وشهد شاهد من أهلها
مارس 3, 2024ذكرى مئوية للخلافة العثمانية
مايو 4, 2024صور وأوضاع :
أوسعتهم سباً ، وأودوا بالإبل
محمد فرمان الندوي
سجلت عمليات طوفان الأقصى نجاحاً غير مسبوق منذ بدايته ، وقدمت نماذج رائعةً من الإيمان واليقين ، لم تكن في الحسبان ، هذا الذي أقض مضاجع الاحتلال ، وأرَّق نومه ، وكدر عيشه ، فشدد في إمطار وابل من القنابل الفتاكة على سكان غزة رجالاً ونساءً ، شيوخاً وشباناً ، وأطفالاً وصبياناً ، وقد ظن الاحتلال أن عواطف حماس تخمد بين عشية وضحاها ، ويلوذ سكان غزة بالفرار ، ويتنازلون عن شرعية حقوقهم نحو فلسطين ، ولا يستقرون ولا يصمدون أمام الهجمات العدائية ، والغارات الجوية والبرية ، لكن استمرارية الطوفان إلى أمد طويل توكلاً على الله خيَّبت آمال الاحتلال ، فلم يدخل أرض غزة إلا وقد كانت له كفة حابل ، وقد رجعت كتائبه وجيوشه إلى الوراء ، مصابةً بالانهزامية النفسية ، والفشل الذريع ، أما العدد الهائل للجرحى والمصابين ، والشهداء في سبيل الله تعالى فالمسلمون لا يعبأون به ، فإنهم قد باعوا أنفسهم ، وساوموا الله تعالى بالجنة ، كما يظهر من كلماتهم : إنه جهاد …… نصر أو استشهاد .
ذلكم الله فأنى تؤفكون :
الواقع الذي يذهل الجميع أن طوفان الأقصى قد مرت عليه أكثر من خمسة شهور ، لكنه لا يزال يسطر أسطورةً وصموداً وملحمةً بطوليةً ، فإن طموحات المقاومين لم تضعف ، ولم تصب بالخور ، ولم يدخلهم الجبن واليأس ، بل تفاءلوا بمستقبلهم ، واستبشروا بآمالهم ، وقد فتحوا مدراس وكليات وجامعات وروضات الأطفال في جو من الخوف والرعب ، رغم أن أساتذة المدارس قد استشهدوا وانتقلوا إلى جنة النعيم ، لكن من أطال الله بقاءهم بدأوا يشتغلون بهذه المهن الشريفة والوظائف الرفيعة مجاناً ، ويحتسبون عند الله الأجر والمثوبة ، وقد جعل أطفال غزة القرآن الكريم بلسماً لجروحهم ومرهماً لقروحهم ، فهم يحفظون القرآن الكريم في مدراس تحفيظ القرآن تحت أديم السماء ، ويدرسون الشريعة الإسلامية لابتغاء مرضاة الله ، وقد عرفوا أن القرآن الكريم هو الذي يرفع مكانتهم ، وبه ينوط مستقبلهم ومآلهم ، فالإيمان والعلم النافع هما سلاحان قويان لإحراز النجاح في الحياة الدنيا والآخرة ، وقد ظهرت خوارق كثيرة خلال هذه المسيرة الجهادية أن أطفالاً رُضعاً أخرجوا بعد عشرة أيام من الأنقاض أحياء يرزقون ، وقد رأى هذا المشهد كثير من العمال المتطوعين لإنقاذهم ، ونشروه على مواقع التواصل الاجتماعي ، فأدى ذلك إلى الاهتداء بالإسلام ، وتقوية الأواصر منه ، هناك ينشأ سؤال في قلب كل إنسان غيور : من الذي أحياهم إلى هذه المدة ؟ لا شك إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ( الأنعام : 95 ) ، وقد صدق هذا الواقع قصة إبراهيم عليه السلام الذي أراد أن يعرف كيف يحيي الله الموتى ؟ فقال الله له : أولم تؤمن ؟ قال : بلى ، ولكن ليطمئن قلبي ، ثم ذكر الله صورته بأن يأخذ أربع طيور ، وينتف كل جزء من أجزائها ، ويضعها على شعف جبال مختلفة ، ثم يدعوها باسم الله الذي لا إله إلا هو، فتأتي إليه سعياً ، وقد شهد إبراهيم عليه السلام هذا المنظر المحير للعقول ، فازداد يقيناً وإيمانا وثقةً بالله ، وعرف أن الله على كل شيئ قدير .
