المجاهد الكبير الإمام إسماعيل بن عبد الغني الشهيد رحمه الله ( 1193هـ – 1246هـ )

عبد العزيز جاويش الشيخ الذي رفض منصب شيخ الإسلام
ديسمبر 4, 2021
عبد العزيز جاويش الشيخ الذي رفض منصب شيخ الإسلام
يناير 2, 2022
عبد العزيز جاويش الشيخ الذي رفض منصب شيخ الإسلام
ديسمبر 4, 2021
عبد العزيز جاويش الشيخ الذي رفض منصب شيخ الإسلام
يناير 2, 2022

رجال من التاريخ :

المجاهد الكبير الإمام إسماعيل بن عبد الغني الشهيد رحمه الله

( 1193هـ – 1246هـ )

بقلم : الأخ محمد سلمان خان الندوي البجنوري *

مولد الشيخ إسماعيل الشهيد ونشأته ودراسته :

ولد هذا المجاهد الكبير في هذه الأسرة العلمية العظيمة الممتازة بخصائصها ومميزاتها وتضحياتها الجبارة في ١٢/ ربيع الثاني/١١٩٣ه‍ ، وكان أهل أسرة الشيخ إسماعيل الشهيد هاجروا من بلاد العرب إلى إيران لأسباب ليست معروفةً ، وبعد ذلك سافرت هذه الأسرة إلى الهند ، واستوطنوا في قرية ” رهتاك ” بسبب احتلال التتار إيران والعراق وبسبب الفساد والقتل والدمار الذي أحدثوه فيهما [1] ، وينتهي نسبه إلى الخليفة الراشد الثاني الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه [2] وصار يتيماً في صباه ، فانتقل إلى تربية عمه الجليل الشيخ عبد القادر بن ولي الله الدهلوي ، وبدأت سلسلة الدراسة عند أعمامه الكبار الشيخ   عبد القادر ، والشيخ رفيع الدين ، والشيخ عبد العزيز رحمهم الله ، واستفاد منهم إلى مدة طويلة ، وكمّل عندهم العلوم الشرعية والعقلية ، وصار بحراً زاخرا في جميع العلوم ، وقال سعادة الدكتور سعيد الأعظمي الندوي في كتابه الشهير ” ساعة مع العارفين ” عن تعمقه في العقيدة وصلابته في الدين : ” وقد وضع الله فيه من فراسة الإيمان ورسوخ العقيدة والتصلب في الدين ما يندر في جماعة العلماء وطبقة الأتقياء كما رزقه الله تعالى من فهم الدين وعلم الباطن حظاً أوفرَ استطاع به أن يميز الخبيث من الطيب ويفرق بين الحق والباطل وبين السنة والبدعة ” [3] ، وقال العلامة الشريف عبد الحي الحسني رحمه الله في كتابه ” نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ” عن صفاته : ” وكان نادرةً من نوادر الزمان ، وبديعةً من بدائعه الحسان ، مقبلاً إلى الله بقلبه وقالبه ، مشتغلاً بالإفادة والعبادة مع تواضع وحسن أخلاق وكرم وعفاف ، وشهامة نفس وصلابة دين وحسن محاضرة وقوة عارضة وفصاحة ورجاحة ، فإذا جالسه منحرف الأخلاق أو مَن له في المسائل الدينية بعض شقاق جاء من سحر بيانه بما يؤلف بين الماء والنار ويجمع بين الضب والنون ، فلا يفارقه إلا وهو عنه راض ، وقد وقع مع أهل عصره قلاقل وزلازل وصار أمره أحدوثةً ” [4] .

