الإسلام وخطاب الكراهية لأهل الكتاب ( الحلقة الثانية الأخيرة )
أكتوبر 20, 2020التوجيه القرآني للحوار الحقيقي : دراسة وصفية تحليلية
أكتوبر 20, 2020
الثقافة الإسلامية : معالمها وأهدافها
الدكتور معراج أحمد معراج الندوي *
الثقافة هي المنتجات الثقافية عبر العصور والقرون ، وذلك ما يقدمه البشر من الأدب والفن والموسيقى وأسلوب الحياة . الثقافة كلمة تعبر بها عن لياقة مجتمع من المجتمعات في تنسيق حياته ، وإضفاء الجودة والروعة على مظاهرها ، تدخل فيها جوانب عديدة متنوعة من مناهج السلوك والإظهار ، يعرف بها المجتمع وينال التقدير والمكانة في التاريخ الإنساني [1] .
الثقافة هي ذلك المركب الذي يشتمل على معرفة العقائد والفن والأخلاق والقانون والعادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع [2] . فالثقافة هي التراث الحضاري والفكري في جميع جوانبه النظرية والعملية ، ولا شك في أن العلم يوجد في الإنسان دافعا إلى البحث عن عالم جديد ، وإلى تحسين موقفه ومكانته في الحياة العقلية والاجتماعية ، كما يوجد العلم طبيعة التسامح والتزامل في الإنسان ويدعوه إلى أن يحترم نفسه ويكرم غيره ، والعلم هو الذي يخرج الإنسان من الظلمات إلى النور ، ويحدث فيه الاتجاه إلى التبادل بروح الأخذ والعطاء ، يحمله على تحسين موقفه ورفع مستواه فكريا وماديا . فالعلم مصدر الثقافة ، والثقافة ثمرة العلم . ولا نعني بالثقافة هنا المعرفة أو العلم ، وإنما نعني ما عناه علماء الإنسان حين نظروا إلى الثقافة على أنها أسلوب الحياة ، وبذلك تكون المعرفة مكونا من مكوناتها .
الثقافة ليست مجموعة المعارف والعلوم التي يكتبسها الإنسان ويحتفظ بها بطريقة معزولة عن الحياة ، بعيدة الممارسة ، وإنما الثقافة هي المعرفة التي تؤثر في اتجاه السلوك وتوجه حياة الإنسان [3] . فالثقافة هي مجموعة العقائد والأفكار والمفاهيم والنظم والرموز والعادات والتقاليد السائدة في بقعة محددة من الأرض [4] .
الثقافة الإسلامية هي معرفة مقومات الأمة الإسلامية العامة ، بتفاعلاتها في الماضي والحاضر ، من دين ، ولغة ، وتاريخ ، ورجال وحضارة ، وقيم ، وأهداف مشتركة بصورة واعية هادفة . الثقافة الإسلامية هي الثقافة المعبرة عن هوية الأمة وفلسفتها ونظريتها الكلية إلى الوجود وإلى المعرفة وإلى القيم ، وبعبارة أخرى إلى الله والإنسان والكون والحياة وإلى المبدأ ووالمصير ، والغاية والرسالة . تمثل الثقافة الإسلامية العالمية كثيراً من العادات والتقاليد العربية والعلوم العربية ، لأن بناة الثقافة الإسلامية في بداية أمرها كانوا من العرب ، وكان للغتهم وثقافتهم وآدابهم وشمائلهم نصيب أكبر في تكوين الثقافة الإسلامية العالمية [5] .
نشأت الثقافة الإسلامية في البيئة العربية ، فكانت الخصائص العربية الصالحة السمة الباررزة لها ، سادت هذه الخصائص التي يتميز بها العرب عن غيرهم كالحق والعدالة والكرامة والمروءة والبطولة والمساواة ، وهي خصائص مشتركة ، كان العرب يتباهون بها ويمتلئ أدبهم في شعر وحكمة وأمثال ووصية . جاء الإسلام فازدادت هذه الخصائص نموا واستواءا ، ونفى عن حياة العرب ما كان يوجد فيهم في العصر الجاهلي من انحراف خلقي وعصبيات وعادات قبيحة ، وانتظمت القيم العربية والموروثية في إطار القيم الإسلامية التي احتوت عليها ، وسمت بها من الأفق المحلي إلى آفاق أرحب وأوسع ، فأصبح لسان العرب يسير بالاحتفاظ بلغاتها المحلية ، وانتقلت القيم الراشدة والأنماط السلوكية السامية والإبداعات في إطار الحق والعدل واقتبست هذه الثقافة العربية الإسلامية من ثقافات جيرانها في الشرق والغرب ما كان حسنا يمشي مع قيم الحق والعدل التي جاء بها الإسلام وتغض الطرف عن نقائصها وسلبياتها [6] .
