دور مجموعة ” حكايات الكورونا ” القصصية في تعزيز القيم الإيمانية

الحكم النبوية البليغة ومن أروع حكم الصحابة ومن تبعهم رضي الله عنهم
يوليو 13, 2021
أتبين دينيه ( قبل الإسلام ) ناصر الدين دينيه ( بعد الإسلام ) ( الحلقة الثالثة )
يوليو 13, 2021
الحكم النبوية البليغة ومن أروع حكم الصحابة ومن تبعهم رضي الله عنهم
يوليو 13, 2021
أتبين دينيه ( قبل الإسلام ) ناصر الدين دينيه ( بعد الإسلام ) ( الحلقة الثالثة )
يوليو 13, 2021

دراسات وأبحاث :

دور مجموعة ” حكايات الكورونا ” القصصية

في تعزيز القيم الإيمانية

الدكتورة سمية رياض الفلاحي *

إن القصة أصبحت أداة التعبير عما يختلج في النفوس عامةً والقصة القصيرة خاصةً ، لأن هذا العصر عصر السرعة ولا يمشي شخص إلا بخطوات سريعة ، والقصة القصيرة كما هي لا تتجاوز 10 أو20 صفحة ، وتؤدي القارئ إلى دوافع دافئة تنفجر من قلوب البشر في وقت قصير ، ولذا يقبل القارئ المتسرع على متابعة القصة القصيرة في هذه الحياة التكنولوجية .

وجائحة كورونا هي أشد تعمقاً وأكثر تألماً في جميع أنحاء   العالم ، تسير بها الأحداث والشخصيات في البيئات المختلفة . أثرت هذه الجائحة في النفوس أثراً كبيراً ، كما أدت البعض إلى الحياة القاسية فجعلت البعض أن يعيش الحياة بالأمل والرجوع إلى الله ، وحولت بعضهم إلى حياة مؤلمة . ولذلك توجه الكثير من الشبان والشابات إلى هذا الفن الرقيق لكى يعبروا عما يدور في القلوب من دوافع حارة وأحاسيس جميلة بأسلوب رشيق بديع منفعل . والكتاب ” حكايات الكورونا ” سلسلة من هذه السلاسل التى برزت في هذا الزمن المتوتر باهتمام دار ناشرى للنشر الإلكتروني حينما دعت كتاب القصة القصيرة إلى إرسال القصص  للنشر ، يصب في القالب القصصى الذي يهدف إلى تعزيز القيم الإيمانية .

فهذه المجموعة تضم اثنتى عشرة قصة ، تطوى في صياغها ألواناً اجتماعيةً وواقعيةً عربيةً ، وهي تتميز بما أنها تحتوي على قصص لكتاب مختلفين . وأما فكرتها الرئيسية فهي تصب في اهتمام المجتمع العربى بالتمسك بحبل الله والابتهال إليه في البيئة الخاصة وهي البيئة الموءوبة التى اجتاحت العالم وأثرت الكثير كما نرى الفكرة في العبارة التالية :

” كورونا ، جائحة تجتاح العالم ، تقيم الدنيا ولا تقعدها . لا شيئ إلا كالإيمان بالله تعالى ينقذ الإنسان من الفواجع والمواجع ، ويبلسم جراحه ، ويعينه على المضي ” [1] .

