رسل الله في خاتم كتبه السماوية ( الحلقة الثانية )
أبريل 28, 2025بأقلام الشباب :
الإخلاص وأثره في الحياة الإنسانية
الأخ عبد المنان بن عبد القادر *
إن الإخلاص من أعظم أعمال القلوب منزلةً ، وأرفعها درجةً ، وأثبتها أصلاً ، وأعلاها فرعاً ، وأدناها قطوفاً ، وأكثرها تأثيراً ، وأحوزها رضا الله ، وأسرعها إجابةً عنده ، وأحبها إليه ، وأدومها بقاءً إذا صدر عن عاطفة دينية ، وأعجلها انفلاتاً إذا ترك التعهد له بالرعاية .
ولقد سمى الله سورةً بكاملها بـ ” الإخلاص ” لأهميته ، وهو أول اثنين لا يقبل الله عملاً من دونه ، وأكد سبحانه وتعالى عليه ، ورغب فيه ، وحذر من إغفاله في أي عمل يرجى منه ثواب الله ورضاه في الدار الآخرة ، فيذهب سدىً ، ولا يجدي شيئاً ، فيكون صاحبه كمن صاح في واد ، أو نفخ في رماد ، فلا يفيد من ذلك أمراً ، ولا يحرك ساكناً ، ولا يقطع فتيلاً .
وإذا كان الإخلاص بهذه المنزلة من القبول ، كفى دليلاً على فضل التحلي به ، وحافزاً على التخلق به ، وحافظاً من انطواء النفس على البغضاء والشحناء ، وطلب السمعة ، والرياء ، ومبعداً عن الحسد يعقبه ما يعقبه مما يبلغ بالحاسد إلى ما لا تقدر عاقبته ، ويتجلى الإخلاص في كل كلمة ينطق بها المخلص ، وكل عمل يؤديه ، وحركة يتحركها ، وسكتة يسكتها ، ونظرة ينظرها ، حتى في فكرة يفكر فيها ، وعبرة يعتبرها ، ويلوح ذلك في العمل كباقي الوشم في ظاهر اليد ، وهذا إلى ما يسبغ الله على عمل المخلص من البقاء ، والدوام ، والقبول العام .
وها هو الإمام مالك رحمه الله يُسأل عن سبب تأليف كتابه ” الموطأ ” مع كثرة ما صنف في الحديث ، فيقول : ما كان لله يبقى ، وما كان لغيره يفنى ويبلى .
وكان السلف من قديم معنيين بهذا العمل أشد العناية ، ومتحرين له في جميع حركاتهم وسكناتهم ، وما إن أحسوا حيناً بخلو أعمالهم من الإخلاص حتى تداركوه بأسرع ما يمكن ، وبه كانوا يقدرون على شيئ ويقومونه ، وكانت الدنيا بحذافيرها في أعينهم بجانب هذا العمل ككفة حابل أو أفحوص قطاة ، وكل عمل من دونه منظر ولا مخبر ، وزواء في العين ولا شيئ في اليدين .
اللهم وفقنا الإخلاص . آمين
* قسم التكميل في الأدب ، بدار العلوم لندوة العلماء .