إن احتكاك العرب بالأمم الأخرى لقد أدى دوراً كبيراً في إثراء الثقافة الإسلامية ، وكان لجميع هذه الثقافات اليونانية والفارسية والهندية مساهمة في نشأة الثقافة الإسلامية ، وبفضل هذا الانتفاع بالثقافات المختلفة وجدت في الثقافة الإسلامية حياة وقوة دافعة ، ولم يشهد التاريخ انتشار ثقافة في مدة قصيرة كانتشار الثقافة الإسلامية التي طبقت الآفاق شرقا وغربا [7] .
برزت الثقافة الإسلامية كثقافة عالمية تحمل خيرات أمم أخرى ، وارتفعت عن الإقليمية والطائفية والجمود الفكري ، وانتشرت في العالم بسرعة فائقة ونقلتها الأمم المختلفة كأطيب ثقافة معاصرة على سبيل المثال اتسع التبادل الثقافي بوصول المسلمين إلى الهند في العصر الأموي واتسع نطاق التبادل العلمي والفني بانتقال العلماء والأطباء من الهند إلى البلدان العربية ونقل بعض الكتب الهندية إلى العربية التي فتحت باباً جديداً للتطور في الثقافة الإسلامية [8] .
كان القرآن الكريم والسنة النبوية نبراساً للثقافة الإسلامية ، ثم نشأت حول هذين المصدرين علوم ومعارف ، وظهرت إبداعات في عالم الشعر والفنون البنائية والعملية المعمارية والزخرفة الإسلامية ، قامت نظم حكم تضع المصادر الأولى وخصائص العصر الأول موضع الالتزام بالإضافة إلى الاستفادة من المصادر الأخرى . تتميز الثقافة الإسلامية التي تستمد أصولها من التعاليم الإسلامية المقتبسة من القرآن الكريم والسنة النبوية وحياة الجيل الأول من المسلمين الذي نشأ في التربية النبوية وما أخذه المسلمون من الأمم الأخرى [9] .
- الأخوة الإسلامية : تتميز الثقافة الإسلامية بالأخوة بين المسلمين باختلاف ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم .
- المزج بين الدين والدنيا : الثقافة الإسلامية تسعى إلى تحقيق صالح البدن وتغذية الروح وتجمع بين خيري الدنيا والآخرة .
- العدل : ترعى الثقافة الإسلامية حقوق الفرد والجماعة ، ولا تطغى حقوق الفرد فيها على حقوق الجماعة والعكس .
- السماحة : الثقافة الإسلامية هي ثقافة إنسانية عالمية ، لا تتعصب ، وتحترم الثقافات الأخرى والأديان والمعتقدات المختلفة .
- الاعتدال : الثقافة الإسلامية هي ثقافة الاعتدال ، تحافظ على العرض والشرف وكرامة الفرد ، وتعتبر الأصول الأخلاقية ثابتة دائمة باختلاف البيئات والأزمنة .
- وحدة البشر : الثقافة الإسلامية تدعو إلى وحدة الجنس البشري وتنبذ الانفصام والتفرق على أساس اللون والجنس ، وهي ثقافة تتوسع وتمتد ، ولا تضيق ولا تنكمش ولا تؤمن بتوقف جنس أو عنصر على الآخر .
- العلم والمعرفة : تدعو الثقافة الإسلامية إلى التوسع في المعرفة والعلم ، والتفكير والتدبير في خلق الله وآياته ، تعتبر الثقافة الإسلامية تحصيل العلم والمعرفة وتعمير الأرض وخدمة الإنسان عبادة وتجعل الراعي والحاكم مسئولاً عن رعيته .
