بين النظام الإنساني والنظام السماوي
أبريل 27, 2024وفقة تأمل للمدارس والجامعات
مايو 4, 2024التوجيه الإسلامي :
من وحي الحرب على غزة
( الحلقة الأولى )
بقلم : الدكتور غريب جمعة
قد عرفنا ما فعلته الحرب الشرسة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على المستضعفين من الرجال والنساء والولدان من أبناء غزة ، حيث أدت إلى استشهاد ما يقرب من خمسة وعشرين ألفاً منهم أو يزيدون عن ذلك ومعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ الذين قضوا نحبهم تحت الأنقاض من جراء القصف الوحشي الذي قامت به الطائرات الإسرائيلية للمدنيين الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً . وقد خلفت هذه الحرب أكثر من ثلاثين ألفاً من الجرحى وأصحاب العاهات المزمنة والمشوهين الذين ينتظرون من يتكرم عليهم بالعلاج . ناهيك بالمنازل والمساجد والمدارس والمستشفيات التي تم تدميرها بما يفوق الخيال .
لقد تم كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم كله ، حيث وقفت معظم دوله مكتوفة الأيدي كأنما أصابها الصمم والبكم والعمى ، بل شارك بعضها في هذه الحرب القذرة من وراء حجاب ، ولكن الله فضحهم وأخرج أضغانهم وزاد الطين بلة موقف الخزي والعار والخذلان من العالم العربي والعالم الإسلامي في مؤتمرات شاهقة كالجبال ، ولكنها لا تلد إلا الفئران !!
ولكن الله القوي القاهر الحكم العدل لم يخذل المجاهدين في غزة بل ثبت أقدامهم وسدد رميهم وأنزل جنوداً رأوها وجنوداً لم يروها لتثبتهم وتقاتل معهم ، وعذب الذين كفروا وانتهى الأمر بنصرهم وكانت نتيجة ذلك النصر القيام بهدنة لمدة أربعة أيام ثم مفاوضات حول تبادل الأسرى من الجانبين وإدخال كافة المساعدات إلى قطاع غزة بالكامل ولا ندري ماذا سيكون بعد ذلك ، ولكنا على يقين من أن لله الأمر من قبل ومن بعد ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
لقد ملأ الكيان الإسرائيلي الصهيوني ومن يؤازره الدنيا بأعظم بهتان في تاريخ فلسطين ، وهو أن فلسطين أرض الميعاد ، وأن اليهود هم أصحاب الحق فيها لأن ذلك وعد الرب لابرام ( إبراهيم ) كما تقول التوراة وعلى العرب الذين يعيشون فيها أن يهاجروا منها إلى مختلف دول العالم ، فإن أبوا أخرجوا منها بقوة السلاح في صورة تهجير قسري ، ولو أدى ذلك إلى ارتكاب مجازر فيهم لتخويفهم كما حدث عام 1948م أو إلى إبادتهم بقنبلة نووية حتى ينعم الصهاينة وحدهم بالعيش في فلسطين .
ولسوف نناقش هذا البهتان العظيم بأن فلسطين أرض الميعاد ، وأن الرب وعد إبراهيم بذلك حتى نتعرف على قضايانا تعرفاً علمياً بعيداً عن الانفعال والكلمات الحماسية التي تضيع معها الحقائق .
ولكنا قبل أن ندخل في المناقشة نضع أمام القارئ قول أحد عظماء القادة المسلمين حتى يميز الله الخبيث من الطيب ذلك القائد العظيم هو عبد الله التل – يرحمه الله ويرفع درجته في عليين – يقول ذلك البطل :
” أخي القارئ ! ستلاحظ أنني أبرزت في هذه الدراسة العلمية ( يقصد كتابه الذي ألفه في هذا الشأن • ) لمشكلة فلسطين اهتمامي العميق بالجانب المقدس منها ، ومرد ذلك إلى إيماني الذي لا يتزعزع بأن قضية فلسطين دينية مقدسة في المقام الأول ، وأن أية معالجة لا تكون على أساس ديني جهادي مكتوب عليها الإخفاق ولا محالة . وإيماني هذا مبني على تجارب عسكرية عشتها وحقائق تاريخية لمستها ووعيتها ” أ هـ .
