ماذا ربح العالم وماذا خسر بطوفان الأقصى ؟
مارس 24, 2025صور وأوضاع :
الاتجاه المتنامي للكراهية مصدر الفساد في العالم
محمد فرمان الندوي
موجة العداء والكراهية من الإسلام تتصاعد في هذه الآونة الأخيرة على الصعيد العالمي ، وتظهر آثارها على المجتمعات الإنسانية بشكل مروِّع ، وأحياناً تأتي هذه الموجة على الأسر والبيوت ، وتسبب خسارات فادحةً ، وكلما ازدادت هذه الموجة كانت نذير خطر ، ومعول هدم وتخريب ، لا وسيلة بناء وعمارة ، لأن منشأ هذه العواطف النفس الأمارة بالسوء ، ومصدر الحب والوفاء هو النفس المطمئنة ، التي تنال لفتةً ربانيةً كل حين وآن .
الكراهية تُحدث الكراهية :
فالكراهية من الإسلام ليست وليدة يوم وليلة ، وليست نبتةً بريةً أو حشائش شيطانية ، تنبت من دون سماد أو رقابة ، وليست عصا سحرية نجمت وظهرت من سحر الساحرين أو المشعوذين على أرض الواقع كملح البرق أو هو أقرب ، بل لها جذور وأصول ترجع إلى فجر التاريخ الإنساني ، فكان هناك الرفض والإنكار من طاووس الملائكة ، فطرده الله إلى النار للأبد ، فكان شياطين الإنس والجن في زمان وكلاء لهذه الفكرة الإلحادية ، وبدؤوا يكثفون جهودهم لترويج هذه البضاعة المزجاة ، وقد اكتشفوا في القرن العشرين مصطلحاً جديداً ، يعرف بالإسلامفوبيا Islam phobia ( النفور والكراهية من الإسلام ) ، وكلمة ” فوبيا ” في القواميس العربية : ” خوف وسواسي ، لا معقول له من شيئ ما ” ، وقد نال هذا المصطلح رواجاً عاماً بعد الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 2001م ، وقامت جبهة مثلثة ، تكونت من اليهودية والنصرانية والوثنية ضد الإسلام ، ونشط لها أدعياؤها وزعماؤها ، وبدؤوا يبذرون بذور العداوة والبغضاء في القلوب ، حتى قال الرئيس الأمريكي جورج دبلو بوش بعد هجمات الحادي عشر من شهر سبتمبر : نحن نبدأ حروباً صليبيةً ( Crusade ) من جديد ، واختلقوا لها أسماء ومسميات ، ونحتوا لها حيلاً وتدابير ماكرةً كانت وبالاً على وجودهم .
ظهرت نتائج هذه المحاولات في البلدان الغربية أولاً ، فكان الخوف والذعر والدهشة من الإسلام يسود كل مواطن من مواطني أوربا ، وبدأ يتعرض الناس بالهجوم المباغت في المطارات والقطارات والشوارع العامة ، وجعلوا يسيئون إلى القرآن الكريم ، وذات الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما يصنعون صوراً كاريكاتيريةً ، جرحاً لمشاعر المسلمين ، ومما زاد الأمر تفاقماً أن الإعلام الغربي أشعل فتيل هذه المحاولات ، وأصبحت وقوداً وزيتاً لها ، وجعل يخالط الحابل بالنابل ، والصحيح بالسقيم ، فكانت الكراهية والنفور من المسلمين على قدم وساق ، وكان لها دوي وصدي على جميع المستويات ، لكن كما يقول المثل العربي : ” رب ضارة نافعة ” قام رجال غياري من أوربا وأمريكا ، ودرسوا الموضوع دراسةً واعيةً ، وتعمقوا في ثنايا هذه الدعايات الجوفاء ، فأعجبوا بتعاليم السلام ، وبدأوا يعتنقون بالإسلام ويدخلون في الإسلام أفواجاً من الرجال والنساء ، والفقراء والأثرياء ، ولا تزال تطبع أنباء موجة الهداية والرشاد إلى الإسلام في الصحف والمجلات العالمية ، وتنشر عبر وسائل وأجهزة الإعلام ، ونشأت اتجاهات إيجابية للإسلام والمسلمين ، حتى نشأ فيهم مارتن لوثر (Martin Luther King Jr ) ، فإنه استنكر هذه الفكرة الزائغة ، وقال قولته البليغة : Hate Breed Hate ( الكراهية تُحدث الكراهية ) .
