نجاة المؤمنين : دراسة علمية في ضوء حديث : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ( الحلقة الثانية )
أغسطس 3, 2024ربوبية الله تعالى والتركيز على الآخرة
سبتمبر 2, 2024التوجيه الإسلامي :
الإسلام مستهدف لحركات الإبادة العالمية *
الإمام الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين خاتم النبيين محمد ، وآله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان ، ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين .
سادتي وإخواني !
يعلم المطلع على تاريخ الإسلام والمسلمين ، بل على تاريخ العالم أن المسلمين ؛ وبالأصح الأمة الإسلامية والدين الإسلامي استُهدفت لحركات الإبادة ، ومحاولة القضاء على الكيان الإسلامي ومستقبله ، ولكن كان ذلك بشكل عام عن طريق الهجمات العسكرية ، والزحف العسكري ، وكان من أشدها الهجوم التتاري الذي كان يهدف إلى قطع دابر المسلمين والقضاء على دولهم ، وحكوماتهم ، وقوتهم العسكرية ، وكانت غارةً شعواء قطعت الرجاء والأمل في إحباط هذه الجهود المدمرة ، والحروب المستأصلة حتى كان من الأمثال السائرة ، ” إذا قيل لك : إن التتر انهزموا فلا تصدق ” وكان يليه في الخطر والعنف الهجوم الصليبي وإن كان سابقاً على الهجوم التتاري زمناً ؛ الذي اشتركت فيه الدول الأوربية ، والقيادات العسكرية ، والدوافع الدينية ، والسياسية . وكان من أهدافها الاستيلاء على المقدسات الإسلامية ، والمراكز الدينية الرئيسية . ولكن من الحقائق التاريخية الخارقة للعادة والبعيدة عن القياس والتقدير السابق أن كلتا الغارتين الرهيبتين فشلتا في تحقيق غاياتهما ؛ وذلك لنصر الله للمسلمين ، وتهيئة أسبابه بتوفيقه لاجتماع كلمة الدعاة الربانيين المخلصين الذين أخضعوا التتار رغبةً لا رهبةً للدخول في الإسلام ، فأسلم التتار عن بكرة أبيهم ، ووُفقوا لإنشاء حكومات إسلامية قوية واسعة ، واحتضان الحضارة الإسلامية ، والعلوم الدينية ، والسيرة الإسلامية ، وأما ما يتصل بالهجوم الصليبي فكان من لطف الله تعالى ونصره للإسلام أن قيض لإخفاق هذه الغارة ومراميها وجهودها الملك الصالح المجاهد صلاح الدين الأيوبي ” وما حديث حليمة بسر ” .
ولكن مع وجود هذه الحقائق كان من أسباب إخفاق هذه الجهود المدمرة المعادية للإسلام : أنه لم يكن عند قادة هذه الهجمات مخطط عقلي عميق وأهداف تطويرية تحويلية ، إنما كانت محاولات عسكرية يدفع إليها ، ويغري بها حب الاستيلاء العسكري ، وبسط الحكم السياسي .
ولكن الواقع الرهيب الذي نواجهه ونشعر بخطره على وجود الإسلام والمسلمين كأمة ذات رسالة وعقيدة ودعوة وشرف وحرية ، هو أن الذكاء اليهودي والشطارة اليهودية ومراميها لبسط نفوذها على العالم وتحويل العالم كله – بما فيه من عقائد ، وآداب ، وحضارات ، وقيم ، ومعايير – إلى بساط للشطرنج يلعبون عليه بحرية ، ويستطيعون تحويل ما عليه من دمى ولعب ، من جانب إلى جانب آخر ، ومعاملة الجيل البشري بكل ما فيه من علماء ، وعقلاء ، وأدباء ، ومفكرين ، ومؤلفين إلى جيل خاضع للنفوذ اليهودي خضوع الدواب والجمادات ، وهذا ما جاء صريحاً وواضحاً في كتب اليهود ، وكتاباتهم [1] ، يعرفها المطلع على كتبهم ، ومخططاتهم ، ومطامعهم ، وبرامجهم ، التقى هذا الذكاء الذي يعرف به اليهود قديماً ، واستباحتهم لكل منكر ومستهجن في سبيل تحقيق غاياتهم . وقد أشار إليه القرآن الكريم إشارةً لطيفةً ، وجاء ذلك صريحاً في الكتب التي نشرت عن أهداف الصهيونية ومراميها أخيراً ، التقى هذا الذكاء والتخطيط الرهيب الدقيق المبيد للفضائل الإنسانية ، ومساعي الأنبياء والمصلحين ، وتعليمات الدين ، مع القوة المسيحية ووسائلها وإمكانياتها رغم وجود أكبر تناقض في الديانتين ، فالمسيحيون يؤمنون بأن المسيح ابن الله ، واليهود يتهمونه وأمه وينسبون إليهما ما يعلمه الجميع .