وقد لا يعرف القارئ أن ذلك الرجل العظيم كان قائداً للقوات العربية التي خاضت معركة تحرير القدس عام 1948م واستطاعت – بعون الله – أن تطهر القدس القديمة من اليهود وتحفظ للمدينتين الإسلامية والمسيحية مقدساتهما التاريخية الخالدة ، وهذا الانتصار أدى إلى بقاء منطقتي نابلس والخليل في حوزة العرب ولولاه ما بقى للعرب شبر واحد في فلسطين لأن بيت المقدس هي فلسطين ومن يمتلكه وما فيه من مقدسات خالدة يعد مالكاً لفلسطين ومن يخسره يخسر فلسطين كلها .
ومن العجيب أن يتجاهل الكثير تلك الثوابت القرآنية والنبوية ، بل الأعجب أن يُخرج بعضهم الإسلام تماماً من حلبة صراعنا مع الصهيونية العالمية بحجة أن العالم اليوم لا يصغي إلى صوت الدين ولا يقبل أن يكون الجهاد تحت رايته لإنهاء هذا الصراع ، وسوف يتهمنا بالجمود والرجعية إذا أدخلنا عنصر الدين في القضية الفلسطينية وسوف نفقد تأييد العالم لنا في هذه القضية المصيرية .
يقولون وذلك في نفس الوقت لا يخجل زعماء الصهيونية العالمية في القديم والحديث من إعلان أن الدين والعامل الروحي هو الأساس في قيام دولة إسرائيل . تأمل ما يقوله حاييم وايزمان أول رئيس للكيان الصهيوني في مذكراته :
” لقد قابلت اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا ( صاحب وعد بلفور المشئوم ) الذي بادرني بسؤالي مباشرةً : لماذا لم تقبلوا إقامة الوطن القومي في ” أوغندة ” مثلاً ؟
فقلت لبلفور : ” إن الصهيونية حركة سياسية قومية . . هذا صحيح . ولكن الجانب الروحي منها لا يمكن إغفاله ، وأنا واثق تمام الوثوق أننا إذا غفلنا الجانب الروحي ، فإننا لا نستطيع تحقيق الحلم السياسي القومي ” !!
بل لقد وضع زعماء اليهود قسماً يردده كل يهودي يبلغ سن الرشد هذا نصه :
” هذه يميننا يا إسرائيل ! أقسم أن أكرس ولائي لله وللتوراه وللشعب اليهودي وللدولة اليهودية ” بل تأمل ما قاله بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل ( سابقاً ) أمام المؤتمر الخامس والعشرين للصهيونية العالمية المنعقد في 25/12/1960م .
( إن كل يهودي يجب أن يهاجر إلى إسرائيل ، وإن كل يهودي أقام خارج إسرائيل منذ نشأتها يعتبر مخالفاً لتعاليم التوراة وأن اليهودي يكفر يومياً باليهودية ) .
أرأيت أخي القارئ . . ونحن قد أخرجنا الدين من المعركة تماماً بل الأدهى والأمر أن يقوم بعض الكتاب الكبار ( الصغار ) بتدويخ الفكر العربي والإسلامي بسؤال غث هو : هل قضية فلسطين تعتبر قضيةً عربيةً أم إسلاميةً بالدرجة الأولى ؟
وإلى أن يجيب كتابنا الكبار ( الصغار ) على هذا السؤال تكون إسرائيل قد حققت حلمها وهو ” إسرائيل الكبرى ” .
والمعروف أن ” إسرائيل ” هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعاً الصلاة والسلام . وإسرائيل اسم مركب من : ( إسرا ) ومعناه عبد الله وصفوته أو إنسان أو مهاجر ، ومن ( إيل ) ومعناها الله فيكون معنى الاسم : عبد الله أو صفوة الله . وقيل محارب الله أو جندي الله وإن كان البعض يرد هذا المعنى .
