الافتتاحية : 

الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم مؤامرة عالمية ضد الإسلام والمسلمين !
سبتمبر 14, 2020
سِتُّ آيات ، ونبوة قرآنية في سورة الروم !
نوفمبر 10, 2020
الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم مؤامرة عالمية ضد الإسلام والمسلمين !
سبتمبر 14, 2020
سِتُّ آيات ، ونبوة قرآنية في سورة الروم !
نوفمبر 10, 2020

بسم الله الرحمن الرحيم

واقعنا المعاش في الأوضاع الحاضرة !

العالم البشري بجميع أنواعه وأقطاره يعيش اليوم وضعاً شاذاً من القلق والاضطراب ، ذلك لأن المؤامرات التي نسجت خيوطها في الظلام بكل دقة وخفاء ، ضد الإسلام والمسلمين بوجه خاص ، وفي زوايا  مستورة ، تكشفت وباءت بالفشل ، كانت جماعة من الزعماء المزعومين اتفقت على قطع دابر الإسلام من خلال معالجة المشكلات الوبائية وإعلانها على جميع المستويات العالمية مع استهداف أسس الدين الإسلامي مما يميز بين أمة الإسلام وغيرها ، ويجعلها أمة الحكم والقيادة    العالمية ، ويفتح لها الطريق إلى السعادة الدائمة الخالدة ، بأداء أركان الإسلام من خلال أعمال نابعة من معين الإيمان الراسخ والعمل الخالص ، الذي يمثل صورةً صادقةً لخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله .

هؤلاء الزعماء المزعومون كانوا قد اتفقوا على إخراج هيبة الإسلام من القلوب وإبطال تعاليمه على المستوى العالمي ، ومن ثم اجتمعوا في نطاق محدود بكامل السرّية وتوصلوا إلى وضع خطة خفية وسرّية تهدم أسس الدين الإسلامي من أركانه الأساسية بحكمة ودقة ، وتقليل شأنها تدريجياً ، بتخريب المساجد والمعابد وإزالة قدسيتها من القلوب ، وبالتمزيق الجماعي في مراكز التعليم والتربية والدعوة والبلاغ زاعمين أن هذا هو الطريق الأيسر لإبعاد هذه الأمة من مركزها الأساسي وزحزحتها تدريجياً عن أصول العقيدة الإسلامية ، ونبش جذورها من قلوب   المسلمين .

لذلك فإن الغرض الوحيد من هذه الاتفاقية كان يدور حول إضعاف أعضاء الأمة عن أداء واجباتهم ، وبذلك سيفقد الإسلام أهمية ذلك الأساس المتين الذي تقوم عليه دعائم هذا الدين ، وسينهار في يوم من الأيام ، ولكنه حلم لم يتحقق منذ أن جاء الإسلام ولا تزال ساحته العلمية والعملية تتوسع للناس جميعاً وللعالم أجمع ، ويدخل الناس في دين الله أفواجاً مع مرور الأيام والليالي ، يقول الله تعالى : ( إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً ) .

لقد كان كتاب الله تعالى القرآن الكريم الذي أنزله سبحانه وتعالى كآخر رسالة للإنسانية بصورة دائمة عن طريق خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وكآخر حرف لا يتغير ولا يفقد روعته وجلالة شأنه مهما تغيرت الأوضاع ، وتبدلت المجتمعات الكونية وحدثت الثورات في الفكر والعمل ، ومنحى الحياة والإنسان ، ذاك أن القرآن ليس كتاب ديانة أو نظرية موقتة ، وليس قانوناً تتناوله الأيام والليالي بالأهواء ، بل إنه دستور سماوي خالد يدوم مع حقيقته الباقية في كل زمان ومكان إلى يوم الدين ثم يرفعه الله سبحانه إلى ظل عرشه ، ولا يزول أبداً بتعاليمه وتوجيهاته الربانية ، ولا يملكه إلا رب السماوات والأرض ، يقول الله تعالى : ( قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) .

فهل تكون شريعة السماء الخالدة المنزلة من رب الكائنات على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم قابلة للتغيرات الزمنية ؟ كلا : إنها شريعة الله تعالى الخالدة للجن والإنس والكائنات كلها تحت رقابة إلهية دائمة ، ويعيش في ظلالها كل ما في العالم من كائن ، وهي تحوي جميع الشئون الظاهرة والباطنة التي خلقها الله سبحانه وتعالى بقدرته    الكاملة ، وهي ليست إلا نموذجاً صغيراً وفق مدارك البشر ، ومن يستطيع أن يتصور آفاق الخلق والأمر وأسرارها الخافية وراءها إلا أولو الألباب الذين ذكرهم الله تعالى في آية من كتابه : ( إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَـاۤيَاتٍ لِّـأُوْلِى ٱلأَلْبَابِ . ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هٰذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) ، وقال في آية أخرى : ( لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) .