خسائر صهيونية نفسية ومادية :
إن طوفان الأقصى قد أثبت باستمراريته وثباته على الجبهة الجهادية أن الله فوق كيد المعتدين ، وظلم الظالمين ، وقد ذهبت ريح القوة الرابعة في العالم التي لا تقهر ولا تقاوم ، وتعطلت القبة الحديدية التي تثقب ، وفشل الموساد والشاباك فشلاً ذريعاً ، وأحرقت الدبابات والطائرات والمدفعيات والمجنزرات ، وخابت الرشاشات والمصفحات ، واتجهت البوصلة وجهتها السليمة ، وحاول الصهاينة بث اليأس وتشويه المقاومة ، لكن انقلب الأمر ظهراً لبطن ، فخسر الاحتلال نفسياً مرتين : مرةً عبر فيديوهات المقاومة التي تظهر تدمير دبابات الصهاينة ، وقتل ضباطهم وجنودهم ، وأخرى : عبر فيديوهات تسليم الأسرى الذين شكروهم على معاملتهم لهم بأخلاق الإسلام ، وقد صرح طفل إسرائيلي اسمه أوهد موندر ، عمره تسعة أعوام ، بأنه تعلم كلمة الشهادة والتسبيحات خلال اعتقاله مع والدته وجدته لدى حماس ، وقد ذكرت مجلة المجتمع تقريراً للخسائر الصهيونية ما يلي : (1) 100/ مليار دولار بسبب الحرب (2) 17/ مليار دولار في شهر واحد (3) 250/ مليون دولار تكلفة يومية (4) سحب العديد من الاستثمارات من إسرائيل (5) تحويل 53/ مليار دولار إلى العملة المحلية لتغطية تكاليف الحرب ، وهذا ربع احتياطي النقد الأجنبي في إسرائيل (6) وهناك إحصائية تفيد بأن 300/ ألف مستوطن غادروا البلد دون حجز تذكرة عودة (7) تعويضات تقدر بـ 7/ مليارات شيكل من أجل إصلاح المستوطنات التي تضررت بسبب الحرب (8) التعويضات للجنود المصابين وأسر القتلى والأسر التي تم ترحيلها بسبب الحرب ، سواءً رحلوا من تلقاء أنفسهم أو الذين رحلتهم السلطات الإسرائيلية ( مجلة المجتمع ، فبراير 2024م ) .
بشائر خير وبرقات أمل :
أما ما خلفه طوفان الأقصى على المستوى العالمي من آثار إيجابية لابد من ذكرها أن قضية فلسطين أصبحت مهمةً لدى كل نفس أبية ، مسلمة وغير مسلمة ، فالعامة والخاصة ، والصغار والكبار كلهم يعيشون القضية ، وقد ساندت الصين وروسيا هذه القضية علناً وجهاراً ، وأدلت بتصريحات صحفية ، واعتبرت دول آسيا وإفريقيا وأوربا إسرائيل ظالمةً غاشمةً ، وأكدت على حل هذه القضية على عجل ، وقد أفادت الإحصائيات أن الأطفال والنساء هم أكثر تضرراً بهذه الكارثة ، وهم الضحايا الرئيسية فيها ، وقد ظن الاحتلال أن الأطفال هم شباب الغد ، وهم الذين يحملون لواء الكفاح والحرية على عواتقهم من بعد ، فلا بد من قمعهم وإبادتهم ، وقد قتل الاحتلال تسعة آلاف من الأطفال الصغار ، وقدرت منظمة الصحة العالمية مقتل 160 طفلاً كل يوم ، وأكثر الأطفال حديثو العهد بالولادة ، إنهم ماتوا لعدم توافر حضانات أو أدوية أو أطمعة وأشربة أو استشهدوا بغارات على المستشفيات ، وأما ما بقوا فإنهم يمسكون قصعةً لينالوا حفنةً من أرز أو كأساً من ماء ، وقد سئل طفل : ماذا تريد أن تكون عند ما تكبر ؟ فقال : الصغار عندنا لا يكبرون ، وقد سئل طفل ، وعمره عشر سنوات ، وهو في المستشفى راقد : كيف حالك ؟ قال : أنا بخير ، ما بي شيئ ، وطفلة عمرها سبع سنوات تقول للممرضين والممرضات في المستشفى : اهتموا أولاً بإصابات أخيها وأهلها ، وكتبت كاتبة صحفية : لقد ارتكب الاحتلال أكبر حماقاته عندما جعل كل طفل من أطفال غزة موتوراً ذا ثأر ، سوف تظل ماثلةً أمام عينيه مشاهد قتلاه ، لن ينسى هذا الطفل أباً له غاب تحت الأنقاض ، أو أماً ماتت ، وهي تحضن أخاه الرضيع ، أو أخاً لملموا أشلاءه ، أو صديقاً يشاركه أحلام ، ولهو الصبا صار أثراً بعد عين ، أما نساء غزة فإنهن يعشن ظروفاً قاسيةً للغاية ، تذبح أولادهن في أحضانهن ، وهن يتململن تململ السليم ، ويبكين بكاء الحزين ، فلا ترقأ عبرة ، ولا تسكن دمعة ، هكذا كان الوضع في التاريخ الإنساني زمن فرعون موسى ، الذي كان يقتل الأطفال ، ويستحيي النساء للخدمة والاستعباد ، وقد حاول فرعون ألا يبقى طفل على وجه الأرض في سلطته ، إنه فكر وقدر ، فقتل كيف قدر ، لكن الله قدر ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً ، فولد موسى عليه السلام ، ونشأ وشبَّ في بيت فرعون ، هنا باءت مساعي فرعون بالفشل ، كذلك يقدر الله لأطفال فلسطين حياةً إيمانيةً ، فإنهم يحيون ، ويرزقون ، ويقتلون الاحتلال في عقر داره بإذن الله تعالى .
ما لجرح بميت إيلام :
هذا ، وقد رفعت دولة جنوب إفريقيا دعوى إلى محكمة العدل الدولية لوقف حرب الإبادة الجماعية ، وسارعت إلى الحفاظ على الحقوق الخاصة بالفلسطينيين ، وقد أثبتت الدولة في دعواها أن إسرائيل متوغلة في حرب إبادة جماعية في غزة ، لكن المحكمة لم تمنع حتى الآن إسرائيل عن الحرب ، ولم تصدر قراراً صارماً نحو وحشية إسرائيل التي تمارس بكل وقاحة على سكان غزة ، رغم ذلك كله رأى العالم أن هناك موقفين للعدل لدى الغرب : موقف للعدل نحو بلاده وسكانه ، وموقف نحو الآخرين في الدول الأخرى ، وقد أفادت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر في 28/1/2024م أن ثلاثة جنود أمريكيين في الأردن قتلوا فانفجرت الولايات المتحدة الأمريكية غضباً وغيظاً ، واعتبرت ذلك أكبر عملية انتهاكية لحقوقها ، لكن أكثر من ثلاثين ألفاً من الرجال والنساء والصبيان قد ذهبوا ضحايا الغارات الإسرائيلية ، ومآت من الآلاف يسكنون في المخيمات وفي جو السماء ، وهم جائعون ومرضى لكن ذلك لم يحرك ساكناً ، ولم يوقظ ضميراً إنسانياً في الولايات المتحدة ، لكن مجرد رفع القضية إلى المحكمة قد فضح إسرائيل على الصعيد العالمي فضحاً كثيراً ، وألحق به العار والشنار ، قال المتنبي :
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
حققت حماس ولا تزال تحقق انتصارات تلو انتصارات في طوفان الأقصى ، ولم ينجح الاحتلال في استعادة أهدافه التي خططها نحو غزة ، ولن ينجح أبداً بإذن الله تعالى ، لأن نصر الله حليف حماس وكتائب عز الدين القسام وسرايا القدس وآلاف مؤلفة من المقاومين الباسلين الثابتين على جبهة صيانة القدس ، فلما باءت مساعي الاحتلال بالفشل فجعل يهلك الأبرياء ، والأطفال والنساء ، وليس مثله إلا كما جاء في المثل العربي : أوسعتهم سبا ، وأودوا بالإبل ، إن رجلاً كانت له إبل ، وقد أغار عليها لصوص ، فذهبوا بإبله ، فلم يستطع أن يفعل شيئاً ، فذهب إلى تل كبير ، وبدأ يسب اللصوص ، هكذا شأن إسرائيل أنها فشلت فشلاً قبيحاً ، فليس لها إلا أن تتظاهر بجبروتها وكبريائها بحبل من الناس ، ( وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ) [ آل عمران : 126 ] .