وقد احتضنت ذلك ، وتبنته بعض الدول المسيحية الغربية وعلى رأسها الحكومة الأمريكية ، وذلك بانخداع أكثرها ، ووقوعها فريسةً للنفوذ الإسرائيلي المهيمن على السياسة ، والصحافة ، والآداب ، ووسائل الإذاعة في أمريكا وخارجها ، فأصبح ذلك محاولة إبادة معنوية خلقية عقائدية بالنسبة للمسلمين بصفة خاصة ؛ لأنهم هم وحدهم أصحاب دين خالد عالمي قوي ، وأصحاب حكومات كثيرة ، ولا يزالون أصحاب قوة إيمانية ، ودوافع إصلاحية ثورية ، فكانوا هم الخطر الأكبر على هذا المخطط اليهودي المسيحي ، وعائقاً أكبر في سبيل تحقق أماني اليهود ونجاحها .
وكان من ضمن تلك الجهود والمؤامرات والمخططات القضاء على قوة المسلمين الإيمانية والمعنوية ، وفي مقدمتها محاولة القضاء على شخصية الأمة الإسلامية المميزة ورسالتها بالدعوة إلى التجرد من المبادئ الدينية ، والقيم الخلقية ، والميزات الإيمانية ، فتعيش حياةً جاهليةً كالجاهلية الأولى ، أو كحياة الدواب ، والأنعام في غابة أو صحراء .
ثم استعانت أخيراً بالدعاة ضد ” التنمية ” التي عرف بها المسلمون بصفة خاصة بفضل تعليماتهم الدينية الطبعية ، ويشكلون بذلك خطراً على الجبهة المعادية لهم ، والقوة العمرانية ، والمدنية والعسكرية ضد الجبهة اليهودية ، والمسيحية . فبدأت بعض القيادت المتآمرة والمؤتلفة ضد مستقبل الإسلام والمسلمين وقوة المقاومة التي يملكونها بإقناع بعض الحكومات الإسلامية ، والقيادات المسلمة بوضع العوائق والعراقيل في سبيل التنمية في الأقطار الإسلامية بطرق غير طبيعية ، وغير شرعية ، وغير خلقية ، هذا إلى غير ذلك من المخططات والمؤامرات الدقيقة التي تُحاك للتخلص من نفوذ المسلمين المعنوي ، والعددي ، والمبدئي ، والعقائدي .
فليكن المسلمون بصفة عامة والحكومات والقيادات المسلمة بصفة خاصة على حذر من هذه المؤامرات والمخطط التدميري ، ويكونوا على بينة من الأمر . ولله الأمر من قبل ومن بعد . وما علينا إلا البلاغ .
* محاضرة ألقاها الإمام الندوي رحمه الله في الجلسة الاستثنائية لرابطة العالم الإسلامي عام ١٤١٥هـ المصارف 1994م .
[1] ليرجع للتفصيل كتاب ” بروتوكولات حكماء صهيون ” وكتب أخرى في الإنجليزية وغيرها بقلم الكتاب اليهود والمسيحيين .