الله يسأله التوفيق إلى أن يفسر القرآن تفسيراً ينطوي على كل ما وصل إليه البشر من علوم ، فاستجاب الله دعاءه ، وتم له ما أراد [8] .

أسلوب المؤلف في هذا التفسير :

إنّ القارئ لتفسير الشيخ طنطاوي ، يلاحظ طريقته التي سلكها ، ويرى الصورة واضحةً في الأسلوب الذي اتبعه وقصده . فهو يفسّر الآيات القرآنية تفسيراً لفظياً مختصراً ، لا يخرج عما في كتب التفسير المتداولة ، ولكنه يدخل في أبحاث علمية مستفيضة يسميها هو ” اللطائف أو الجواهر ” . هذه الأبحاث عبارة عن مجموعة كبيرة من أفكار العلماء في العصر الحديث ، جاء بها المؤلف ليبيّن أنّ القرآن الكريم قد سبق إلى هذه الأبحاث ، ونبّه إلى تلك العلوم قبل أن يصل إليها هؤلاء العلماء بعصور بعيدة . تراه يضع في تفسيره كثيراً من صور الحيوانات والنباتات ، ومناظر الطبيعة ، وتجارب العلوم ، ليوضح للقارئ توضيحاً يجعل الحقيقة أمامه ، وكأنها أمر مشاهد محسوس . كما أنه رحمه الله – يستشهد أحياناً على ما يقول بما جاء في إنجيل برنابا – وهو في رأيه أصح الأناجيل – وفي تفسيره يعتمد على النظريات الحديثة ، والعلوم الجديدة ، التي لم يكن يعرفها العرب [9] .

ترشيحه لجائزة السلام العالمي :

كان الشيخ طنطاوي جوهري أول من قدّم مفهوم نظرية السلام العالمي في عصره ، امتدّ نشاطه العلمي إلى أوساط العالم فكرياً وثقافياً بمخاطبة الناس ، الذين يريدون الحياة بالسّلام العام ويدعون إلى الاطلاع على المعارف والعلوم الإنسانية والمدنية والحضارة ، مما أدّى إلى تأليف كتابيه ” أين الإنسان وأحلام في السياسة ” و ” كيف يتحقق السلام   العام ” ، هذان الكتابان يستخرجان حليتين لا بدّ أن تلبسهما الأمم المعاصرة لكي يتحقق الحلم الجميل وهو السلام العالمي ، كان أول مصري بل أول عربي يرشح لجائزة نوبل من أجل كتابيه المذكورين في 12/ يناير سنة 1940م حيث عدّوه من رواد المصلحين الداعين إلى السلام العالمي .

* باحث في قسم اللغة العربية .

  • الأستاذ المتقاعد جامعة كاليكوت ، كيرلا ، الهند .

[1] د . عبد العزيز جادو ، الشيخ طنطاوي جوهري ، دراسة ونصوص ، ط . دار المعارف ، القاهرة ، ص 5 .

[2]المرجع السابق ، ص 11 .

[3] المرجع السابق ، 12 بتصرف .

[4] المرجع السابق ، ص 12 و 13 .

[5] المرجع السابق ، ص 117 بتصرف .

[6] المرجع السابق ، ص 109 .

[7] https://darululoom-deoband.com/arabicarticles/archives/2082

[8] https://shamela.ws/book/38014/304#p1

[9] https://shamela.ws/book/38014/305#p1