الكثافة السكانية : سنة إلهية أو ناقوس خطر للإنسانية

بيغاسوس : أشد خطراً على المجتمع الإنساني
أكتوبر 12, 2021
معاداة العربية نوع جديد من الشعوبية
ديسمبر 4, 2021
بيغاسوس : أشد خطراً على المجتمع الإنساني
أكتوبر 12, 2021
معاداة العربية نوع جديد من الشعوبية
ديسمبر 4, 2021

صور و أوضاع :

الكثافة السكانية :

سنة إلهية أو ناقوس خطر للإنسانية

محمد فرمان الندوي

يتزايد عدد السكان في هذه الأرض ، فيتشكل انفجاراً سكانياً ، وتضخماً عددياً ، فتواجه كل دولة أزمةً سكانيةً ، وتضمر في داخلها تخوفات من قلة المواد الغذائية ، وفقدان وسائل المعيشة ، فتعقد اجتماعات ، وتسن تشريعات ، وتشرع قوانين ، للحد من التصاعد السكاني ، لكن الأمر يزداد خطورةً وتفاقماً ، وقد بلغ الآن عدد السكان الأرضي إلى أكثر من سبعة مليارات ونصف ، بينما يتراوح عدد المسلمين ملياراً ونصف مليار ، فهم ربع سكان الأرض .

الرقي البشري منوط بالكثافة :

كان المفكر الغربي ” مالتس ” هو الذي خوّف العالم كله بزيادة النسل من انتشار المجاعة والقحط ، وقدّم فكرة تحديد النسل ، وشاعت فكرته في أقطار الشرق والغرب ، لكن تلاميذه والذين أتوا بعده من الخبراء الاقتصاديين لم يستسلموا لهذه الفكرة ، وكشفوا زيفها وضعفها أمام الناس ، فالمفكر الغربي ” آدم سميث ” ، وهو يسمى أبا الاقتصاد ، يقول : إن النمو السكاني سبب من أسباب التقدم الاقتصادي ، وقال ” هربرت سبنسر ” : إن زيادة السكان تؤدي إلى زيادة الرقي البشري ، وقال ” آرثر يونج ” : إذا كانت الحاجة إلى العمالة في عصرنا هذا أكثر من ذي قبل ، فإن عدد السكان الإجمالي يجب أن يكون أكبر حجماً ، وقال ” برليس ” في كتابه ” القنبلة الذرية ” : إن العالم يواجه كارثةً إذا تقلص نموه السكاني . ( تحليلات : الشيخ علي القاضي من القاهرة ) .

ومن المفارقات العجيبة أن الغرب قد حرّر رجاله من نظام الزواج كلياً ، فهم يتمتعون بالمتع والأسباب المادية ، ويستلذون بالحياة الدنيوية ، ويتناكحون ويتناسلون بحرية وإطلاق ، ويسببون إلى زيادة النسل ، وهو أسلوب التقدم في الغرب نظراً إلى أقوال مفكري الغرب ، لكنه قد فرض على الشرق فكرة تحديد النسل إنذاراً بقلة المواد الغذائية وعدم توافر وسائل الاقتصاد ، وحكراً لسياسة العالم لأنفسه ، فلا شك أن الغرب له وجهان : وجه لسكانه ، ووجه آخر للشرق ، وهو غير موافق للعقل والمنطق ، يخفض الغرب من سكان العالم الإسلامي ، ويزيد من نسبة سكانه ، ويعمل جاهداً في زيادة النسل ، ليبقى متربعاً على سدة الحكم ، وقد عُرف أن انحطاط فرنسا لم يكن من قلة الإمكانيات ، بل من قلة عدد السكان والأطفال ، رغم أن العالم الإسلامي يملك من الوسائل والذخائر ما يتكفل سكانه بالمعيشة الرغيدة ، وقد ظهرت نتائج تكتيك الغرب بالعكس ، وحصل له ولزعمائه الخيبة والخسران ، وَمَكَرُواْ ، وَمَكَرَ ٱللَّهُ ، وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ ( آل عمران : 54 ) .

ألا له الخلق والأمر :

ليست هذه القضية تُثار أول مرة على مدى التاريخ ، بل ثارت منذ مدة مديدة ، فصدرت ردود شافية ، وحلول مقنعة على طاولة النقاش ، لكن أدعياء النظام الغربي لم يقتنعوا بها ، وبدؤوا يجترون كل ما قاله بنو جلدتهم من الثائرين ضد الطبيعة البشرية ، الواقع أن الله سبحانه هو خالق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، وهو الذي يملك الخلق والأمر ، فكما أنه خلق هذا الكون جميلاً رائعاً ، ينظر الناظر فيه فيندهش ، ويتحير من عجائب قدرة الله تعالى ، ويقول : صنع الله الذي أتقن كل شيئ ، كذلك كان نظام هذا الكون معتدلاً ومنسقاً ، وتحت خطة مرسومة رسمها الله سبحانه وتعالى ، فهو ليس صُدفةً أو مفأجأةً ، بل هو تقدير العزيز العليم ، الذي خلق فسوى ، والذي قدَّر فهدى ، فحينما خلق الله الخلائق ، فقدر لهم كل ما يحتاجون إليه من النعم الظاهرة والباطنة ، قال تعالى : ( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ   كَفَّارٌ ) ( إبراهيم : 34 ) .