فالقصة الأولى باسم ” الكابوس ” للدكتور مجدى مصطفى القوصى وهو طبيب مصري وكاتب القصة القصيرة ، له أعمال منشورة في معظم الجرائد والمجلات [2] . وتدور القصة حول كاتب مثقف يعيش في اللامبالاة حتى يصاب بفيروس بشدة ويعاني من ضيق التنفس ، ويرى العالم كله محترقاً ومتألماً بدون شمعة الأمل للتعايش السلمي ، ولكن يقفز إلى الحياة المشرقة من التزامه بالصلاة والدعاء والتفاؤل مع استمراره على الدواء بعد ما نصحت أمه للتوجه إلى الله والتضرع إليه . وكذلك القصة تروى عن حكاية في بطن حكاية كما نرى قصة الولد الصغير مع كلبه ، والذى كان يداعب مع الرجل للتسلية في وقت كئيب بالإشارة إلى قصة مس أمل التى كانت تروى عن الناقة والجمل والحبل وتتيقن بعقل الحبل ثم التوكل على الله تعالى . ونرى المجتمع العربي المهتم بالدعاء والصلاة كما نجد شخصية الطبيب ينصح الكاتب بقوله : ” أما ما يخص الصلاة والدعوات ، ففهمي للموضوع هو أن الله يضعنا أحياناً في اختبار ، ليرى من ينجح ومن يفشل …. النجاح هنا يكمن في الصبر والإيمان والاحتساب والأخذ بالأسباب والاعتقاد الراسخ أن لله حكمةً في كل ما يفعل .

– أسمعهم يقولون : ” ربنا لا تضعنا في تجربة ! ”

– لأنهم يخشون الفشل والسقوط . الله يضعنا في تجربة بعد تجربة بعد تجربة ؛ ليعرف كل واحد فينا نفسه ، ومن منا لديه إيمان حقيقى . . .[3]  .

والقصة الثانية ” الأمان ” للشاعرة الأردنية لبنى علي صالح [4] . تروي عن رجل متزوج باسم عبد الرحمن ذي ثلاث بنات ، الذى ينغمس في حب الفاتنة الأمريكية ، ويقضي أيامه البهجة معها ويخفي أمره على زوجتها وأهله ويخدعهم بدون اتصالهم إلى أطول زمن وينسي نصائح أبيه للاحتفاظ بالشعائر الدينية حتى يصيب بالعدوى وظل يئن قلبه بالوجع ويقلق عنهم حينما يرى الموت في كل شيئ حوله ، ولكن سرعان ما تمالك نفسه وعاد إلى بيته الأصيل المملوء بالودود والعطوف وقدر على إعادة الحياة بهجةً وسروراً بعد ما كاد يفقد الإضاءات العائلية بتمسكه بحبل الله والرجوع إليه . ونحس هذه الفكرة الغالية في نهاية القصة :      ” كما تمسك هو بحقيقة أن الله غفور رحيم ، منحه فرصةً ثانيةً ورده إلى سواء السبيل ؛ استحضر من ذكريات طفولته كلمات كثيرةً كان أبوه الحاج عز الدين يرددها على مسامعه ، يهتف قلبه نادماً على ما مضى ؛ حفظتها يا أبي ونسيت أن أرددها ! غفرانك ربي ! إنك غفور رحيم ” [5] .

والقصة الثالثة ” مرايم ” لكاتبة حياة الياقوت الكويتية المولودة سنة 1981م ، لها مقالات عديدة في الصحف والمجلات الكويتية ، منها القبس والشرق الأوسط ، وهي ترأس تحرير موقع دار ناشرى [6] . تتحدث القصة عن شابة كويتية مقيمة في لندن للتعليم ، وتطوى في طياتها رحلات الفتاة من بلد إلى بلاد مختلفة ومعاناتها من حجز المقاعد أثناء الحجر الصحي ، ثم تصور ذكرياتها الأولى مع جداتها في أيام الطفولة وحل المشاكل في ضوء نصائحهما مع تصوير بعض العائلات العربية في زمن الفيروس واحتياجاتها وحنينها للوطن العربي كما نجد تحث جدتها على الدعاء لحل الصعوبات التى كانت تعانى منها في زمن الاختبار وهي تقول :

ليس عندي وقت . . . ادعي لي . . . أرجوك .

حسناً . أدعو الله أن يلهمك الدعاء ، ويقضي حوائجك به .

ماما مريم !

وتذكري هذه العبارة : الله لا يجرب [7] .

وكذلك توضح مشكلات سفرها من فرنسا إلى وطنها وجميع المسافرين وعقباتهم واحتياطاتهم الإضافية للوقاية حتى قدرت على حلها بعد ما لاذت إلى ذكر الله حينما حرضت أختها ” سوسن أحمد “على الذكر والشكر كما نرى في الفقرة : ” تشعر مرايم أنها رسالة إلهية لها . وأن ذكر الله هو ما سيعيدها للوطن ، لا التذكرة المعلقة .

