مجهودات الدكتور محمد تقي الدين الهلالي في مجال الصحافة العربية ( الحلقة الثانية الأخيرة )

من نماذج التطور الدلالي في القرآن الكريم
يونيو 2, 2021
المقارنة بين كتابات محمد شبلي النعماني ومحمد حسين هيكل : دراسة تحليلية ( الحلقة الثانية الأخيرة )
يونيو 2, 2021
من نماذج التطور الدلالي في القرآن الكريم
يونيو 2, 2021
المقارنة بين كتابات محمد شبلي النعماني ومحمد حسين هيكل : دراسة تحليلية ( الحلقة الثانية الأخيرة )
يونيو 2, 2021

دراسات وأبحاث :

مجهودات الدكتور محمد تقي الدين الهلالي

في مجال الصحافة العربية

( الحلقة الثانية الأخيرة )

الباحث ناصر الدين محمد أنور *

موضوعات المقالات :

أما الموضوعات التي تشتمل عليها هذه المقالات فهي كثيرة من العلوم المختلفة والفنون المتنوعة من العقيدة والأديان والفرق ، وعلوم القرآن والتفسير والحديث والفقه ، والأدب واللغة والدعوة إلى الله تعالى والنقد والرد والسياسة والاستعمار والرحلة والتعليم والتربية والأخلاق والآداب والسيرة النبوية والتراجم وقضايا العالم الإسلامي وغيرها . وهذه المقالات تخبرنا عن معرفته الواسعة والفكرة العميقة والمعلومات المفيدة التي توجد في كتاباته ، كما تتّسم مقالاته بسلاسة اللغة ووضوح العبارة وجزالة الأسلوب وغيرها .

ونذكر هنا فقط موضوعاً مهماً ونتحدث عنه بشيئ من   التفصيل ، وهو : التعليم والتربية .

المقالات المتعلقة بالتعليم والتربية :

ومن أهم الموضوعات التي تحدّث عنها الهلالي التعليم والتربية ، وهو موضوع أحبّه كثيراً ، وقضى حياته في تدريسِ الطلبة وتربيتهم بتربية حسنة ، وكانت له آراء وأفكار حول التعليم والتربية بيّنها في مواضع مختلفة من مقالاته وكتبه ، وكتب كثيراً عن التعليم والتربية ، ومن مقالات هذا الموضوع ما يأتي :

 

العنوان اسم المجلة ع ، م الشهر/ السنة مكان الإصدار
المدراس الإسلامية في الهند وعللها (1) الضياء   أغسطس 1932م الهند
المدراس الإسلامية في الهند وعللها (2)   سبتمبر 1932م
المدراس الإسلامية في الهند وعللها (3)   أكتوبر 1932م
المدراس الإسلامية في الهند وعللها (4)   نوفمبر 1932م
المدراس الإسلامية في الهند وعللها (5)   ديسمبر 1932م
المدراس الإسلامية في الهند وعللها (6)   يناير 1933م
نظام دار التوحيد السعودية لتخريج المرشدين والرعاة والقضاة لسان الدين (8-9) 1 ربيع الأول وربيع الثاني 1366هـ المغرب
الأمانة والخيانة في التعليم 10-1 جمادى الأولى 1366هـ
تعليم الإناث وتربيتهن الجامعة الإسلامية 4-2 ربيع الثاني 1390هـ السعودية
الثقافة التي نحتاج إليها صوت الأمة 3-5 صفر 1394هـ الهند

 

وإذا أمعنّا النظر في هذه المقالات المذكورة وجدنا أن الهلالي اهتم كثيراً بهذا الموضوع وخاصة كتب عن العلل والعيوب التي توجد في المدارس الهندية وأساتذتها حول التعليم والتربية في مقال نشر باسم           ” المدارس الإسلامية في الهند وعللها ” في ست حلقات في مجلة ” الضياء ” بلكناؤ .