نشأت في ظل الثقافة الإسلامية حركة علمية وتركت تراثاً غنياً في جميع مجالات العلم والفن ، لقد أقام المسلمون نظام حكم عظيم امتد من الشرق إلى الغرب واشتركت فيه عناصر عالمية مختلفة ، فنشأت حضارة عالمية دامت قروناً ، وغطت أرجاء واسعة من العالم ، فكانت هذه الحضارة منطلقاً للحضارة الأوربية المعاصرة التي اقتبست من المسلمين في العلم والسياسة والاجتماع .
لقد امتد الحكم الإسلامي في القرن الأول إلى مناطق واسعة في إفريقيا وآسيا وأوربا ، وكان للحكام والعلماء إسهام كبير في توسيع الثقافة الإسلامية وفي تكوينها جزءاً من الحضارة العالمية الكبرى . وكان للمسلمين دور كبير في نشر العلم وإبداع الفن ، وإنشاء نظام سياسي واجتماعي متسامح عادل [10] ، والأمة الإسلامية مرت من خلال تقدم علمي وفني رائع ، ومعرفة مكانة تقدمها ، وسمة حياتها السلوكية والاجتماعية مقرونة بمعرفة ثقافتها .
مقومات الثقافة الإسلامية :
- الدين الإسلامي : يشتمل الدين على رموز وأفعال وإطار مفاهيمي للإيمان والمعرفة ، ولا تتأتى المعرفة الدينية للإسلام ، من غير دراسة القرآن الكريم وتدبره ، وفهم غاياته وأحكامه ، وما حواه عقيدة ونظم ، وأخلاق وسير ، ودراسة الحديث النبوي وعلم الفقه وأصوله ودراسة السيرة النبوية بأحداثها ورجالها .
- اللغة العربية : إن اللغة العربية لغة غنية بألفاظها وأساليبها ، تستطيع التعبير عن أدق القوانين العلمية ، وهي قادرة على أن تكون لغة العلم والمعرفة ، وهي لغة تستطيع أن تكون لغة عالمية اختارها الله تعالى للقرآن الكريم .
- التاريخ الإسلامي : إن دراسة التاريخ الإسلامي تكون بتسليط الأضواء على مواقف النصر والبطولات ، وفترات الإبداع والنضوج ، وذلك من أجل غرس الثقة في نفوس الأجيال بماضيهم التاريخي .
- الحضارة الإسلامية : عرف المسلمون أسلوب الحياة الإداري وتدوين الدواوين ، وميزوا بين نظام القضاء المدني والقضاء الشرعي . لقد أبدع المسلمون في فن العمارة على أحدث طراز معماري ، ولا زالت المساجد والقصور والقلاع والأسوار بالأندلس وغرناطة ومصر وبغداد ودمشق والقدس وغيرها ، شواهد حق على معالم حضارة المسلمين . اقتبس المسلمون علوم الهند والفرس والإغريق ، فحفظوها وعدّلوها وزادوا عليها زيادات لا تحصى في الطب والصيدلة ، والفلك والجغرافية ، والعلوم والرياضة ، وغيرها ، وأقاموا المراكز الثقافية في الأندلس ، وغرناطة أمدت أوروبا بزاد النهضة الحديثة .
مميزات الثقافة الإسلامية :
تتسم الثقافة الإسلامية بكثير من المزايا والخصائص العربية التي احتفظ بها المسلمون ، وقد نشأت الثقافة الإسلامية واختمرت في البيئة العربية قبل أن تصبح ثقافةً عالميةً ، تشترك في تطويرها قرايح أمم مختلفة وصنائع رجال من خارج الجزيرة العربية .
- ربانية دينية : تركز الثقافة الإسلامية على الإيمان بالله تعالى ، إيماناً قائماً على الإله الواحد والرب المتعالي الله سبحانه وتعالى ، وتجعل من الدين الإسلامي مركز الصدارة الثقافية ، وبهذا الامتياز بقيت الثقافة الإسلامية خالدةً مستمرّةً .
- إنسانية عالمية : ومن ميزات الثقافة الإسلامية بأنها تذوب فيها فوارق العرق واللون والقومية ، يحترم فيها الكائن الإنساني لأنّه إنسان ، قال تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ” الناس لآدم وآدم من تراب ، لا فضل لعربي على عجميّ ، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ” .