الإنسانية أقوى من الكراهية :
ومن أبرز أمثلة الإسلامفوبيا قتل خمسين مصلياً يوم الجمعة في مسجد النور بمدينة كرايستشيرش في جنوب نيوزيلندا في الخامس عشر من شهر مارس عام 2019م ، وكان هذا الهجوم من أحد المسيحيين الشباب الذي أوقع خمسين شهيداً من المصلين ، وجرح عشرات منهم ، واعتبرته رئيسة الوزراء جاسندا آردن عمليةً إرهابيةً ، هذا الواقع كان موجعاً ومفجعاً ، بحيث جعل اليوم الخامس عشر من مارس كل عام رمزاً وشعاراً لرفع الإسلامفوبيا من العالم ، وسمي ذلك اليوم اليوم العالمي لمكافحة كراهية الإسلام ، وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيوغوتيريش إلى التمسك بقيم المساواة والكرامة ، وقال : الإنسانية أقوى من الكراهية ، وأكد قائلاً أن ظاهرة التعصب ضد المسلمين تتنامى ، وهي تتجسد في إجراءات التصنيف العنصري ، والسياسيات التمييزية المنتهكة لحقوق الإنسان وكرامته ، والعنف ضد الأفراد ودور العبادة .
ومما يستغرب أن الهند قد نشأت فيها فئات وجماعات تركز على العصبيات الدينية ، وتجعلها ذريعةً للتوصل إلى السياسات المغرضة ، فكانت تحاول منذ مدة فرض قيود وعوائق على شعائر الإسلام ومقدساته ، وقد ظهرت كراهيتها من الإسلام أنها قد قدمت مشروعاً نحو الأراضي الوقفية ، وتستهدف بهذا المشروع السيطرة الكاملة على هذه الأراضي الوقفية من المساجد والمدارس والمقابر والمقدسات الدينية ، رغم أن الوقف في الهند ظل موجوداً منذ العهود الإسلامية ، وحينما استولى الاحتلال الإنجليزي على الهند ، وأرادت أن تحتكر هذه الأراضي احتكاراً كاملاً ، فتظاهر ضد ذلك المسلمون طول الهند وعرضها ، واحتجوا احتجاجات موسعةً ، حتى اضطرت الحكومة إلى إبقاء هذه الأراضي على حالتها السابقة ، وذلك في سنة 1937م ، وجرت بعد تحرير الهند من أيدي الإنجليز تعديلات في قانون الوقف أمثال تعديلات 1995م ، لكنها كانت في صالح الأراضي الوقفية ، أما المشروع الجديد الذي جاءت به الحكومة الحالية في الهند تخالف بنوده قانون الشريعة الإسلامية في الوقف .
علامة فارقة للكراهية :
ومن المفارقات العجيبة أن المشروع الحالي يجعل الأراضي الوقفية ملكاً لجماعة أو فرد ورئيس بلدية ، رغم أن القانون الإسلامي يقول : إن الوقف لا يُباع ولا يُوهب ولا يُشترى ، ويكون ملكاً لله ، والمشروع الحالي لا يسمح بإطلاق الوقف شفوياً ، رغم القانون الإسلامي يقول : يجوز أن يقف الواقف أراضيه شفوياً ، والمشروع الحالي يبين أنه لا بد للواقف أن يكون مسلماً منذ خمس سنوات ، فلا يجوز للمسلم الذي اعتنق بالإسلام قبل سنة أن يقف أرضه لله ، رغم أن القانون الإسلامي لا يلزم الواقف بمثل هذه الشروط والقيود ، والمشروع الحالي يسمح بتعيين عضوين من غير المسلمين في لجنة الوقف ، والقانون الإسلامي يفرض أن يكون جميع أعضاء لجنة الوقف مسلمين مؤمنين بالله ، وقد بدأت هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند حملةً كبيرةً ضد هذا المشروع ، فقد أرسلت من قبل آراء المسلمين إلى الحكومة إلكترونياً ، وبدأت الآن نظام المظاهرات والاحتجاجات ، وهي أقوى طريق للحصول على الحقوق في البلدان الجمهورية ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً .
إن تنامي اتجاه الكراهية والنفور من الإسلام هو مصدر الفساد في العالم ، بذلك تتوتر العلاقات ، وتقل نسبة الحب والألفة التي أودعها الله تعالى في قلب كل إنسان ، وقد سمي الإنسان إنساناً لألفته ، ومشاطرة أحزان أخيه وعشيرته ، فالحاجة إلى أن تزول هذه العوائق والحواجز لتنامي الكراهية ، ولا يمكن إلا باللقاء ت المتكررة ، والزيارات المتبادلة ، وتطبيق ما وضع الإسلام من نظام الاجتماع والمودة والمناصحة على المجتمع الإنساني ، وغض البصر عن مواضع الضعف وسقطات البشر ، قال الله تعالى : ( وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) [ آل عمران : 103 ] .