وقد كتب الهلالي هذا المقال قبل نحو ثمان وثمانين سنة ، وكان وضع اللغة العربية حينئذ سيئة جداً ، وأما اليوم فقد صار أحسن بكثير مما كان في عصر الهلالي ، ولكن بعض العلل المذكورة في المقال ما زالت باقيةً في المدارس حتى الآن .

وكذلك تحدّث الهلالي عن المرأة وحقوقها وتعليمها وتربيتها في جملة من المقالات ، وأبدى رأيه في هذه القضية بصراحة ، كما انتقد على المتأخرين الذين استغلوا حقوق المرأة وحرموها من الكتابة والتعليم ، يقول الهلالي مقارناً بين آراء الأولين والمتأخرين في حقوق المرأة في مقالة    ” تعليم الإناث وتربيتهن ” .

” ونحن وجدنا آباءنا الأولين الذين سادوا العالم علماً وأخلاقاً وحضارةً ورقياً  ، وكنا لهم نحن شر خلف لخير سلف ، فقد كانوا في قضية النساء على صراط مستقيم ، فكانت المرأة عندهم عضواً حياً نشيطاً تشاركهم في العلم والعمل في البيت وفي المزرعة وفي ميدان    القتال ، عليها حجاب يحفظ شرفها ومكانتها ، ولا يمنعها مِن أخذ حقها إذا ظلمت ، ولا من مشاركة الرجال في الأعمال السلمية والحربية عند الحاجة ، ولذلك أدرك أسلافنا من المدنية أعلاها ومن الرقي ذروته ، رجالاً ونساءً ، ولم يمنع أدب القرآن المرأة من الرقي ، بل هو الذي أوصلها إلى أسناه مصونة العرض والعقل والشرف .

وأما آباؤنا المتأخرون فقد انحرفوا عن الجادة في الدين والدنيا وعلومهما فلما عجزوا عن إقامة صروح العفاف والأخلاق الكريمة وتنفيذ حدود الشرع المحمدي العظيم ، لجأوا إلى الاختفاء والفرار والاختباء ، فغلوا في الحجاب حتى دفنوا النساء كما قلتم ، ومنعوهن من الخروج ، وإذا خرجن يفرضون عليهن ستر وجوههن إلا عيناً واحدةً أو نصف عين ، وجعلوا أصواتهن عورةً ، وحديثهن مع الرجال وإن كانوا صالحين ، وبحضرة محارمهن أو أزواجهن وقاحة ، وزادوا على ذلك فقال بعضهم بمنعهن من القراءة والكتابة فضاعت بذلك حقوقهن التي أعطاهن الشرع المحمدي كالميراث والبيع والشراء والشهادة والوكالة وسائر التصرفات وصرن بالأموات أشبه منهن بالأحياء ” [1] .

ونكتفي بذكر هذا النموذج فقط ، وأما نماذجه الأخرى فهي منتشرة في كتاباته ومقالاته .

أهداف المقالات :

وأما الأهداف التي يهدف إليها الهلالي في مقالاته فهي كثيرة . ومنها توضيح العقائد الصحيحة وشرحها من نصوص الكتاب والسنة مع ذكر أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم ، والتحذير من الشرك والبدع والمعتقدات الباطلة وغيرها من الأمور المنكرة والحثّ على التمسك بالكتاب والسنة ، والاهتمام باللغة العربية الفصحى والسعي للدفاع عنها في كل حين من الأحيان ، وبيان التربية الإسلامية والإصلاح في الشؤون التعليمية ، ودراسة المجتمع الإسلامي وأحوال المسلمين في العالم الإسلامي كله ومعالجتها ، وإحياء التراث الإسلامي ونشر الثقافة الإسلامية وغيرها ، وهذه كلها واضحة لكل من قرأ مقالاته بإمعان وتدبر ، وتفكّر في موضوعاتها ومحتوياتها .

فجملة القول : إن الهلالي كان صحفياً وكاتباً وأديباً بارعاً في الحقيقة ، أعطى كل موضوع حقه من العلوم التي أحاط بها وتحدث عنها في مقالاته المختلفة .