جهوده في إعلاء كلمة الحق وقمع البدع والانحرافات :

إنه قضى طول حياته في إحياء السنة وترويجها بين المجتمع الإسلامي المنحرف عن جادة الحق في عصره ، وما زال ينفي عن الإسلام تحريف الغالين وانتحال المبطلين الذين يتجاوزون في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويصون التعاليم النبوية عن البدع والادعاءات الكاذبة ، وقال صاحب النزهة : ” وهو رحمه الله تعالى أحيا كثيراً من السنن المماتات وأمات عظيماً من الإشراك والمحدثات حتى نال درجة الشهادة العليا وفاز من بين أقرانه بالقدح المعلى وبلغ منتهى أمله وأقصى أجله ” [5] ، وكان بعيداً عن الدنيا وزخارفها وملذاتها ، وكان يكره أن يميل العلماء إلى الدنيا التي أغرتهم بمتعتها وشهواتها المادية فينغمسوا فيها ونسوا خالقهم ومسؤولياتهم وواجباتهم .

وإن عمه الشيخ الجليل عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي أمر ابن أخيه إسماعيل بأن يلازم الشيخ السيد أحمد الشهيد ويبايعه ، لأن الشيخ السيد أحمد بن عرفان الشهيد وخصائصه ومزاياه فاقت الخيال ولم يسبقه في ذلك الزمان ، وكان أشد الناس في العمل بالإسلام ، وأحفظهم للسنة والشريعة ، وأحسنهم في الأخلاق والتواضع والرجوع إلى الله ، وهو كان في الحقيقة نموذجاً كاملاً للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، فلازمه الشاه إسماعيل الشهيد ملازمةً كاملةً ولم يفارقه حتى وافاه الأجل ، ورزقه الله الشهادة في سبيله . فسافر معه إلى الحرمين الشريفين لأداء مناسك الحج ، ورجع معه إلى الهند ، وبذل كل جهوده وإمكانياته في الدعوة والإرشاد والنصح للمسلمين وسياحة    البلاد ، ونفع بعلمه خلقاً كثيراً لا يأتي عليه الحصر ، وقام بأعمال جليلة عن طريق إصلاح العقائد الفاسدة الشائعة بين المسلمين وتزكية النفوس وتطهير القلوب ، ورد الإشراك بالله عز وجل ، وإرشاد أهل البدع والتشيع إلى الحق والصراط المستقيم ، وشمّر لإصلاح هذا الوضع المحزن عن ساق الجد ، فهجروا البدع والرسوم الباطلة وتاب على يديه كثير منهم ، وتابوا عن الشرك والبدع والخرافات وعادات الجاهلية وشعائر الوثنية ، وقد تعطلت فريضة الحج في الهند ، ووقفت الرحلة إلى الحرمين ولم يسافر إليه أحد من مدة ، وأفتى بعض العلماء بسقوط فريضة الحج عن المسلمين في الهند على أساس أن السفر في البحر خطر عظيم للنفوس ، ” فقام الإمام أحمد بن عرفان الشهيد وصاحباه مولانا عبد الحي البرهانوي ومولانا إسماعيل الشهيد الدهلوي بحملة علمية وعملية قوية ضد هذه الفتنة العمياء . . . . . فالتهبت جمرات الشوق والإيمان الخامدة وقويت الهمم الفاترة وصار المسلمون في أنحاء الهند يستعدون للسفر ( أي الحج ) ” [6] فهكذا أحيا هذه الفريضة العظيمة التي قد تعطلت من مدة .

ومن جهوده لإصلاح المجتمع والنهي عن المنكرات أنه دعا الفتيات السافرات والمومسات المسلمات كن يجتمعن في دار للاشتغال باللهو واللذة والمزاح وإشباع رغباتهن وشهواتهن ، وذكر هذه القصة العجيبة الغريبة فضيلة الأستاذ الدكتور سعيد الأعظمي الندوي : ” ومن غريب ما يحكى في ذلك أنه ذات مرة رأى موكباً من الفتيات السافرات يتوجه إلى مكان فسأل الناس عن خبر الموكب فلما علم أن المومسات يجتمعن في دار سيدتهن للحضور في برامج اللهو ، وعندما علم أنهن مسلمات لم يصبر على هذا السفور والوقاحة وقال : إن الله تعالى يحاسبنا يوم القيامة إذا ما لم نبلغ إليهن كلمة الإسلام ولم ننههن عن سوء فعلتهن ، وماذا سيكون جوابنا ، وقال : إنني والله أذهب إلى تلك الدار التي يجتمعن فيها فمنعه بعض أصدقائه وقالوا : إن ذلك يسبب لك سوء السمعة والاتهام فأجابهم قائلاً : لا يبالي بذلك إسماعيل وحدث في نفسه لنفسه : لو خفتُ أنني أقتل في هذا السبيل وأقطع إرباً إرباً فهل أمتنع عن هذا ، وكان الجواب : كلا .