تنهمك تتلو أذكارها تارةً بأناملها ، وتارةً بتطبيق نزلته على هاتفها [8] .

والقصة الرابعة ” تأثير الخفاش ” لعمرو محمد البيومى ، وهو أستاذ جراحة العظام بمعهد دمنهور القومي التعليمي ، دكتوراه جراحة العظام والكسور 2004 ، زميل كلية الجراحى الملكية بأيرلندا [9] . وتتحدث القصة عن كاتب مصري كان يكتب للسيناريوهات ، ويعتاد القراءة والكتابة معظم وقته . وتظهر القصة توتر الكاتب وقلقه حينما يعجز عن اللقاء مع المنتج السينمائي على الوقت الموعود لحصول على الشهرة والمال بسبب الحجر الصحي فيصبح كئيباً مضطراً ولو كان معه الشيخ حسونة الأجهورى الذي كان صاحب سمو الخلق له في وقت ضيق وكان يعظه بالتأمل في الله خيراً واستمراره بالاستغفار والأذكار ، وكان يطمئنه بالموعظة الحسنة مؤمناً بالله ، ولكنه استنكر وأخذ اللهجة الحادة ومشى باقتضاب وبلا مبالاة حتى وصل إلى خيبة الأمل حينما اصطدم بجدران وسقط نحو الأسفل بعد ما رأى جرذاً ضخماً يهرول   نحوه ، وهكذا لقي الحزن والكآبة من استنكاره . ونشعر بنصائح ثمينة بلسان الشيخ حسونة أمام بطل القصة بقوله : ” نحن في محنة وبلاء عظيم يزلزل العالم كله من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه ، وإيمان المرء بالله . . . سبحانه . . . ودعاؤه وتضرعه ، ودعاؤه له . . . جل جلاله . . . من شأنه أن يبدد تلك المخاوف ويذيب القلق الذي ينهش قلوبنا . . .

وينطق البطل : ” كيف سيأتي الخير لي إذا أخلفت موعدي مع هذا المنتج السينمائي ؟

– ربما كان الشر يتربص بك . . . والعياذ بالله من هذا اللقاء ! [10] .

ولكن لقي الهم والغم حينما مرح كما نرى العبارة في النهاية :     ” سقطت في عنف على سيارة الشرطة الرابضة أسفل البناية ، وشعرت بمذاق الدماء في فمي ، وتحطم عظام جسدي ” [11] .

فالقصة مشحونة بالتوتر والقلق من بدء إلى آخرها متمسكة بجميع عناصرها حتى تنتهي بمأساة وخيبة .

والقصة الخامسة ” رسالة إلى الولد ” لمحمد لخديم هو صحفي مغربي ومؤلف فريد من نوعه ، ويكتب عن الصراعات بين الثقافات والدينية من وجهة نظر جديدة ومحايدة ، له عديد من المقالات والقصص على الإنترنت تحت اسم ميخائيل لاكديم ، وهو فائز في المسابقة الأولى للنشر لرواية طويلة في 2019م وله روايته الفائزة ” أغنية الربيع – الأم العظمى 2019م [12] . تصور القصة رسالة الوالد المصاب بفيروس إلى ابنه حتى ظل يشعر كأن العالم انتهى أمامه ، تسود معاني الصدق والاستغفار في القصة وتقود إلى طريق الله ، تنطق بلسان الرجلين : ذو الجلباب الأبيض ، ورجل شبه إغريقي فكأنهما رمزان للشك والمعرفة في تساير القصة من بدايتها المتعثرة إلى نهايتها المحققة . وتسير القصة في أسلوب رمزي فلسفي مع تماسك عناصرها الفنية بالتركيز على الحل وهو الابتهال إلى الله والتوسل إليه لتحقيق الأمنيات الحقيقية في حوار فوتوغرافي كأن القارئ يراه أو يرى النائم الأحلام كما نرى أسلوب القصة في هذه   الفقرة :

– تتأمل ؟ التفت إليه الرجل ذو الجلباب الأبيض ، وأخذ يقول :

– اليوم أمطرت السماء لتطهر قلوب هؤلاء ، وأخرجتني صوب النداء الأعظم .