- كاملة شاملة : الثقافة الإسلامية هي ثقافة شاملة يتجلّى شمولها في أنّها تتناول الإنسان والكون والحياة ، ثمّ تتناول الإنسان في جوانبه الروحية الداخلية ، وحاجاته المادية الخارجية ، وتربط بينهما بتوازن دقيق ، قال تعالى: ( وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا ) . تتناول كل مناحي الحياة ، واحتوت على شريعة تضمّنت العبادات والمعاملات ، والاجتماع والاقتصاد والإدارة والقضاء ، والحكم الداخلي والسياسة الخارجية .
- سلوكية أخلاقية : ومن مميزاتها ، أنّها سلوكية لا ينفصم القول فيها عن العمل ، ولا العمل عن نية الإخلاص ، وهذا يعني الامتثال الفردي والتطبيق الجماعي ، قال الله تعالى: ( كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ) .
إن الدين يؤدي دوراً مهماً في حضارة وثقافة الإنسان ، كذلك الثقافة تساهم في الاستثمار اللائق لفعاليات الحياة المادية والمعنوية للناس والتي تنشأ من أسلوب التعقل الصحيح والعواطف النبيلة ، فتساعد الإنسان في حياته الفكرية وتؤثر في تكامل الإنسان . ولا يعرف الإسلام ثقافةً دينيةً روحيةً منفصلةً عن الثقافة الفكرية أو الثقافة المادية والاجتماعية . بل يستمد الفكر إشعاعه من الدين كما أن الثقافة الإسلامية عميقة الجذور في ثبات أصولها ورسوخ قواعدها ، فالإسلام حينما يتناول شؤون الحياة ومطالب الإنسانية يتناول أسسها العامة الثابتة ويترك للأمة أن تقرر ما يتلاءم مع بيئتها . ولقد أنجبت الثقافة الإسلامية للإنسانية في رحلتها الطويلة رجالاً متميزين إلى يومنا هذا ، ولا تزال تحمل هذه الثقافة الإسلامية صفات ومزايا تؤهلها للقيادة الإنسانية في كل عصر ومصر .
إن كل ثقافة ما عدا الثقافة الإسلامية هي ثقافة محلية أرضية ، تنتمي إلى أرض وتقتصر بما لديها في وطن ، أما الثقافة الإسلامية فهي الثقافة الوحيدة التي تستحق أن تسمى ثقافةً عالميةً شاملةً خالدةً لأنها تنتمي إلى الدين العالمي الذي يجمع بين العقيدة والشريعة والعلم والثقافة ، والحضارة الإنسانية الخالصة .
* الأستاذ المساعد ، قسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة عالية ، كولكاتا – الهند . merajjnu@gmail.com
[1] محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، تاريخ الثقافة الإسلامية ، دار الرشيد ، لكناؤ ، 2009م ، ص 11 .
[2] أحمد سويلم : ثقافتنا في مفترق الطرق ، مكتبة الشروق الدولية ، القاهرة ، 2004م ، ص 15 .
[3] دكتور أحمد عبد الرحيم السماح ، أضواء حول الثقافة الإسلامية ، الدار المصرية اللبنانية ، 1993م ، ص 5 .
[4] دكتور أحمد عبد الرحيم السماح ، أضواء حول الثقافة الإسلامية ، الدار المصرية اللبنانية ، 1993م ، ص 5 .
[5] د . عماد الديبن خليل ، مدخل إلى الحضارة الإسلامية ، المركز الثقافي العربي ، المغرب ، 2005 ، ص 46 .
[6] محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، تاريخ الثقافة الإسلامية ، دار الرشيد ، لكناؤ ، 2009م ، ص 32 .
[7] المصدرالسابق ، ص 32 .
[8] المصدرالسابق ، ص 25 .
[9] محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، تاريخ الثقافة الإسلامية ، دار الرشيد ، لكناؤ ، 2009م ، ص 25 .
[10] محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، تاريخ الثقافة الإسلامية ، دار الرشيد ، لكناؤ ، 2009م ، ص 9 .