خلق الله السماوات سبعاً والأرضين سبعاً ، وأنشأ في كل منها خلائق لا تُحصى ولا تُعد ، وقد تكفل الله تعالى بأرزاق جميع الدواب في هذا الكون ، ومما يبعث على العجب أن صخرةً كبيرةً تكون في داخلها صخرة صغيرة ، وفي باطن الصخرة الصغيرة دودة حية يرزقها الله تعالى بمنه وفضله وكرمه ، ولا يقتصر تقسيم الأرزاق على أساس الكفر والإيمان ، ولا توزيع الوجبات على دعائم الأبيض والأسود والأحمر والأصفر ، بل شملت أرزاق الله تعالى جميع الخلائق سواء آمنت به أم لم تؤمن ، ولم يشترط في ذلك العقل وغير العقل ، والكياسة وعدم الكياسة ، وإلى ذلك أشار الشاعر العباسي أبو تمام فقال :

ينال الـــفـــتــى مــن عــيشــه وهــو جاهل   ويُكدي الفتي في دهره وهو عالم

ولو كانت الأرزاق تجري علــى الـحجـا    هـــلكن إذاً مـــن جــهــلــهـن البهائم

وقد قال الله تعالى : ( كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ) ( الإسراء : 20 ) ، ودل الحديث دلالةً واضحةً على أن أربعة أشياء تُكتب للإنسان حينما يكون في بطن الأم في صورة الجنين : يُكتب له رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ( صحيح مسلم ، رقم الحديث : 2643 ) ، فلا حذر من تزايد العمران واتساع نسبة السكان ، وقد ضمن الله تعالى لا للإنسان فقط ، بل لكل دابة الرزق ووسائل المعيشة ، قال تعالى : وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ( هود : 6 ) ، لكن ليس معنى منح الله الرزق أن نتواكل ونجلس مكتوفي الأيدي ، مترقبين للمائدة الربانية ، بل معناه أن ننتشر في الأرض لابتغاء فضل الله تعالى ، وهذا الكسب والعمل والكفاح فريضة بعد فريضة الله تعالى .

موقفان نحو الاقتصاد والنفقة :

هناك موقفان في شأن الاقتصاد والنفقة ، الموقف الأول أن الأمة التي حُرمت الإيمان بالله ، إذا فشلت مساعيها في كسب المعاش والاقتصاد اضطرت إلى الانتحار ، وقتل الأولاد ، وتحديد النسل ، وقد نشأت في شبه القارة الهندية جماعة تنادي بتحديد النسل تفادياً من قلة النفقة ، وتفرض الجهات السياسية نظاماً لتحديد الأطفال ونسخ قانون تعدد الزوجات ، فإن هذه الفئة تكون عميلةً للاستعمار الذي يريد تقليل نسبة سكان الشرق حتى تستمر سيطرته عليه ، والموقف الثاني هو أن الأمة المؤمنة كلما قلت مواردها المالية اتخذت طريقاً آخر لجلب الأرزاق وكسب المعاش ، وطلبت من الله تعالى مغفرة الذنوب ، لأنها هي أجدى طريق إلى طلب الرزق ، وقد كان في زمن نوح عليه السلام القحط والجدب ، وعانى قومه هذه المشكلة ، فأمرهم نوح عليه السلام بالاستغفار ، وهو خير تدبير لزيادة الأرزاق ، وسقى المزارع والحقول ، قال تعالى بلسان نوح عليه السلام : فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ، إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً . يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً . وقد عاتبهم الله على عدم الاستغفار بقوله : مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ( نوح : 10 – 14 ) .

قلة المواد الغذائية نتيجة للمعاصي :

فإن فكرة إجهاض النسل كحل للأزمة الاقتصادية وعلاج لقلة الموارد الغذائية سخرية من الدين واستهزاء لتعاليم الإسلام ، ونوع من الاستعمار الذي يهدف إلى دفع الأمم غير المتقدمة إلى مزيد من الذل والخسف ، فكما أن الدول المتقدمة لا ترى أن يتقدم الشرق في التكنولوجيا والصناعات ، كذلك لن ترضى أن يتزايد عدد سكانه ، إن قلة الرزق والمال لاعلاقة لها بزيادة العمران ، وكثرة عدد السكان ، بل هو نتيجة للمعاصي والعدوان الذي يرتكبه الإنسان ، فيعذبه الله العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون . وأما ما يوجد من تخوفات وشبهات من زيادة الكثافة السكانية فهو اتهام شنيع بعدم قدرة الله تعالى ، فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين .