(5) نصوص من رحلة الشيخ عبد الرشيد إبراهيم للأستاذ سالم محمد القحطاني
نوفمبر 22, 2024إصدارات حديثة :
الإسلام وضالة العالم
للأستاذ السيد محمد الحسني
بقلم : رئيس تحرير المجلة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وإمام المرسلين محمد ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فيسرني ويسعدني أن أكتب كلمة تقديم وتعريف بهذه المجموعة القيمة لصديقنا الأعز الأستاذ السيد محمد الحسني مؤسس مجلة البعث الإسلامي ، وهذه المجموعة تحتوي على كتابات وافتتاحيات كتبها لمجلة البعث الإسلامي زمن رئاسة تحريرها ، فقد كتب الافتتاحيات ، وأحسن وأجاد ، وهز بها كيان القومية العربية ، والبعث العربي الاشتراكي ، وقد اعترف بذلك أدباء العرب الذين اطلعوا على كتاباته ، وكانوا يظنون عنه أنه من كبار السن ، والمحنكين في مجال الكتابة العربية منذ مدة بعيدة ، لكن لما رأوه وزاروه عن كثب ، انكشف لهم الأمر جلياً أن صاحب هذه الكتابات من الشباب المتحمسين للدين الإسلامي ، المستميتين فيه كل غال ورخيص ، وقد رزقه الله تعالى مواهب كثيرةً لم يُرزق كثير من معاصريه ، فكان أديباً موهوباً ، وكاتباً قديراً ، وصحافياً ألمعياً ، ومطلعاً على أوضاع العالم الإسلامي ، وخبيراً بتقلباته وملابساته ، وقد ساعدته البيئة التي عاشها في بيته من العلماء الربانيين ، والدعاة المجاهدين ، وقد كان مولعاً بفكرة الإمام حسن البنا ، ومحباً لها ، فقد كتب مقالاً حول سيرته وأعماله ، بعنوان : حسن البنا في محراب التاريخ .
إن الفترة التي عايشتها مع الأستاذ السيد محمد الحسني كزميل وصديق له كانت أكثر من ربع قرن ، وقد رأيته في الوحدة والاجتماع ، وفي المجلس والانفراد ، وحينما كان شاباً يافعاً فكان يحضر دروس العلامة المحدث الشيخ محمد حليم عطاء شيخ الحديث بدار العلوم لندوة العلماء سابقاً ، ولم يكن طالباً منتظماً ، لكنه نظراً إلى الحديث النبوي الشريف وولوعه به يحضرها باستمرارية ، ويستفيد من دروس الشيخ المحدث الشيخ حليم عطاء رحمه الله تعالى ، ثم كنت أحضر دروس القرآن الكريم لشيخنا وإمامنا أبي الحسن علي الحسني الندوي ، وكان يلقيها في مركز الدعوة والتبليغ بلكناؤ ، فكان صديقنا الأستاذ محمد الحسني يحضر هذه الدروس كذلك ، فتعارفنا ، وتبادلنا التحيات واللقاءات ، وتحولت هذه اللقاءات العامة إلى اللقاءات العلمية والدعوية ، فكانت صلتي به صلةً علميةً وأدبيةً وأخويةً .
وفي يوم من الأيام كنا قد اجتمعنا على شارع غوئن في منزله بأمين آباد لكناؤ ، إذ اقترح أمامنا فكرة إنشاء لجنة أدبية وعلمية ، نوسع من خلالها نطاق العربية في البيئة العجمية ، وإبلاغ الفكر الإسلامي إلى من لا يهتمون به ، وهذه اللجنة أنشئت باسم المنتدى الأدبي ، وقد اختير له أعضاء وأعوان وأنصار ، وكان واجب كل عضو أن يكتب مقالاً أدبياً باللغة العربية ، ويقدم في الجلسة التي تعقد أسبوعياً ، واستمرت السلسلة العلمية ، فالإخوة الأعضاء يجتمعون في المكان المحدد ، ويقدمون كتاباتهم بغاية من الشوق والأريحية ، فاجتمعت مقالات وكتابات علمية قيمة ، فاقترح كذلك الأستاذ السيد محمد الحسني نشر هذه المقالات في صورة مجلة أو كتاب ، فرحب جميع الأعضاء بهذه الفكرة ، وعرضناها أمام إمامنا الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله ، فسُر بها غاية السرور ، ووافق على إصدار مجلة علمية وأدبية ودعوية ، وسماها بالبعث الإسلامي .
صدر العدد الأول لمجلة البعث الإسلامي عام 1375هـ ، المصادف 1955م ، وانتشر في الأوساط العلمية والأدبية ، فاستقبلت هذه الأوساط الأدبية المجلة ، وأيدت فكرتها ، وآزرتها بالمقالات العلمية ، والأدبية ، وقد أرسلت المجلة إلى العالم العربي واطلع علماؤه عليها ، فأثنوا عليها ثناءً عاطراً ، ووسعوا دوائرها ومجالاتها ، حتى بلغت المجلة إلى العالم كله ، وكان العدد الأول للمجلة مزداناً بالمقالات العلمية ، منها : افتتاحية العدد بعنوان : أهدافنا لرئيس تحرير المجلة ، والكتب التي عشت فيها لسماحة العلامة الندوي ، والأدب قوة للشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ، والسيد أحمد الشهيد للدكتور محمد راشد الندوي ، والشاعر إقبال يناجي العرب لكاتب هذه السطور .
تحدث رئيس تحرير المجلة الأول عن أهداف المجلة قائلاً : ” إنها مجلة ليست مجلةً كبعض المجلات الأدبية في القاهرة وبيروت تلعب وتلهو بالأدب ، وتعبث بالخزف والحصى ، وتسبح بحمد أعلام الغرب ، وتقدس لهم ، وتحسن صناعة المدح والإطراء والتزلف إلى الملوك والأمراء ، إنها مجلة ذات عقيدة ، وذات دعوة ، وذات مبدأ وذات رسالة ” .
حملت المجلة أهدافاً عاليةً من الحكمة والموعظة في مجال الدعوة الإسلامية ، ومن الموضوعية والمنهجية في البحوث والكتابات العلمية ، وهذا نتيجة للتوجيهات الغالية التي تفضل بها سماحة العلامة الإمام الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله لدى صدور العدد الأول من المجلة ، وصدرت المجلة بعد ذلك تحت توجيهاته دوماً .
أصدر الأستاذ السيد محمد الحسني مجلة البعث الإسلامي وهو لم يجاوز 20/ سنةً من عمره ، ورافقته منذ أول يوم المجلة ، وظل رئيس تحريرها إلى يوم وفاته ، وقد فارق الدنيا ولبى نداء ربه في عمره الرابع والأربعين عام 1979م ، وكان من إنجازاته التي قام بها غير المجلة إنشاء جمعية الرابطة الإسلامية الدولية عام 1959م ، وكان لهذه الرابطة أعضاء ومؤيدون في العالم الإسلامي ، وكانت الرابطة تصدر نشرةً شهريةً في اللغات الثلاث : العربية والإنجليزية والأردية ، وقد ألف عدة كتب ومؤلفات بالأردية ، منها سيرة الإمام محمد على المونغيري ، والشيخ العالم الرباني علم الله الحسني ، وتقرير مفصل للمهرجان التعليمي لندوة العلماء باسم رودود جمن ، كما نقل عدة كتب للإمام أبي الحسن علي الحسني الندوي إلى العربية ، وبالعكس ، فكان مؤلفاً بارعاً ، ومترجماً قديراً ، تتسم كتاباته العلمية والرزانة والوسطية ، ومن أعماله العلمية أن صحيفة تعمير حياة النصف الشهرية صدرت تحت رئاسة تحريره عام 1963م ، وظل رئيساً لتحريرها إلى أعوام ، وكنت مساعد التحرير لهذه الصحيفة ، فأحياناً أكتب الافتتاحيات والمقالات العامة ، كما كان يكتب في صحيفة الرائد الصادرة عام 1959م عموداً خاصاً بعنوان : أضواء على الطريق ، وقد نشرت بعض هذه الكلمات في صورة كتيبات ، وهي مطبوعة وموجودة في المكتبات الإسلامية ، يستفيد منها الخاصة والعامة .
كان الأستاذ محمد الحسني يكتب الافتتاحيات لمجلة البعث الإسلامي ، وكانت افتتاحياته تشتمل على موضوعات مهمة ، إنه يتناول في افتتاحياته الموضوعات الحديثة ، والقضايا العالمية ، والأفكار الهدامة ، والنزعات الجاهلية ، فأحياناً كان يفند هذه النظريات والاتجاهات ، وأخرى يقدم حلولاً ناجعةً للأوضاع المستجدة ، وتارةً يخاطب الدول الإسلامية ، ويذكر في افتتاحياته كلمة نصح وتوجيه إليها ، وقد سُمعت كلماته في البلاط الرسمي ، والبرلمان الحكومي ، وارتجَّ صداها في العالم العربي على أوسع نطاق ، وقد حاولت الجهات الحكومية للضغط على إدارة التحرير للمجلة نظراً إلى الافتتاحيات التي وجهت سهامها نحو القومية العربية ، لكن باءت بالفشل ، وأخفقت في مراميها ، وأبى الله إلا أن يكتب أسد الإسلام المغوار بكل حرية وعاطفة إيمانية كما كان العهد بصاحبها .
كان ذهن الأستاذ السيد محمد الحسني وقاداً ، ونظرته إلى الأفكار الضالة نقادةً ، فكان يأتي في افتتاحياته بالإبداعات والابتكارات ، فيعنون بعض مقالاته باسم : الإسلام بين لا ونعم ، وقد شرح هذا الموضوع بالحياة العملية حتى انكشف الأمر وضوحاً ، وهاكم بعض عناوين افتتاحياتها :
- سجل يا تاريخ ! واشهد يا زمان !
- بناء الإنسان أفضل من بناء العمارات
- سبحان الله ! لقد عدنا إلى عصر الحضارة
- كيف الوصول إلى سعاد ودونها ؟
- من أساليب الحكم والسيادة إلى أساليب الدعوة والهداية
وقد نقد الأستاذ السيد محمد الحسني بعض النظرات والاتجاهات ، وقدم عوضاً عنها نظرة الإسلام إلى الحياة ، وكان أسلوب نقده أسلوباً إيجابياً ، ليس فيه تعرض للذات أو إساءة إلى كرامة إنسانية ، فكان نقده في ضوء أصول النقد المعترف بها ، وقد كتب عدة مقالات حول هذا ، فعلى سبيل المثال :
- ما هي القومية ؟
- مرحباً بالوحدة العربية
- البعث العربي أو البعث الإسلامي
- وداعاً في قمامة التاريخ
- أهلاً بهذه المؤتمرات …. ولكن
- بين ما لا يتطور في الإسلام ، وما يتطور
- صورة من شيوعية الفقر واشتراكية الحرمان
- جان بول ساتر والأدب الوجودي
كتب الأستاذ السيد محمد الحسني في افتتاحياته عن عظماء العالم الإسلامي ، وكبار الشخصيات ، وكانت هذه الشخصيات تستحق أن تذكر محاسنها وخصائصها في افتتاحيات المجلة ، وذلك يدل على ما يكنُّ في قلبه من احترام وتقدير نحو علماء وقادة العالم ، وحكام البلاد الإسلاميين ، وإليكم هذه العناوين من هذا الكتاب :
- حسن البناء في محراب التاريخ
- نجم تألق ثم هوى ( حول الدكتور مصطفى السباعي )
- رائد التضامن الإسلامي ( الملك فيصل رحمه الله )
- شهداء الإخوان يتكلمون
فكانت الافتتاحية الأولى للأستاذ السيد محمد الحسني في المجلة بعنوان : أهدافنا ، وقد تحدث فيها عند الأسباب التي دعت إلى إصدار المجلة ، وعن المنهج والأفكار الرئيسية التي تحتضنها المجلة وتنسج على منوالها ، وآخر افتتاحية في عدد يونيو ويوليو 1979م ، باسم : سؤال حائر يحتاج إلى جواب ، وقد كتب في بداية الافتتاحية :
” إذا سأل سائل : ما هو أول شروط التكوين الإسلامي الجديد ؟ وما هي أولى الإصلاحات التي يجب على الانقلاب الإسلامي أن يأخذها بعين الاعتبار ، قلنا بلا توقف وبكامل ثقة وعلى وجه التحديد : إنها إزالة التناقض ، إزالة هذا الركام الهائل من التناقض في سائر مجالات حياتنا ، وفي سائر مصالحنا ودوائرنا ، وفي سائر قطاعاتنا ، ووحداتنا ، ومؤسساتنا وهيئاتنا ، وعلمائنا وزعمائنا ، وشبابنا وشيوخنا ، هذا التناقض غطى اليوم أكبر مساحة في العالم الإسلامي ، وطغى على سائر المرافق والأجهزة الرسمية والشعبية حتى صار أمراً واقعاً ، لا مفر منه ، وأصبحت طبيعةً وذوقاً وعادةً لا انفكاك عنها ” .
إن افتتاحيات الأستاذ السيد محمد الحسني ظلت تنشر من المجلد الأول للمجلة إلى المجلد الثالث والعشرين ، وكتبت أنا خلالها أحياناً افتتاحية للمجلة وقد جمعت بعض هذه الافتتاحيات في مجموعة كتب أمثال : الإسلام الممتحن ، ومع الحقيقة ، لكن جميع افتتاحياته تستحق أن تُنشر بفصها ونصها ، حتى يسهل منها الاستفادة لعشاق اللغة العربية والفكر الإسلامي ، وقد مر على وفاته أكثر من أربعين سنة ، لكن لم تصدر مجموعة كاملة لكتاباته المعروفة بالافتتاحيات ، فقيض الله لهذا العمل الجليل والإنجاز الكبير فضيلة الأستاذ الشيخ فضل الرحيم المجددي الندوي ، وقد جمعت جميع هذه الافتتاحيات خلال 23 سنة ، تحت إشرافه ، وقد بذل في ذلك جهداً مكثفاً ، وسعياً مشكوراً ، وكان خلال هذه الأعمال على صلة دائمة بالعلامة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ، والشيخ السيد عبد الله محمد الحسني والأستاذ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي .
فنحن إذ نكتب هذه الكلمة ندعو الله تعالى أن يجزي الشيخ فضل الرحيم المجددي الندوي خير الجزاء ، ويجعل التوفيق حليفه في جميع الأعمال العلمية والدينية والدعوية والإصلاحية ، وأن يرحم فقيد الدعوة الإسلامية الأستاذ السيد محمد الحسني رحمةً تامةً ، ويجعل هذه الأعمال في ميزان حسناته المقبولة ، فإنه على كل شيئ قدير ، وبالإجابة جدير .
وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وأصحابه وبارك وسلم تسليماً كثيراً كثيراً .