أجابه الرجل الشبيه بالإغريق :

– هوالحال معي .

وأردف بعد صمت قصير :

– المدينة خاوية كأن الأشباح ما تبقت .

أجابه :

– لقد هاجر الناس كل مرتع ، كما تهاجر الروح الجسد بحثاً عن الله ، لكن الأمر تماماً هذه المرة ، هاجروا إلى بيوتهم ” [13] .

وكذلك تعزز القصة القيم الدينية بهذه العبارة :

– الروح نور الجسد ، إن نور المصباح يضيئ كل ما يحيط بالمكان ، كذلك هي ، والروح أمر من الله رحمة بعباده ، سر الوجود ، ونور الجسد ، توجد في كل مكان ، هي معراج الكمال وسلم الجبال وعطر السلام الذي يهيئنا لوصال المقام المرتقى . . . [14] .

والقصة السادسة ” زوايا منفرجة ” لناصر خليل هو قاص مصري المولود سنة 1971م ، حاصل على جائزة أفضل مجموعة قصصية ” النائمون في ظل أجنحة السوداء ” الهيئة العامة لقصور الثقافة 2013م ، وجائزة مكتبة الإسكندرية وغيرها ، وله كتب عديدة في مجال    القصص [15] . تتكلم القصة عن شخصيتين مختلفتين : أحدهما ناجي وثانيهما حسانى ، اللذان يضطران إلى العمل لكسب العيش لعائلتهما أثناء الحظر ، وناجي هو سائق عربي يقيم في أمريكا وعائلته في الوطن وهو يريد العودة إلى وطنه بعد ما ركدت التجارة ، ولكن للأسف لم يستطع بسبب اصطدام سيارته بعامل بسيط حسانى الذي لم يمتلك أي نقود لعائلته منذ بدايات الزمن المحظور ويتسلل لسرقة المتجر الكبير بمشاورة صديقه ” مهران ” لكي ينفد جوعان أطفاله ، ولكن بلا جدوى حينما يسقط المرء باصطدام السيارة ويكسر رجلاه وهكذا يعود كلاهما بالخيبة والفشل عندما يصيب ناجي بغرامة ، وكذلك يعلق في المستشفى في اشتباه كورونا . وأما حسانى فهو مدهور مقهور بكسر رجليه عندما اختار الطريق غير العادية بعيداً عن أحكام الله . ونرى في القصة الاهتمام بالدعاء والإيمان الحقيقي بالله كما تنصح زوجة ناجي حيث تحرض على الاعتقاد بالرب بقولها : ” قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا يا زوجي العزيز . . . إن كانت النتيجة سلبية ؛ فستعود إلينا معاً في أمان غير ذلك ؛ فيشفيك الله بإذنه ؛ فلا تبتئس ! “[16]  .

وكذلك تستطرد تذكر يا ناجي قوله تعالى : ” وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ” [17] .

