أفضل الخلق في قاعة الامتحان

الأمة الوسط وشهادتها على الناس
مارس 1, 2020
ينتظرون الفشل الكامل في إذابة الإسلام
يوليو 21, 2020
الأمة الوسط وشهادتها على الناس
مارس 1, 2020
ينتظرون الفشل الكامل في إذابة الإسلام
يوليو 21, 2020

الافتتاحية :                   بسم الله الرحمن الرحيم

أفضل الخلق في قاعة الامتحان !

ليست هذه الكائنات الواسعة التي تشمل وجود الإنسان ، وبالتالي جميع ما يحتاج إليه للعيش فيها ، من حوائج الحياة والوسائل اللازمة ، كالأرض والسماء والبحار والجبال ، التي تتسع بما لا يكاد يتصوره العقل البشري ، رغم الإمكانيات التي تتوافر للتوصل إلى آخر درجة من التطورات والاكتشافات التي يشير إليها العقل ويمهد الطريق للتفكير في إنتاج الحاجيات الإنسانية التي تبلغ بأفضل خلق الله إلى تحقيق الأحلام من كل نوع ( إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً . إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) .

إذن فإن ميزة السمع والبصر مع التعقل المتميز ، رفعت قيمة الإنسان بإزاء المخلوقات الأخرى ، وذلك هو الحد الفاصل بين الإنسان وغيره ، فإن عرف هذه النعمة التي لا يساويها شيئ بإزائها وخضع أمام الله سبحانه بعواطف الشكر والغبطة فإنه أدرك سبيل العز والسعادة في كل مكان ،بالعكس من العبد الكفور ، كما هو الشأن في كل فترة من تاريخ الإنسان ، ولولا ذلك الحد الفاصل بين هذا الجنس ، لما كان هناك مقياس للنجاح ، والرسوب في هذه القاعة الاختبارية العالمية التي خلقها الله سبحانه مع خلق الإنسان السميع البصير من النطفة المختلطة ، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحقيقة الناصعة بقوله في كتابه الدائم العظيم : ( يا أَيُّهَا ٱلإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ . ٱلَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِيۤ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ ) ، وقال : ( إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ . وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ . يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ . وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ ) ، وقد توزع الأبرار والفجار بين فئات وديانات ومذاهب غير طبيعية أو ديانات منسوخة ، فوزعهم بين الضلالات والفئات المغضوب عليها ، وبين الجماعات المنعم عليها بالصراط المستقيم ، وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي اختارها الله تعالى كآخر أمة باقية بتعاليم الإسلام ونشرها وتقديم نماذج عملية منها ، وهي ترافق هذه الأمة وتساعدها على أداء واجبها إلى يوم القيامة ، ذاك أنها تعاليم شاملة كاملة خالدة باقية مع بقاء العالم البشري في هذه  الكائنات ، وهي الأمة المثالية النموذجية تمثل غناء الدين الإسلامي بجميع كلياته وجزئياته ، وتفاصيله المعيشية ونشاطاته المطلوبة وأعماله الصالحة المأمور بها بصورة دائمة ، فكانت أمة البناء والعطاء ، وأمة الدعوة والحب والمعروف والوداد ، وذلك ما يقول الله سبحانه : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ) ، وقال :    ( لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ ) ، فأين أصحاب الجنة من أصحاب النار ، إنما هم الصحابة والتابعون ومن تبعهم من العلماء والدعاة والمحدثين ، ونعوذ بالله من أصحاب النار ، ويا ليت بذلنا جهود القلم والدعوة المخلصة لله تعالى في مجال تحويلهم إلى أصحاب الجنة ، وذلك هو الفوز العظيم .

ومن ثم تولت الأمة قيادة العالم من جميع النواحي العلمية والدينية والمعيشية وأدت حق القيادة في ضوء تعاليم الكتاب والسنة حتى أدرك الناس على المستوى العالمي أن هذا الدين وحده لكفيل بالأمن والسلام والرخاء ، وأنه يحمل حل كل مشكلة وعلاج كل ما يتجدد من القضايا الإنسانية في أي ركن من العالم عن طريق الدعوة إلى الله ولفت الأنظار إلى ما تحتوي عليه الشريعة السماوية من بيان واضح للأساليب البناءة للحياة في جميع الظروف والأوضاع التي تواجه العالم ثم تغنيه عن عنت البحث والتوصل إلى منابعها الطبيعية الأصيلة ، وما هي إلا الابتعاد عن كل نوع من الشرك والغفلة عن ذلك الأساس الذي تقوم عليه حياة    المسلم ، وهو الإيمان الراسخ بالتوحيد والرسالة ، ولنقرأ بالمناسبة آيات من سورة لقمان التي تشمل معالم الدين الصحيح والتربية الإسلامية للأفراد والجماعات ومحاربة البدع والخرافات وتعددية الإله الواحد   القهار :

( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ ِلابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) ، ووعظه بالشكر لله سبحانه وللوالدين ، فإذا أصرّا على الشرك فلا طاعة لهما في أي حال ، إذ لا يخفى على الله تعالى شيئ مما نهاه عنه وقد نهاه عن الكبر والاختيال والمرح والتفاخر ، وأمره بالاعتدال في المشي وخفت الصوت ، فأول شيئ نهاه عنه إنما هو الشرك الذي يهدم بناء الحياة والإنسان والمجتمع ، وتتبعه أمور لا تكتمل الحياة الإسلامية  بدونها ، ولنقرأ الآيات بأتها :

( يا بُنَىَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى ٱلسَّمَاوَاتِ أَوْ فِى ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ . يٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ . وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ . وَٱقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ ) .

إن دراسةً متأنيةً في هذه الآيات القرآنية تفتح لنا أبواب الحياة الناجحة في خضم هذه المجموعات البشرية وتضع إشارات مهمةً ذات أساس عميق إلى ما يجب أن يهتم به الإنسان في حياته ويضع الحجر الأساسي الداخلي العميق كأول حجر ( لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ      عَظِيمٌ ) ، هذا هو الداء الخطير الذي أصيب به الإنسان الجاهلي واضطر إلى نحت الحجر والشجر بصورة المساعدين الأساسيين الذين يؤدون دوراً أساسياً في تنفيذ قدرة الله تعالى ، وقد تغير هذا الطريق في الحضارات اليومية والمدنيات المعاصرة بالاختراعات العلمية والصناعية والتقنية الحديثة ، فإن الناس يعتبرون القائمين والمخططين لها مثل الآلهة بل ويزيدون من شأنهم ويسمونهم آلهة الاختراعات والتقنيات الحديثة ويعاملون معهم معاملة الإله الذي يملك الكبرياء ويفتح لهم مسالك جديدة للعلم والاختراع الحديث الغير المرجو من قبل .

إن دراسة أوضاع مجتمعاتنا تبين لنا بكل وضوح أن اتجاهات الفخر والرياء والمرح اتسعت فوق طاقة النطاق ، ووصلت عدواها إلى منابع الإيمان ومراسخ العقيدة بكلمة الإسلام الأساسية ، وأصبحت متحررةً عن توجيهات الدين إلى مدى لا تمييز فيه بين المجتمع المسلم وغيره ، أفلا يمارس المنكر في كثير من شئون الحياة دون وازع إيماني ومن غير تريث خلقي عام !؟ ألم يعد هناك ما يمحو كل الفروق والامتيازات بيننا وبين ذلك النوع البشري الذي يحارب مراكز الإسلام ويعتبر أهله سفهاء ، لا يعرفون آداب الحياة ويعيشون كالأنعام ، كأنهم يطبقون عليهم ما جاء في كتاب الله من وصفهم الصريح ( لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ ) يطبقونه على مجتمعات المسلمين ، ولا يقيمون لأهلها أي وزن في موازين الهدى والعقل ، والذكاء وتميزات البصر والسمع بل يعتبرونهم مثل  الأنعام ، بل أضل منها ممن يعيشون في غفلة غافلة لا غفلة فوقها .

أما الإنسان في عالمه البشري فقد توزع بين النوعين : المؤمن والكافر مع وجود بني آدم على ظهر الأرض ، فهذا فرعون الطاغية الذي أعلن بأنه الرب الأعلى وحارب موسى عليه السلام ولم يرض بالإيمان بالله سبحانه وتعالى وبذل جميع طاقاته في نشر هذا المنكر ، وإجبار بني إسرائيل على الاعتراف بربوبيته ، ولكن كان في أسرته الخاصة مؤمن بالله تعالى صادق في إيمانه وداعية للناس إلى الإيمان بالله الواحد الأوحد وإن كان يكتم إيمانه ولكنه قد عيل صبره على الظلم ولم يتمكن إلا الإعلان عن مخالفة فرعون حينما أراد قتل موسى عليه السلام ، ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ) هنالك تفجر ينبوع الإيمان في قلب الرجل المؤمن وقال ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّىَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ) ، وقد استمر في دعوته إلى الإيمان بالله تعالى بأساليب متعددة نقرؤها في سورة المؤمن من كتاب الله تعالى ، كما كانت امرأته مؤمنةً بالله تعالى دون خوف من فرعون وعمله ، داعية إلى الله تعالى ، وقد جعلها الله تعالى مضرب المثل للذين آمنوا حينما قال : ( وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ  ٱلظَّالِمِينَ ) .

وهكذا جعل الله تعالى الإنسان بين ضدين ، وأثاب كل واحد منهما بما كان يستحق من مثوبة كريمة أو عذاب أليم ، وقد صرّح بذلك فقال : ( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ) ( الشورى : 20 ) ، فلا يمكن أن يتساوى إنسان الآخرة بإنسان الدنيا ، الذي يعيش لمدة في دنياه ويموت ثم يُرزح تحت عذاب جهنم باستمرارية وشقاء ، جزاء للكفر والشرك ، ( فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ . وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ . أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ) .

وعلى هذا الميزان يأتي كل إنسان بعمله وبدعائه وبإقباله على خالقه العظيم ، بصالح الأعمال وبما يرتضيه من حسنات الحياة الدنيا ، وبما يطلبه من مثوبات الحب والعطاء الرباني الكريم في آخرته ، لكن العبد حينما يتجاوز الحدود الطبيعية ويتحدى قدرة الله الجبار ، من خلال بعض إنجازاته ويتناسى أن هناك قوة خارقة غير مرئية تراقبه كل حين وآن بكل ما يشتغل به وتهواه نفسه دون مراقبة أو اطلاع عليه من جهة فلا خوف عليه ولا حزن ، فكل من يقوم بمثل هذا العمل ويتكل على نفسه الضعيفة ، تتربص به الدوائر من غير إنذار سابق وتحيط به من كل  جانب .

إن ما حدث في الأيام الماضية من المخاوف المرعدة من فيروس غير مرئي على المستوى العالمي سوف لا يزول لمحاتها الصعبة وتأثيراتها السيئة التي استهدفت العالم كله بكل سهولة ، بل وتخلد في ذواكر الإنسان المعاصر إلى مدة طويلة وتكون جزءاً خاسراً وباباً مؤلماً في تاريخ الإنسان المعاصر .

( وَٱلْعَصْرِ . إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ . إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ ) ، صدق الله العظيم .

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

سعيد الأعظمي الندوي