ثانياً : وسائل الإعلام غير المطبوعة :

وقد عرفنا في الصفحات السابقة عن جهود الهلالي في الوسائل المطبوعة وعلاقته بها ، ونريد أن نذكر في هذا الجزء عن جهوده في الوسائل غير المطبوعة وعلاقته بها ، وكانت صلته بهذه الوسائل قويةً ومحكمةً بأشكالها المختلفة ، وقد استخدمها لنشر الإسلام وتعاليمه ، وردّ الاستعمار وكشف جرائمهم ومكائدهم وما إلى ذلك .

إسهاماته في إذاعة برلين العربية :

من أهمّ الأعمال التي قام بها العرب في ألمانيا هو السعي لتأسيس إذاعة برلين العربية وبذل الجهود لها ؛ ليجدوا منبراً يرفعوا به أصواتهم إلى الناس ويعرضوا قضاياهم على العالم حتى فازوا في سعيهم ومحاولتهم ، وكان ذلك في زمام حكومة أدولف هتلر ( Adolf Hitler ) في الثلاثينات في ألمانيا ، وشغف به عرب المشرق شغفاً كبيراً وقتذاك ، وأملوا أن يساعدهم في التخلص من ربقة الاستعمار الإنكليزي والفرنسي  والإسباني ، ويُنقذهم من شروره ومكائده . وقد سافر عديد من العرب إلى ألمانيا ؛ ليدبّروا تدابيرهم ويسعوا للاستقلال ويكشفوا عن الجرائم التي ارتكبها المستعمرون الظالمون . ومنهم الأديب والسائح الشهير يونس بحري الذي غامر في هذا الميدان ، واستطاع بموهبته الفائقة التقاء جوزيف غوبلز ( Joseph Goebbels ) وزير دعاية هتلر ، وتكلم معه عن تأسيس إذاعة برلين العربية . وفي الأخير أقنعه بهذه الفكرة أن تكون هذه الإذاعة مواجهةً للإذاعة العربية البريطانية ومنافسةً لها ؛ لأن الإذاعة البريطانية التي أسست في سنة 1938م ، والإذاعة العربية الإيطالية التي أسست في سنة 1935م وغيرهما من الإذاعات العربية تنشر أخباراً واهيةً وكاذبةً ضد ألمانيا ، وتسعى بتزوير الإشاعات ضدها ، فحاجته إلى تأسيس هذه الإذاعة ماسة ؛ لتقوم بالرد والنقد على الأخبار الكاذبة . ومن ناحية أخرى يرفع العرب أصواتهم وقضاياهم إلى العالم ؛ ليخرجوا من ظلمات الاستعمار والاحتلال ويتمتعوا بالاستقلال ، ويبقوا مطمئنين آمنين في أراضيهم .

ولما أقنع الأديب يونس بحري وزارةَ الدعاية الألمانية بتأسيس هذه الإذاعة طلبت الوزارة الهلالي للاستشارة معه ؛ لأن الأستاذ البروفيسور مورتس ( Moritz ) وغيره دلّوها عليه ، فسافر من مدينة ” بون ” إلى مدينة ” برلين ” لهذا الأمر ، وأشار على الوزارة ما رآه مناسباً في هذا الشأن ، وإذا عزمت على تأسيسها طلبت من الهلالي أن يشارك فيها ، فقبل هذه الدعوة مرجعاً لغوياً ، وبدأ خدماته من اليوم الثالث والعشرين ( 23 ) من نيسان سنة 1939م ، يوم افتتحت الإذاعة العربية في برلين [2] .