والقصة السابعة ” الوجه الآخر من كوفيد 19 ” لنهى يوسف حمد الله ، هي كاتبة القصة الكويتية المقيمة في عمان المولودة 1980م ، مدربة لغات برمجة في مراكز تدريب متفرقة ، ومعلمة في الحاسوب ، لها مجموعة قصصية قيمة تفاعلية ” أفق ” [18] . تروي عن حكاية المرأة وحياتها الشاقة المتشاجرة مع زوجها ولو كانت تهتم بشؤون تدريسية مع تقديرها البالغ تجاه أولادها ورضيعها . وتسير القصة بلسان المرأة بتبيين القلق والسوار مع تخطيط المجتمع الأردني من احتياجات وإصابات بمرض كورونا وإغلاق الأسواق التجارية الكبيرة والمتاحف والمساجد وما إلى ذلك . وكذلك توضح القصة نظريات مختلفة لنساء أردنيات عن هذا المرض فمنها تقول : إنها كذبة بيولوجية ، ومنها تظن أنه غضب من الله وكذا . . . وتسير القصة بالحبكة المتماسكة وتضم الحكاية في بطن حكاية لها وجهات أخرى حتى يأتي يوم رجع زوجه إليها بالحب العميق في هذه الأيام الكئيبة بينما تمثل الوجه الآخر لأختها ” لمى ” إذا حرمت مشاهدة ابنها في إطار الزمن الموبوء . وكذلك قصة صديقتها ” ميساء ” مؤلمة أشد بأنها لم تستطع الوصول إلى زوجها بصدد هذه الجائحة . ونجد الاقتباسات التي تبث الروحانية كما نرى : ” الحب يجعلنا نشعر بامتلاء أرواحنا يجعلنا أكثر تسامحاً مع أنفسنا ومع الآخرين ، الحب يتفتح    فينا . . . الحب أن تصدق أنك لست وحدك . لم يأت كورونا ليقتلنا ، لقد جاء ليحيينا ، بطريقة ما يجعلنا ننبض سعادة .

كل مر سيمر ، كل غيمة ستمطر ، لتغيثنا ، وتمحو جفافنا ، وتنبتنا أزهاراً أجمل ” [19] .

وكذلك تنتهي القصة حيث تستطرد الكاتبة : ” صادفت     صبيا . . . قدمت له بعض المساعدة ، وقلت : ” إن بعد العسر يسراً . فإن بعد العسر يسراً . نطقت شفتاه المبتسمتان : شكراً يا سيدتى . . .

ثم تقدم بقولها : ” حينما نتوكل على الله ونعيد بناء مبادئنا ، ونجدد العهد به ، ونتصالح مع أقدارنا ، سيكون حينها يومنا جميلاً . . . ستمطر غيثاً سخياً وسيأتينا الفرج . . . ” [20] .

والقصة الثامنة ” تعاف ” لمها حسن الغنام ، هي شاعرة مصرية حاصلة على توقيع لمجموعة قصصية ” حقيبة يد ” ، ولها ديوان ” صوت الفراشات ” وقصائد عديدة ، وأهمها ” موت الفراش ” ، حائزة على جوائز عديدة في مسابقة الشعر [21] ، وهذه القصة منفردة من جميع القصص كما تحتوي على عناوين مختلفة في أسلوب حكائي ، وتدور حول طبيب جلدي لا يعرف المروءة ولا العطوفة ، يسير تاجراً قوياً بداخله دون عناية بأي أحد حوله ولو كان يحتاج إلى مساعدته . وكان يسخر من صديقه القريب ويصفه بالمغفل الذى كان يتخصص بعض وقته للفقراء مجاناً ، ولا يبالي باحتياجات الممرضة العاملة عنده وما أصاب قلبه إلا من كبر وقسوة . وكذلك سارت الأيام حتى جاء اليوم حينما تعرف على إصابته وأسرته الكاملة بالفيروس اللعين ولو كان ذا حذر بالغ ، فينبه إلى الأمر أن الحياة رحلة ، وأنه قد هزم أخلاقياً وصحياً ونفسياً فعاد إلى الخير ، وقرر في نفسه أن يكون نافعاً من جميع الجوانب إن كان في العمر بقية ولكنه لم يجد الفرصة إلا أنه أوصى أخاه للمساهمات الخيرية من طرفه . ونرى الفكرة الغالية في نهاية القصة :

أدركت متأخراً : أن الحياة رحلة ، وأن ما يبدأ ينتهي ، وعندما نصل يصبح عدد المحطات التي قطعناها مجرد تفاصيل تافهة ، الأهم استعدادنا للوصول ، أشعر الآن أنني أقل إرهاقاً وأكثر خفةً ، لم يعد هناك داع للحزن وللدموع ؛ فلقد تعافيت [22] .