ويهود اليوم يزعمون أنهم ينحدرون من سلالة إسرائيل ، لذلك أطلقوا اسمه على دولتهم التي غرسوها كرأس حرية أو خنجر في جسد المشرق العربي كله .
ويترتب على هذا الزعم أن يتدرج نسبهم حتى يصل إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، وأنهم بذلك هم المعنيون في وعد الله حسب عقيدتهم التوراتية ؛ فقد جاء في العهد القديم سفر التكويين 18: 15 ما يلي :
قطع الرب مع ابرام ( إبراهيم ) ميثاقاً قائلاً ” : لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى نهر الفرات ” ولنناقش هذا الزعم بذلك العهد أو الميثاق في ضوء قوله تبارك وتعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [ البقرة : 124 ] .
والإمامة هنا هي جعله عليه السلام رسولاً يؤتم به ويقتدي بهديه إلى يوم القيامة ، لذلك وصف الله الإسلام بأنه ملة إبراهيم ، وعندما ندقق النظر في الآية الكريمة نجد أنها تضمنت إجابة مستورة لدعوته في بعض ذريته ، ونفياً ظاهراً لتحقيقها في الظالمين منهم ، لأنهم لا يصلحون أن يكونوا قدوةً للناس وأئمة يهتدون بهديهم . والظلم يشمل الشرك بالله ، وتحريف الكتاب حسب الأهواء وتدنيس النفس بالمعاصي وقبيح الفعال والكذب . والبهتان والمكر سواء كان في علاقة الإنسان بربه أو برسله أو بالناس . والله تبارك وتعالى وصف اليهود بالظالمين في قوله تعالى : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّه وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [ المائدة : 45 ] .
والمعنى العام للآية : واعلموا أيها الأحبار العلماء ! أنا نزلنا التوراة وفرضنا فيها على بني إسرائيل عقوبة القصاص من القتلة ، على أساس المساواة والمماثلة ، فتقتل النفس بالنفس وتفقأ العين بالعين ، ويجدع الأنف بالأنف ، ويقلع السن بالسن ، ويجري القصاص أي التماثل في الجروح والاعتداءات على الأعضاء ، ولكن من عفا عن الجاني وتصدق بحقه في القصاص فالصدقة كفارة له يستر الله بها ذنوبه ويعفو عنه والعفو أفضل ، قال الله تعالى : ( وَأَن تَعفُوا أَقرَبُ لِلتَّقوَى ) [ البقرة : 237 ] .
ومن أعرض عن تشريع القصاص القائم على العدل والمساواة بين الناس ، ولم يحكم به في القضاء فأولئك هم الظالمون أنفسهم وغيرهم الذين يجاوزون حدود الله ويضعون الشيئ في غير موضعه .
وقد نزلت هذه الآية وما سبقها وما لحقتها في اليهود حينما بدلوا حكم الله في التوراة بالرجم فجعلوا مكانه الجلد والتسخيم أي تسويد الوجه وطلاءه .
والأمثلة كثيرة على ظلمهم ، ولكنا نكتفي بهذا المثل حتى لا نطيل على القارئ .
ونقول : ووصفه تبارك وتعالى لليهود بالظالمين لانطباق كل أوصاف الظالمين عليهم ، وبهذا الوصف يكون قد سقط عنهم الأهلية لتحقيق وعده فيهم ، ولو كانوا من ذرية إبراهيم نسباً ، ولكنهم لم يعودوا من ذريته ملةً وديناً .
وهذا الكلام لا نقوله لليهود الذين لا يؤمنون بالقرآن حتى يلج الجمل في سم الخياط !!
وإنما نقوله للراغبين – المخلصين – في التعرف على رأي القرآن في هذه الأكذوبة الكبرى والفرية العظمى في تاريخهم الحافل بالافتراء والأكاذيب .
والآن وقد انتهينا من تدبرنا لقوله تعالى : ( لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) وعرفنا أن اليهود قد وصفهم الله بالظالمين لتجمع كل صفات الظلمة فيهم ، وبهذا يكون قد أسقط عنهم أهليتهم لنيل هذا العهد وبالتالي تسقط ” أكبر أكذوبة ” ، ” أعظم فرية ” في تاريخ اليهود ، وهي : أن فلسطين أرض الأجداد وبالتالي أرض الميعاد ، وهذا كلام لا يصلح إلا للمؤمنين بالقرآن – كما أشرت آنفاً – فماذا نقول لغير المؤمنين بالقرآن ؟
وهذا السؤال هام ، ولكن قبل أن نجيب عليه لا بد أن نشير إلى أن القوى الصهيونية العالمية ، استطاعت السيطرة على الرأي العام العالمي مستعينة على ذلك بكل الوسائل ما كان منها مشروعاً وما كان غير مشروع – من صحافة وإذاعة وتليفزيون وسينما ومسرح وكتب واتصالات شخصية ، وكانت تلك الاتصالات هي أخطر الوسائل ، وذلك عن طريق اليهود المبثوثين في أنحاء العالم حيث ساعدوا على إيجاد أحزاب ومنظمات وثقافات وكتَّاب وأساتذة يدينون جميعاً بالولاء لهم . وعن طريق هؤلاء استطاعت إسرائيل أن تتغلغل في الدول النامية بل والمتقدمة أيضاً حيث تسيطر العناصر اليهودية على أقسام الدراسات الشرقية واللغات السامية في جامعات أوروبا وأمريكا ، بل في جامعات بعض البلدان الإسلامية التي تمكنوا من اختراقها .
وقد تعلم اليهود من عباقرة الدعاية في الحربين العالميتين الأولى والثانية ، وهم في سبيل ذلك يبذلون كل شيئ .
يقول الحاخام ( رايشون ) في اجتماع سري لليهود في قبر قديسهم ( سيمون بن يهوذا ) في مدينة براغ عام 1869م مصوراً أسلوب الصهيونية في السيطرة على العالم :
” إذا كان الذهب هو القوة الأولى في العالم فالصحافة هي القوة الثانية ، ولكن الثانية لا تعمل من غير الأولى فعلينا بالذهب للاستيلاء على الصحافة وبذل المال لمن تجد نفوسهم مفتوحةً لتقبل الرشوة وحينما نسيطر على الصحافة نسعى جاهدين إلى تحطيم الحياة العائلية والأخلاق والدين ” أ هــ ( بتصرف من كتاب : اليهود ودولتهم . د . حمدي الطاهر ) .
أما نحن إذا نظرنا إلى نفسنا وجدنا أن الدعاية العربية كانت في غيبوبة أو شبه غيبوبة حتى قال عنها رئيس تحرير جريدة نيويورك تايمز ( جيمس رستون ) : ” إن الدعاية العربية تلهث وراء الأحداث ” ثم جاءت هزيمة يونيو 1967م فكانت الزلزال الذي أيقظنا من هذه الغيبوبة ونبهنا إلى المخدر الذي كنا نتعاطاه طيلة أعوام طويلة ، وكشف أخطاءنا الفادحة في الدعاية من التركيز على أقوال تحمل أكثر مما نقصد بل أكثر مما نقدر عليه ثم تمخض الجبل ليلد فولَّد فأراً ، ومن تصورنا أيضاً أن مجرد وجود الحق في جانبنا يكفي لإقناع غيرنا بالوقوف معنا ومن عدم اتصالنا بالعالم الخارجي وعدم اهتمامنا بمكاتبنا الدعائية في الخارج وغير ذلك من الأخطاء التي يعرفها الكثير فأصبحنا كمن يتحدث مع نفسه في هذا العالم الذي جعلته وسائل الاتصال أشبه بقرية صغيرة، نعم قد بدأ التصحيح ولكنه يحتاج إلى استنفار كبير !!