بعد تأسيس هذه الإذاعة عُيّن يونس بحري مذيعاً لها لموهبته في الخطابة والإلقاء . وبدأ بثّه بعبارته الشهيرة التي أزعجت البريطانيين وأدهشهم ” هنا برلين ، حي العرب ” بصوت جميل رائع ، تأثر به كل من سمعه وأعجب به حتى زاد عدد المستمعين ، وأصبحت عبارة حي العرب لاحقاً بالمذيع يونس بحري .ولكن يونس بحري لم يكتف بهذا الحد ، بل أراد إضافة جديدة في الإذاعات وهي افتتاح البرامج الصباحية بتلاوة من القرآن الكريم ، وطلب من جوزيف غوبلز ( Joseph Goebbels ) أن يوافق على هذا ، ولكنه تردّد في هذا الأمر حتى طلب يونس بحري منه أن يرتّب لقاءه مع الرئيس أدولف هتلر ( Adolf Hitler ) ، وتم اللقاء بينهما ، وأقنع بحري الرئيس أدولف هتلر ( Adolf Hitler ) ببدء برامج الإذاعة بالقرآن الكريم بموهبته ، بدليل أنّ هذا يكون عاملاً يشد مستمعي عرب المشرق إليها ، والعزوف عن الإذاعة البريطانية العربية ( BBC ) التي كانت تخلو من القرآن الكريم . وبدأت إذاعة برلين العربية بث برامجها الصباحية بآي من الذكر الحكيم ، ثم اختارت إذاعة بريطانيا العربيةأيضاً هذه البرنامج لها بعد شهور ، وبدأت بث برامجها الصباحية بآي من القرآن الحكيم [3] .

والجدير بالذكر أن إذاعة برلين العربية كانت تبث إذاعاتها في ألمانيا وفرنسا والمغرب واليونان ، ويستمع إليها كثير من أهاليها ، ويطلعون على ما يُنشر منها من أخبار ألمانيا وبريطانيا وغيرها كما تقوم بتبين الدعايات والأقاويل .

واصل الهلالي خدماته في هذه الإذاعة نحو سنة ونصف يعني من 23/ أبريل 1939م إلى ديسمبر 1940م ، وأعدّ خلال هذه المدة نحو خمس وثلاثين مقالة أو محاضرة ونشرها في البثّ المختلف . وكان أكبر أهدافه ومقاصده بنشر هذه المقالات الدعوة إلى توحيد الله تعالى والحث على الجهاد ، وبيان الأدب العربي ، وكشف الجرائم والمظالم التي كانت ترتكبها فرنسا وبريطانيا ضد بلاد المغرب [4] .

ويمكن أن نقول إن مقالاته أو محاضراته التي كان ينشرها من منبر إذاعة برلين العربية يوم الخميس تشتمل على أربعة محاور ونقاط . وهي : الدراسات الإسلامية ، والفقه الإسلامي ، والأدب العربي ، والاستعمار وما يتعلّق به [5] .

ومما تجب الإشارة إليه أن الهلالي كان قوياً في إرادته ، ماضياً في عزمه لا يخاف لومة لائم ، ولهذه الإرادة القوية والهمّة العالية استخدم هذه الإذاعة كوسيلة لترويج الإسلام وتعميمه في جميع أنحاء العالم ، وألقى محاضرات في الموضوعات المختلفة من الدراسات الإسلامية والفقه الإسلامي والأدب العربي وغيرها ، وشرح فيها شرحاً وافياً للإسلام وتعاليمه ومحاسنه ، ودعاالناس إلى هذا الدين الحنيف .

ولما استولت ألمانيا على فرنسا وتم التسلط عليها ، منعت الوزارة الألمانية للشؤون الخارجية الهلاليَ أن ينشر شيئاً أو يكتب مقالةً أو يتحدث ضد المفوض ( المندوب ) السامي (High Commissioner ) في فرنسا والمراكش ، ولكن سمحت له بكل ما يريده في الانتقاد واللوم على بريطانيا . ومن المعلوم أنه كان غيوراً وجريئاً وصادقاً . وكان من المستحيل أن يخفض صوته ويسكت لسانه ، ولا يعبر عما في خواطره ، فرفض هذا الاقتراح ، وقطع علاقته بهذه الإذاعة [6] .