فمن هؤلاء الغافلون عن التفكر في سر هذا الكون ويزعمون أنهم يملكون العالم البشري ويستطيعون أن يتناولوه بعقولهم الحقيرة وسياستهم الرخيصة ، ويحكموا الشرق والغرب والجهات العالمية كلها بما شاؤا من تنفيذ أهوائهم ، ويعلنوا فجاءةً أن العالم كله تحت خطر كبير من ” فيروسات ” غير مرئية ، وهي تهدد حياة الإنسان بوجه خاص وتتولى زعزعة النظام الحيوي والنشاط الطبيعي الذي يتميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات التي لا تتقيد بتبعية خاصة مثل الذي خلقه الله متقيداً بأغراض سامية وأكرمه بالعقل والشعور وجعله محور التقدير السماوي ومركز الطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ( وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ ) .

أليس ما نعيشه اليوم من أحوال شاذة وظروف قاسية من خلال عقاب سماوي أقلق العالم بكامله ، وتخلل بين النظام العادي المعاش ، وقد استمر على ذلك ما يقارب نصف عام ، أليس ذلك كله إنذاراً من رب السماوات والأرض للكائن البشري الذي يعيش في غفلة عن الغرض الذي خُلق من أجله ، إنه يقول : ( يا أَيُّهَا ٱلإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ . ٱلَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِيۤ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ . كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ . وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَاماً كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) .

ولكننا نحن الإنسان قد أغفلنا هذه الحقائق السماوية وعشنا في أرض الله تعالى وبين نعمه وجوائزه الكثيرة التي لا يأتي عليها الحصر ، وكأننا نحن القادرون على كل ذلك ، ولنا سلطة واسعة على جميع ما خلقه الخالق العظيم في هذه الكائنات من وسائل ووسائط لكي نعيش في مرضياته ونستمد منها القوة على أداء شكره ، ونذكره من غير توقف ومن غير تأخير في التفكير في نعم الله تعالى التي خلقها لاستمرارية البقاء بالجمع بين حسنة الدنيا وحسنة الآخرة مستمدين بذلك أداء حق العبادة التي صرح بها سبحانه في كتابه العظيم فقال : ( وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ . مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ . إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ ) .

ولذلك فإن اتهام الناس بمثل ما يتصرف به الله سبحانه في الكائنات البشرية بالأمر والنهي ، وبالعقاب والجزاء ، أو بتغيير الظروف المعتادة بظروف قاسية ، لن يجوز بأي ناحية وليس لذلك أي مجال لأفراد المجتمعات الإنسانية ، أما المسلمون المخلصون وخاضعون أمام الأوامر والنواهي في كل زمان ومكان وفي جميع الظروف والأحوال ، فإنهم لا يتضايقون بما يقدره الله تعالى من ظروف طارئة ، ولا يعتقدون أنها من فعل الحكومات والفئات المتمردة ، بل الواقع أنهم يرجعون كل الأمور المستجدة أو العادية القديمة إلى مصالح خالق الأكوان رب العالمين ، ويلتجأون في كل حال إلى ربهم الكريم ويطالبونه بما هو أصلح للناس جميعاً .

ومن ثم لا ينبغي أن نوجّه إلى الآخرين مسئولية عقاب ” كورونا ” الذي يشمل العالم البشري الآن ، بل يجب أن نستغفر ربنا من ذنوبنا وسيئاتنا ، ونستجدي منه الحسنة في كل مكان والاهتداء الكامل إلى أداء الواجبات التي فوضها إلى أفضل خلقه الإنسان ويأمره بأن يقول   دائماً : ( سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ ) .

جاء فيما رواه البخاري رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : يتقارب الزمان وينقص العمل ، ويُلقى الشحّ ، وتظهر الفتن ويكثر الهرج ، قالوا : يا رسول الله أيما هو ؟ قال ، القتل ، القتل ( كتاب الفتن ، رقم الحديث/ 7061 ) .

أليس في هذا الحديث النبوي الصحيح دليل بين على الظروف التي نجتازها في هذه الأيام ، وإشارة صريحة ترمز إلى ما يتوافر في المجتمعات البشرية المعاصرة في كل مكان ، من تقارب الزمان ، وتناقص العمل ، وانتشار الشح ، وظهور الفتن من كل نوع ، وكثرة الهلاك ، وقتل بعضهم البعض .

وفي مثل هذه الأهوال والمخاوف يجب أن نمثل الإسلام وتعاليمه على جميع المستويات وفي جميع الساعات التي تمر بنا من غير تأخير في أداء الواجبات والفرائض التي تعود إلينا في ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبدون تريث في النتائج التي أبعدتنا عن طريق القصد والعدل ، وجعلت حياتنا أقرب إلى ” الهرج ” الذي أشار إليه رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم في أقواله الصريحة ، ونشاهد آثاره في العالم الذي نعيش فيه اليوم . ( فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) .

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

سعيد الأعظمي الندوي

24/1/1442هـ

13/9/2020م