والقصة التاسعة ” تنهيدة حارة ” لإسلام محمد أبو فرحة ، هو كاتب مصري شهير ، مدرب معتمد في البرمجة اللغوية العصبية N.L.P ، أول من قام بتدريب الشفرة الجديدة في البرمجة اللغوية العصبية في مصر والعالم العربي ، حاصل على العديد من الدبلومات في مجالات علم النفس والتنمية البشرية والمبيعات والتسويق وما إلى ذلك . يبث إجراءاتهم على التليفزيون ، له برامج عديدة مثل ” ابني ولكن ” و ” خليك معاهم ” وغيرهم كثير [23] . تصب القصة في قالب الغموض والإبهام متضمنة عدة حكايات كما تدور حول الشاب العبق يستنكر وجود الله حتى يصاب بفيروس ولا يؤمن إلا بالعقاقير الطبية لدفع السقم . ولا يزال على حالته الموبوءة حتى يتنبه ما بداخله إلى الرجوع إلى الله واستحضار جلالته في نهاية الأمر . ونرى استنكار الشاب عندما ينصحه الطبيب حتى يشعر وتوضح لنا العبارة التالية :

– لا تقل مثل هذا الكلام ! فليس لك أن تختبر الله أو تعبده بشروطك ، فأنت في دار اختبار ، ولست في دار البقاء .

– أي دار بقاء تقصد ، إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ، وما يهلكنا إلا الدهر .

– إنك تردد ما قاله الأولون من قبل [24] .

وكذلك تطوي القصة في مهدها قصة المرأة اليائسة التى قد فقدت ابنها وزوجها ومستها البأساء والضراء في هذا الزمن المحيط بالوباء ، وكانت على وشك الانفجار ، وحاولت للانتحار بسبب خوف الوحدة بدونهما ولكن فازت بالتقرب إلى الله في النهاية بعد ما رأت رؤيا أو ألهمت ووجدت سر الحياة ونرى سمو الفكرة في الفقرة التالية :

” أعد حساباتك مرة أخرى يا صديقي ؛ فليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، وكم من قوي عزيز أذله الله ! وكم من ضعيف ذليل أعزه   الله ! من يشفيك ويهيئ الأسباب لك ليرفع عنك المرض ؛ هو الله ، فمهما اتخذنا من سبل وانتهجنا من طرق لن تجد إلا هو من يسدد خطانا نحوالصواب ” [25] .

ولا تقدم القصة إلا بشعور الشاب العاصي بالذنوب حيث يقول :    ” يا رب ! قد جاوزت ذنوبي كل حد ، فعدت إليك رب ذليلاً خاضعاً ، تشرئب عنقي لعفوك وغفرانك ، وناصيتي خنعت لعظمتك إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ” [26] .

والقصة العاشرة ” ملاذ ” لحفصة زاهى وهي فائزة بجائزة لهذه القصة في مجال القصة القصيرة في المسابقة الأدبية من نهضة بالقرآن الكريم ، قسطنطنية . تدور القصة حول طبيبة وعامل الشرطة وخالص نيتهما تجاه مسؤولياتهما بكل صدر رحب ، ودكتورة كانت تقضي أكثر أوقاتها في الكتابة من ذكرياتها ، وتهتم بالتزام الاستغفار دوماً بما أنها منحت هذه الهدية من أبيها . وتبدأ القصة بخبر انتحار المرأة المسكينة لأنها تزوجت مع زوج بخيل وسيئ الخلق ، ثم تقفز القصة إلى تحاليل أسباب الرذائل التي تهدم البشرية عند الكاتبة ثم تشع أنوار سيد الاستغفار التي تسهل الطريق لكل ملل وأحزان مع تبيين شعور الدكتورة نحو أداء واجباتها بدون مبالاة الأسى والخشية ، وسارت في طريقها حتى أصيبت بالعدوى ، ولكن لم تخلف ولازمت بالاستغفار حتى تعافت منه بعد أيام .

فالقصة مليئة بالمواعظ والأذكار مع اهتمام بالتعبير عن المجتمع من جميع النواحي بالحبكة المتماسكة تهدف إلى العظة والثقة بالله ، ونرى أسلوب المواعظ في الفقرة الأخيرة بقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله : ” نحن أمة لا تنتصر بالعدة والعتاد ، ولكن ننتصر بقلة ذنوبنا وكثرة ذنوب أعدائنا ، فإذا تساوينا بالذنوب ، كانت الغلبة للعدة والعتاد ” [27] .

والقصة الحادية عشرة ” هزيمة كورونا ” لياسر الششتاوى هو باحث غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن ، له مؤلفات أكثر من 70 منشوراً مثل ” دبي : فيما وراء مشهد حضري ” وأحدث كتبه هو ” المدن المؤقتة : مقاومة الزوال في الجزيرة العربية ” [28] . تروي عن قصة الكاتب العربي ذي مؤهل عال ، ولكن اضطر للرحلة إلى إيطاليا للقمة العيش والفراغ ولو منعت زوجته للذهاب ولكنه نجح في رحلته حينما اتصل هناك بطبيب متدين باسم ” ياسين ” ، وكان الرجل العربي بعيداً عن الالتزام بالشعائر الدينية إلا بعد ما لحق بياسين فتأثر تأثراً بالغاً بشخصيته الذي كان مهتماً بأداء واجباته نحو الطب والتداوي بالتكنولوجيات الطبية الحديثة مع التزامه بالتوبة والاستغفار حتى جاء يوم أصيب ياسين بفيروس ، ولكن تعافى منه بعد عدة أيام وعاد إلى بيته فرحاً مطمئناً وأصبح عدة الراحة للكاتب ولكن ما لبث أن أحس بفقدان الحياة بعد ما فوجئ بموت ياسين من أجل السكتة القلبية .

ونرى شعور الكاتب بالذنوب وتسلية ياسين له حينما لاحت ذنوبه القديمة أمام عينيه فابتسم ياسين ، ثم قال بحنو :

– شعورك بالتقصير مع الله شعور جميل وصحي ، ويجعلك تغير من أسلوبك في الحياة ، وتجود من نفسك ، بشرط ألا يدفعك هذا الشعور بالتقصير إلى اليأس أو الإحباط ، فرحمة الله وغفرانه لا حدود لهما ، فالله يغفر الذنوب جميعاً ، ما لم تشرك به ” [29] .

وتوضح القصة أثر السنة النبوية في قلب ياسين حينما يقنع بتوضيح وباء طاعون في عهد عمر رضي الله عنه عندما سئل الكاتب عن فراره إلى بلده . وكذلك تصور القصة التزام ياسين بالتوبة والاستغفار ولو كان أصيب بمصيبة ويتيقن ربما أنها نعم أو ربما بلاء من الله للرجوع إلى الله والتقرب إليه .

والقصة الثانية عشرة ، وهي الأخيرة باسم ” المولود ” لهشام      عبد المنعم عبد الحميد ، تدور حول امرأة مصرية كانت تتحسر للأولاد وتنتظر لإنجاب منذ زواجها عشر سنوات . وتمثل القصة معاناتها وقلقها وتسلية زوجها في سبيلها الحائرة الحزنة حتى جاء يوم تحققت أمنياتها عندما وجدت خبراً عن حملها ، ولكن سرعان ما اسودت عيناه حينما أصيبت بالعدوى ودخلت المستشفى مخافة عن ولدها القادم ، وما لبثت أن تلقت هناك بالسيدة العجوز التي كانت تسلم أمرها لله وتعيش بهدوء فنصحتها السيدة الحنون لتسليم أمورها بيد الله والتوكل عليه فالتزمت المرأة بها حتى تعافت عن الجائحة . وكذلك تصور القصة قلق العجوز وحسراتها من أجل الوحدة بعد ما غادرت ابنتها مصر مع زوجها إلى أمريكا . وتختم القصة بالسعادة من ولادة للمرأة مع جانب عودة ابنة السيدة العجوز إلى مصر .

وتوضح القصة القيم الإيمانية حينما تعبر العجوز عن موقفها  بقولها : ” وهل تظنين أن الذي منحك الأمل الذي ظللت تنتظرينه كل تلك السنوات أعطاك إياه ليسلبه منك ؟ رحمة الله واسعة يا بنيتي [30] .

ونسوق في ضوء هذه الدراسة إلى أن المجموعة يمتد زمنها من مارس 2020م إلى ديسمبر 2020م ، تتضمن تسجيلاً دقيقاً لواقع الحياة للمجتمع العربي بما فيها من أحداث موبوءة وتصريحات سياسية وتعليقات اجتماعية واعتقادات دينية مع تصويرهم الحقيقي لمعالم الجنس واللهو ، وتطور المرأة العربية وإحاطتها بالعلوم السياسية والاقتصادية والتاريخية وما إلى ذلك عبر الزمن . وكذلك تسود المجموعة في تعزيز القيم الإيمانية عندما تسير القصة بتصوير الأزمات والنكبات والكآبات بلسان   المجتمع ، ولكن سرعان ما تقفز إلى رجوعه إلى الاعتصام بحبل الله والتضرع إليه حينما يقف البطل أو البطلة أمام الفريق الآخر ، وهو يأتي بنصائح ثمينة وتوجيهات قيمة في ضوء التعليمات الإسلامية دون يأس وقنوط وتقوى وجودهم بذكر الثقة بالله حيث يدرى لا شيئ إلا كإيمان بالله كما هو هدف المجموعة لتقوية الإيمانيات في الزمن الموبوء وتمثيل التزامهم بالقضاء والقدر من الله . فالمجموعة مليئة بالمفردات الطبية مثل الكمامات الواقية ، والأقنعة ، والتنفس الصناعي وما إليها مع استخدام الآيات القرآنية والأدعية المأثورة بالإضافة إلى تناول التشبيه والأمثال . وتنفرد المجموعة كما نرى الاهتمام بالخط الغليظ في الفقرات المهمة وتتميز بوحدة الموضوع وتحسن الفكرة وجودة الحبكة وبلاغة الأسلوب وتنفرد من القصص الأخرى بتماسك الذروة في بداية القصص وكلها تسير في أسلوب رشيق منفعل .

* جامعة علي كره الإسلامية ( الهند ) .

[1] حكايات الكورونا ، دار ناشرى ، ص 3 .

[2] https://www.kataranovels.com/novel….

[3] المرجع السابق ، دار ناشرى ، ص 14 .

[4] https://www.diwanalarab.com/_…….

[5] المرجع السابق ، دار ناشرى ، ص 25 .

[6] https://ar.m.wikipedia.org/wiki…..

[7] المرجع السابق ، دار ناشرى ، ص 32 .

[8] نفس المرجع ، ص 37 .

[9] https://www.vezeeta.com/ar/dr/……

[10] المرجع السابق ،  دار ناشرى ، ص 44 – 45 .

[11] نفس المرجع ، ص 47 .

[12] https://ibiidipublishing.com/ar/author/104

[13] المرجع السابق ، دار ناشرى ، ص 49 .

[14] نفس المرجع ، ص 51 .

[15] https://www.diwanalarab.com…..

[16] المرجع السابق ، دار ناشرى ، ص 72 .

[17] نفس المرجع .

[18] https://culture.gov.jo/nod/59710

[19] المرجع السابق ، دار ناشرى ، ص 87 .

[20] نفس المرجع ، ص 88 – 89 .

[21] https://m.facebook.com/pages/category/….

[22] المرجع السابق ، دار ناشرى ، ص 97 .

[23] https://m.facebook.com/m.aboufarha/

[24] المرجع السابق ، دار ناشرى ، ص  99 .

[25] نفس المرجع ، ص 99 .

[26] نفس المرجع ، ص 102 .

[27] نفس المرجع ، ص 121 .

[28] https://agsiw.org/ar/associates/yas….

[29] المرجع السابق ، دار ناشرى ، ص 125 .

[30] نفس المرجع ، ص 139 .