أحكام الطلاق للأقليات المسلمة

المذهب المالكي : مصادره ومراجعه
فبراير 7, 2022
المذهب الحنبلي : مصادره ومراجعه
مارس 15, 2022
المذهب المالكي : مصادره ومراجعه
فبراير 7, 2022
المذهب الحنبلي : مصادره ومراجعه
مارس 15, 2022

الفقه الإسلامي :

أحكام الطلاق للأقليات المسلمة

الأستاذ عبد الشكور بن عبد القادر الوافي *

الإسلام منهج كامل للحياة . وسعته أحكام وقواعد على سبيل الحق والعدل . وهذه الأحكام لم تتمّ مع تنظيم العلاقة بين الأفراد وخالقهم ، بل تعدى ذلك بتنظيم شؤون الحياة والعلاقات الاجتماعية بين المسلمين بعضهم مع بعض ، وبين المسلمين ومخالفيهم على نحو ، لم يعرف أحد مثيلاً ولا شبيهاً له . ولما كانت الدولة الإسلامية واسعةً لا تميد طولاً ولا عرضاً ، لتشمل من لا يقيم تحت سلطتها ، وهم بطبيعة الحال أكثرهم كافرون ، فقد قسّم فقهاؤنا العالم إلى دارين : دار الإسلام ودار الكفر .

وكان بديهياً أن يوجد المسلمون في دار الكفر بعيداً عن إشراف الدولة الإسلامية وهيمنة أحكامها لظروف اقتضت ذلك . من حيث إنّ هؤلاء المسلمين أقلّيّاتُ دارِهم بالإضافة إلى مخالفيهم ، فكانوا خاضعين لقوانين وأحكام  تلك الدّار غير الإسلاميّة .

قد شرع الله سبحانه وتعالى قواعد وأحكاماً تتعلق بحياة المسلمين الدينية وحياتهم الدنيوية . وهذه القواعد والأحكام كلّها مشروعة على كلّ المسلمين في سائر أنحاء العالم . ولكنّ المسلمين في البلدان التي هم الأقلّيّة فيها ، لا يمكنهم امتثال سائر أحكام شريعة الإسلام في غاية كمالها ، مع أنّهم يضطرون إلى امتثال قوانين دولتهم . وإنّ قوانين دولتهم قد يكون بعضها مخالفاً لشريعة الإسلام . ولذلك بحث الفقهاء أحوالهم وأحكامها الخاصّة في الشريعة الإسلاميّة . ومن ذلك أحكام الطلاق وما يتعلّق بها من المسائل كطلاق المحاكم غير الإسلامية ، وتوكيل الكافر في طلاق المسلمة وغيرها .

تعريف الطلاق ومشروعيّته :

الطلاق لغةً : حلّ القيد أي فكّه سواء كان ذلك القيد حسّيّاً كقيد البهيمة أو معنويّة كالعصمة [1] . فالمعنى اللغوي للطلاق يكون رفع القيد سواء كان حسّيّاً أو معنويّاً .

وفي الاصطلاح : حلّ عقد النّكاح بلفظ مخصوص مثل لفظ الطلاق ونحوه [2] .

والأصل في مشروعيّته كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم . أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) – البقرة : 229 – . أمّا السّنّة : فقد روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طلَّق حفصة رضي الله عنها ثمّ راجعها [3] . وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كانت تحتي زوجة وكنت أحبّها ، وكان أبي يكرهها ، ويأمرني أن أطلقها فأبيت . فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : ” يا عبد الله ! طلّق     زوجتك ” [4] .

الطلاق من محاسن الشريعة المحمّدية ، به تنحلّ عقدة النكاح ويرتفع الحلّ الذي كان بين الزوجين عندما يكون الطلاق هو آخر العلاج والدواء . وكما يقع التفريق بالطلاق ، فإنّه يقع بالفسخ أيضاً . والفسخ قد يكون بتراض بين الزوجين ، وهو الخلع ، أو يكون بواسطة القاضي لسبب يحمل عليه .

والطلاق له أحكام ومسائل كثيرة تتعلق به ، كما أنّه قد يكون واجباً كمَن آلى من زوجته وأبى الفيئة بعد تربص أربعة أشهر ، وقد يكون مندوباً إليه ، وذلك عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة  عليها ، وقد يكون محرّماً كما إذا طلّقها وهي حائض أو في طهر جامعها فيه ، وقد يكون مباحاً ، وذلك عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة ونحوها . ومع هذه كلّها يكون هناك أحكام وقواعد متعلقة بالطلاق الخاصّة بالأقليات المسلمة ، لأنّ المجتمع الذي يعيش فيه قد يكون له قوانين خاصّة في الطلاق وما يتعلّق بها .

الأقلّيات المسلمة :

الأقليّة هي جماعة من السكّان من شعب معيّن ، عددهم أقلّ من بقيّة السكّان ، لهم ثقافتهم ولغتهم ودينهم ، ويطالبون بالمحافظة على شخصيّتهم وثقافتهم على أساس نظام معيّن .