ولما أقبل الليل تنكر الشيخ إسماعيل بشكله وملابسه ، وصار كأنه بعض الدراويش إلى الباب وقرعه ، وكانت المومسات مشغولات باللهو والمزاح واللذات وعندما سمعن قرع الباب ونداء الشيخ سألن عن القارع ، فأجابهن : إنني درويش جئت لأسمعكن ندائي ، وأعرض عليكن أعمالي البهلوانية ، وفتحن الباب ، ودخل الشيخ وسأل عن كبرى المومسات وكانت تشتغل ببعض الفتيان فوق الغرفة ، ووصل إليها الشيخ وصادف لهواً ومزاحاً ومنكرات من الأمور ، وقد عرفته بعضهن وجلسن حوله بكل هدوء واحترام وسألن عن سبب القدوم .

وهنالك بدأ الشيخ وعظه بحكمة وأفاض في الحديث إلى أن كان تأثيره أقوى وأعمق ، وما هي إلا دقائق إذ انطلقت أصوات البكاء والجهش ، وساد الجو نوع من الخوف والوجل ، وانقلب الوضع ودخلت كل واحدة منهن في حظيرة الإيمان من جديد ، وبكين على حياتهن السالفة وتبن إلى الله واستغفرنه أشد الاستغفار وبايعن الشيخ ، وحينما قال الشيخ إسماعيل في الأخير ” التائب من الذنب كمن لا ذنب له ” تزوجت الفتيات من ساعتهن وعشن عيشاً هادئاً سعيداً ، أما العجائز فقد اتخذن لأنفسهن بعض المهن والحرف وسيلة للمعاش ” [7] .

مؤلفاته وخدماته العلمية :

ومن ميزاته أنه جمع بين جهاد النفس والسيف وجهاد القلم واللسان ، وبين التسبيح في المسجد والتكبير في ساحة الحرب والجهاد على صهوة الخيل ، كما قد صنف بعض الكتب القيمة التي أثرت على المجتمع تأثيراً عميقاً ، ودعت الناس المنحرفين عن الصراط المستقيم وجادة الحق إلى الإصلاح والتوبة إلى الله تعالى ، ومن مصنفاته ” الصراط المستقيم ” ” رد الإشراك ” ” حقيقة التصوف ” ” تنوير العينين في إثبات رفع اليدين ” ” رسالة التوحيد ” ” إيضاح الحق الصريح في أحكام الميت والضريح ” ، وقال المؤرخ الإسلامي العلامة عبد الحي الحسني في كتابه الشهير : ” أما مصنفاته فهي عديدة أحسنها كتابه ” الصراط المستقيم ” بالفارسية ، جمع فيه ما صح عن شيخه السيد الإمام قولاً      وفعلاً . . . ومنها ” إيضاح الحق الصريح في أحكام الميت   والضريح ” في بيان حقيقة السنة والبدعة ، ومنها ” منصب إمامة ” في تحقيق منصب النبوة والإمامة وهو مما لم يسبق إليه ، . . . ومنها ” سلك النور ” مزدوجة له بالهندية ، ومنها ” تقوية الإيمان ” كتاب له مشهور بالهندية ، وهو ترجمة الباب الأول من رسالته في رد الإشراك ” [8] .

الجهاد في سبيل الله والشهادة فيه :

وكان قد اهتم بالقوة والشجاعة من البداية ، وجهز نفسه للأعمال الصعبة ، وزوّدها بالرماية والفرسان ووسائل الدفاع والسلاح ، وشغف بالتربية الحربية والأسلحة المختلفة والجهاد في سبيل الله واستعداده ، ومَن لا يعلم بأنه رزقه الله الشهادة في سبيله ، وأنه قد صحب الإمام السيد أحمد الشهيد ودخل جيشه وصار وزيراً للأمير السيد أحمد الشهيد وحمل لواء الجهاد ضد جيش السيخ والإنكليز ، واقتحم في المعارك المختلفة تحت إمارة أمير المؤمنين السيد أحمد الشهيد رحمه الله ، وقال المفكر الإسلامي الإمام السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله في كتابه ” إذا هبت ريح الإيمان ” : ” وأسس هؤلاء المجاهدون دولةً شرعيةً في الحدود الهندية الشمالية الغربية تشتمل على بشاور وما جاورها من البلدان والقرى ونفذوا الحدود الشرعية وطبقوا النظام الإسلامي المالي والإداري تطبيقاً دقيقاً ، ولكن ثارت عليهم القبائل التي تقطن الحدود لمصادمة هذا النظام لمآربهم الشخصية وعاداتهم الجاهلية فقلبوا هذا النظام ، ثم اصطدم المجاهدون بجيش السيخ في وادي ” بالا كوت ” فاستشهد الإمام أحمد وصاحبه الشيخ إسماعيل وكبار أصحابهما في ٢٤ من ذي القعدة عام ١٢٤٦ه‍ / ٦ من مايو/ عام ١٨٣١م ” .

هذه نبذة من حياة بطل الإسلام ، المجاهد الكبير ، العالم النحرير مولانا الشيخ إسماعيل الشهيد رحمه الله تعالى ، وهي تلقي نظرةً عابرةً على حياته المليئة بأعمال رد الشرك والبدع وإعلاء كلمة الجهاد في سبيل الله ، وبث روح الحياة الإيمانية والنشاط الإسلامي وحب السنة المحمدية في جميع أوساط المسلمين في سائر أنحاء البلاد حينذاك ، إضافةً إلى ذلك يتبين من خلال مجهوداته العلمية والدعوية أن الحركة الجهادية على منهاج السنة والخلافة الراشدة في القرن الثالث عشر الهجري قامت بإحياء السنة المطهرة والجهاد الإسلامي وإبقاء الشعائر الدينية والقضاء على الشرك والبدع والانحرافات وتجديد تعاليم الدين الإسلامي في أحوال الردة العقدية والعملية المتفشية في مجتمعات المسلمين  الهندية ، ولا شك في أن بقاء الدين مع روحه الأساسية وثقافته المتميزة وتعاليمه الصحيحة المصونة من تأثيرات العقائد الباطلة الهندوسية والبدع الشائعة في المسلمين رهينة بهذه الحركة الجهادية الكبيرة وجهود رائدها العظيم السيد الإمام أحمد بن عرفان الشهيد وزملائه الكبار من أمثال المجاهد الكبير مولانا الشيخ إسماعيل الشهيد والواعظ المنقطع النظير مولانا عبد الحي البرهانوي رحمهم الله أجمعين .

* أستاذ بدار العلوم لندوة العلماء ، لكناؤ .

[1] ذكر الشاه ولي الله الدهلوي ، للدكتور تاج الدين المناني ، ص ١١ .

[2] تذكرة الشهيد الشاه إسماعيل ، للشيخ محمد حنيف ،  ص ١٧ .

[3] ساعة مع العارفين ، للدكتور سعيد الأعظمي الندوي ، ج 1 ، ص ١٤١ .

[4] الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام ، للعلامة الشريف السيد عبد الحي الحسني ،      ج ٧ ، ص ٢٧ .

[5] المصدر نفسه ، ص ٢٩ .

[6] إذا هبت ريح الإيمان ، للعلامة السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، ص ٣٠ .

[7] ساعة مع العارفين ، للدكتور سعيد الأعظمي الندوي ، ج ١ ، ص ١٤٣ – ١٤٤ .

[8] الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام ، ج ٧ ، ص ٣٠ .