وقد كشف الهلالي عن جرائم الاستعمار الفرنسي والإسباني والبريطاني من خلال هذه الإذاعة ، فغضب الفرنسيون عليه وبدأوا بالشتم والهجو في إذاعاتهم وصحفهم ، واتهموه بأنه مسيحي لهتلر ووكيل لألمانيا ، وأخذت جريدة ” لطام ” ( Le Temps ) الباريسية وغيرها من الصحف في الجزائر والمغرب ومصر تصوّره صوراً كاريكاتوريةً ، وتزعم أنه مأجور للدكتور جوزيف غوبلز ( Joseph Goebbels ) وزير الدعاية الألمانية . وقد ردّ الهلالي على هذا الاتهام وأوضح أن الوزارة لم تمنح له شيئاً ، بل ضيعت الإذاعة له اثني عشر ألف مارك من راتبه الخاص .

والجدير بالذكر أن المقالات التي يلقيها في إذاعة برلين العربية فإنه لم يتقاض عليها شيئاً ، بل كان ينفق عليها من ماله ؛ لأنه كان مكلفاً أن يترجم كل مقال باللغة الألمانية قبل نشره ويطبع منه أربع نسخ بالآلة الكاتبة ويعرضها على أربع دوائر ، فإذا وافقت هذه الدوائر ، كان يركب القطار التي تجري تحت الأرض وسماه بـ ” قطار النفق ” في الليل المظلم في وقت الحرب معترضاً للغارات الجوية ، ويلقى تلك المقالات جهاراً لأعداء الله وأعداء المسلمين [7] .

ثالثاً : أسلوبه في الصحافة :

كان الهلالي عارفاً بمسؤولية الصحافة بما فيها سائر وسائل الإعلام وملماً بأصولها وقواعدها ، ويقوم بأداء واجباته ومسؤولياته بكل صدق وإخلاص وجرأة وأمانة . وقام بخدمات جليلة في عصر استولى فيه الاستعمار بجميع مفاسده ثم في عصر الاستقلال من نشر مقالات متنوعة . وكان يرجو من الشباب المسلمين أن يواكبوا على الصحافة ، ويتسلحوا بهذا السلاح لخدمة الإسلام والمسلمين ويقوموا بإصلاح ما يكدّر الإسلام وتعاليمه السمحة وينقذوا الناس من الشقاء إلى السعادة ومن الجهل إلى العلم ، ويكتبوا عن الحكام الطغاة والدول المستعمرة التي ترى جواز كل جريمة وظلم ضد المسلمين ودولهم .

وقد حاول الهلالي تربية الجيل الجديد تربيةً صالحةً في ضوء الكتاب والسنة ، وكان يكتب لهم في مقالاته كلَّ ما يهُمّهم ويُفيدهم في مجال التعليم والتربية ، وينصحهم باتباع الكتاب والسنة والتحلي بالأسوة الحسنة من الصحابة والتابعين – رضي الله عنهم – ليكون المجتمع مجتمعاً مثالياً .

ولا شك في أن الهلالي قد نصَب أمام عينيه أهدافاً منشودةً وأغراضاً غاليةً للصحافة العربية ، ولم يخف في ذلك لومة لائم ، ومن أكبر مزاياه أنه كان يكتب مقالاً أو بحثاً حسب الضرورة والحاجة ، أو عندما كان يعترض أحد على الإسلام ومصادره ، أو على المسائل المتعلقة بالدراسات الإسلامية فيجيبه عنها جواباً شافياً ويوضّح المسألة والقضية بالأدلة والشواهد . وكذلك اهتم بغاية من الاهتمام بالقضايا اللغوية والأدبية في مقالاته إجمالاً وتفصيلاً من منبر الصحافة للكشف عن ميزات اللغة العربية وتحسين أوضاعها وردّها إلى فصاحتها وسلاستها التي يتبرأ منها الأدب العربي الخالص ، كما أوضح مكائد الأعداء ودعاياتهم الباطلة ، وكشف عن المذاهب الخداعة المدمّرة كالاشتراكية والشيوعية المنحرفة وما فيها من ضرر وفساد .