ومن هذا المنطق نضع هذه الدراسة – المتواضعة – بين يدي القارئ الغيور المخلص الذي يبحث عن الحقيقة العلمية والتاريخية ليتعرف على قضيته تعرفاً صحيحاً بعيداً عن العواطف وردود الأفعال الموقتة ، وبالتالي يمكنه أن ينجح في عرض قضيته على أصحاب الفكر الحر من غير العرب والمسلمين ، بحيث نوجز فنقول ( وخير الكلام ما قل ودل ) :
إليك خلاصته ما كتبه رجل ليس من العرب ولا من المسلمين لا من قريب ولا من بعيد وهو عالم بريطاني منصف وأستاذ كبير ، إنه البروفيسور ” جليوم ” أستاذ دراسة العهد القديم ( التوارة ) بجامعة لندن ، ونقلته عنه مجلة ” البريد الإسلامي ” العدوان 49 ، 50 المحرم وصفر 1366هـ ( الموافق ديسمبر 1946م يناير 1947م ) أي منذ أكثر من سبعين عاماً قبل حلول ” الكارثة الكبرى بقيام الكيان الصهيوني وإطلاق اسم إسرائيل عليه ، يقول ذلك الرجل :
” إن أول وعد بإعطاء فلسطين لذرية إبراهيم كان قرب ناابلس ” وظهر الرب لإبراهيم وقال : لنسلك أعطى هذه الأرض فبنى مذبحاً للرب الذي ظهر له ” ( سفر التكوين . إصحاح 12 : 7 ) .
وثمة عبارة أخرى وردت في التكوين 15 : 18 ” لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ” .
لذلك صار الاعتقاد الشائع أن هذه وعود قطعت لليهود دون سواهم ، ولكن ليس ما تقول به التوراة فإن كلمة ( لنسلك ) أو لذريتك تسجل العرب أيضاً من مسلمين ومسيحيين من ذرية إبراهيم من أبناء إسماعيل ” .
ولقد اشتهر إسماعيل بانتساب عدد كبير من القبائل العربية إليه وسفر التكوين أيضاً يذكر أن كثيراً من القبائل العربية الشمالية تنتسب إلى إبراهيم عن طريق ابنه إسماعيل ، ولا يمكن القول بأن كلمات سفر التكوين 21 : 10 – 12 نسخت حق أبناء إسماعيل بالوراثة ، وهي :
” ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح فقالت لإبراهيم : اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق فقبح الكلام جداً في عيني إبراهيم بسبب ابنه فقال الله لإبراهيم : لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك . في كل ما تقوله سارة اسمع لقولها لأن بإسحاق يدعى لله نسل وابن الجارية أيضاً سأجعله أمة لأنه نسلك ” .
ومنذ ذلك الزمن صار اعتقاد أبناء إسحاق أن ذرية إبراهيم تعني الإسرائيليين فقط ، ولكنها ما كانت كذلك منذ البداية ، بل إن لأبناء إسماعيل كل الحق بأن يسموا ويعتبروا أنفسهم ذرية إبراهيم . ويضاف إلى هذا أن الختان الذي عقد عليه العهد كان ختان إسماعيل ، ولم يكن إسحاق قد ولد بعد . تقول التوراة : ” ولما عقد إبراهيم عهد الختان مع الراب وعد بكل أرض كنعان ملكاً أبدياً له ” ( التكوين 17 : 8 ) .
ويستمر البروفيسور ” جيلوم ” قائلاً : وهكذا من هذه الدراسة القصيرة للوعد المقدس أنه يشمل بالضرورة ذراري إسماعيل ولو أنه في عهد إسحاق ويعقوب ضاق معناه بحيث شمل نسلها فقط دون أن يحرم إخوانهم أبناء إسماعيل بشكل صريح .
ومن المعروف أن كثيراً من العرب صحبوا موسى ويوشع إلى فلسطين التي كانت محتلةً احتلالاً جزئياً ، ثم إن كثيراً من الفضل في نجاح موسى يعزى إلى ” حَبّرَوا ” والد زوجة موسى من أهل مدين وهو رجل عربي بلا نزاع ” أ هـ .
وإلى حلقة قادمة بإذن الله . . .