وكذلك تحدّث الهلالي في مقالاته كثيراً عن العقيدة الصحيحة والدعوة إلى الله تعالى وطرقها ومناهجها بكل صراحة وتفصيل واهتمام في ضوء النصوص الشرعية ، وإنه عالج الصحافة الهادفة البناءة ونقد الصحافة التي غايتها السُمعة ولم تقم على الأصول والقواعد وفقدت أهدافها الميمونة . ولذلك إذا رأى أمراً يخالف الشريعة الإسلامية والسنة النبوية ، أو يخلّ بالأمن والسلام أو يعارض المصالح الوطنية أو يصادم العادات النبيلة والقيم الفاضلة ، فأسرع في الكتابة عن هذه الأمور ، والردّ والنقد عليها ، وربما أجاب عنها مفصلاً في حلقات عديدة وصلات تابعة .

وقد اتّضح جلياً بعد إمعان النظر في كتابات الهلالي وصحافته ، أنه كان جريئاً فيما يكتب وينشر ، ولا يرهب من أعدائه المستعمرين الغاصبين ومن والاهم في ظلمهم وجورهم ، ولا يخاف في بيان آرائه وفكره . وكم من مرة خالف الاستعمار خلال منبر الصحافة ، ومن أجل هذه المقالات فقد أوذي كثيراً حتى نُفي نفياً رسمياً من وطنه الحبيب وتونس والجزائر أيضاً .

أما اللغة التي استخدمها فنجد تفاوتاً وتبايناً بين المقالات التي كتبها للمجلات وبين المقالات التي بثّها من إذاعة برلين العربية من حيث إنه استخدم في الأولى سلاسة اللغة ووضوح العبارة وجزالة الأسلوب ، وربما استدل بالأشعار والأمثال والحِكَم لتحسين العبارة . وفي الثانية استخدم لغةً عربيةً سهلةً وفصحى ؛ ليفهم كل من يسمعها .

فالخصائص التي توجد في كتاباته كثيرة ، ومنها ما يأتي :

  • الإحاطة بكل ناحية من نواحي الموضوع .
  • سهولة اللغة ووضوح العبارة .
  • الاستدلال بالنقل والعقل .
  • ذكر الأشعار والأمثال في كثير من المواضع لتزيين العبارة وتحسينها .
  • كون المقالات ذات حلقات

وأما ما يؤخذ عليه فمِنه ما يأتي :

  • النقل الكثير والاقتباس الطويل من كتب القدماء في بعض المقالات .
  • الاستطراد .

فجملة القول : إن الهلالي كان صحافياً إسلامياً وأديباً بارعاً ، يتجلى الفكر الإسلامي والفقه اللغوي جلياً في كتاباته ومقالاته . وإن هذه المقالات ممتازة في موادها ولغتها ، واستخدم فيها طريقة التحليل والتعليل والنقد ، وأحاط الموضوع بكل جانب ، واستوفاه من كل    ناحية ، وبيّن كل ما يعسر فهمه إيضاحاً وشرحاً وتعليقاً . وكذلك نجد أنها تحمل في طيها مواد علميةً وحلاوةً أدبيةً ومهارةً إنشائيةً ، تتجلى فيها غزارة علمه وعمق فكره وتضلعه في ميدان الصحافة والكتابة .

* الباحث في الجامعة الملية الإسلامية ، نيو دلهي ، ( الهند ) .

[1] الهلالي ، تعليم الإناث وتربيتهن الجامعة الإسلامية ، ع : 4 ، م : 2 ، ربيع الثاني1390هـ ، السعودية ، ص : 45 .

[2] الهلالي : الإسلام يكافح الاستعمار ، 2/9 – 10 .

[3] انظر : مقدمة مذكرات الرحالة يونس بحري . إعداد : خالد عبد المنعم العاني ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت ، الطبعة الأولى : 2005م – 1426هـ ، ص : 5 – 6 .

[4] العمراوي ، عبد الصمد : ( “Authentic Islam” The Religious Profile of Taqī al-Dīn al-Hilālī) ، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة ليدن بهولندا ، سنة 2015م ، ص : 94 .

[5] المرجع نفسه .

[6] انظر : الإسلام يكافح الاستعمار للهلالي ، 11 – 12 .

[7] المصدر نفسه ، ص : 11 – 12 .