اختلف الباحثون فيما بينهم في التفرقة بين مفهومي الأقلّيّة والدولة الإسلاميّة . فبعضهم يرى أنّه إذا زادت نسبة المسلمين في الدولة عن 50% تصبح الدولة إسلاميّة . والبعض الآخر يرى أنّه إذا كان المسلمون أغلبيةً مقارنةً بأصحاب الديانات الأخرى ، وحتى وإن لم يتجاوزوا نسبة 50% تصبح الدولة إسلاميّة . هناك فريق ثالث من الباحثين يرى أنّ المعيار في تحديد إسلاميّة الدولة هو النص الدستوري أو ديانة رئيس الجمهوريّة أو تشكيل النظام الحاكم .

فبعد هذه كلّها ، نبحث عن أحكام ومسائل متعلقة بالطلاق في الأقليات المسلمة نحو صيغة الطلاق في اللغات غير العربية وأثر اختلافها ، وتوكيل غير المسلم في الطلاق ، وطلاق المحاكم غير الإسلاميّة ، وأحكام الفسخ والخلع في الأقليات المسلمة وغيرها .

صيغ الطلاق في اللغات غير العربية :

يقع الطلاق باللفظ الدال على إنهاء العلاقة الزوجية ، كما يقع بالكتابة والإشارة من الأخرس . واللفظ المستعمل للدلالة على الطلاق قد يكون صريحاً ، وقد يكون كنايةً . والصريح يقع به الطلاق من غير   نيّة ، والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه .

اتفق العلماء على أنّ لفظ ” طلاق ” وما تصرف منه لفظ صريح في الطلاق . واختلف قول العلماء في اعتبار لفظي الفراق والسراح من الألفاظ الصريحة في الطلاق ، بمعنى أن من نطق بهما يقع طلاقه ولو لم ينوه . وأمّا غير هذه الألفاظ المستعملةُ في الطلاق لا يقع الطلاق بها إلا عند قصده وإرادته .

اللغة الأجنبية كاللغة العربية من حيث تضمنها للألفاظ الصريحة والألفاظ الكنائية . فمن نطق من اللغة الأجنبية بلفظ صريح لا يستعمل في لغته إلا في الطلاق ، وقع طلاقه بغير نيّة [5] . قال الإمام النووي : ترجمة لفظ ” طلاق ” بالعجمية وسائر اللغات صريح على المذهب لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغات ، كشهرة العربية عند العرب . وقيل : له وجهان : ثانيهما : إنّها كناية . وترجمة السراح والفراق ، فيها الخلاف لكن الأصحّ هنا أنّها كناية قاله الإمام الروياني لأنّ ترجمتهما بعيدة عن الاستعمال [6] .

ورد في الفتاوى الهندية : الطلاق بلغة غير العربية أنّه إذا كان فيها لفظ لا يستعمل إلا في الطلاق ، فذلك اللفظ صريح يقع به الطلاق من غير نية إذا أضيف إلى المرأة . وما كان ممّا يستعمل في الطلاق وفي غيره فهو من الكنايات . فيكون حكمه حكم الكنايات العربية في جميع الأحكام [7] . فترجمة الطلاق صريح على المذهب وترجمة صاحبيه صريح أيضاً على المعتمد [8] . والطريق الثاني له وجهان : أحدهما أنّه كناية اقتصاراً في الصريح على العربي لوروده في القرآن وتكرره على لسان حملة العرش [9] .

أمّا الألفاظ التي اشتهرت في الطلاق عند أهل منيار ببلاد الهند وبلغتهم وليست ترجمة الطلاق ، فإنما هي ألفاظ اشتهرت على ألسنتهم عند   التطليق ، واشتهار هذه الألفاظ عندهم أكثر من اشتهار لفظ        ” طلاق ” في الطلاق ، ليس صريحاً في الطلاق . ثمّ إن احتملت الألفاظ الطلاق فهي كناية فيه وإلا فليس بكناية . ولفظ الطلاق من المذكورين صريح [10] .

يفهم من هذه العبارات أنّ الكلمة العربية في صيغة الطلاق ليست متعبدة لوقوع الطلاق . ولكنّ الاعتبار في الصيغة هو المعنى . إذا كانت الكلمة بترجمة اللفظ الصريح في اللغة العربية في أيّ لغة كان فكان ذلك صريحاً في الطلاق ، وإن كان بترجمة ألفاظ الكنايات في الطلاق فتكون تلك الألفاظ كناية في الطلاق ، هذا هو القاعدة .

توكيل غير المسلم في الطلاق :

الوكالة هي تفويض ما له فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حال حياته . تصحّ الوكالة في بعض من العبادات والمعاملات كالحج والزكاة والكفارات والصدقات والأضحية . وتجوز الوكالة في طرفي البيوع بأنواعه وفي النكاح والخلع وفي تنجيز الطلاق .

أجمع أهل العلم على جواز توكيل المسلم كافراً في الجملة . ولا خلاف في جواز ذلك ، لأنّ العدالة لا تشترط في صحة الوكالة ، ولأنّه يصحّ تصرف الكافر لنفسه فلم تبطل وكالته [11] . فهل يصحّ أن يكون كافر وكيلاً في طلاق امرأة ؟

إذا كانت المرأة مسلمةً ، فذهب الجمهور إلى جواز ذلك . وذهب الحنابلة إلى عدم صحة تلك الوكالة ، لأن الوكيل لا يصحّ منه ذلك لنفسه . فلا يصحّ أن يتوكّل فيه لغيره . وهو الوجه الصحيح عند  الشافعية [12] . لأنّ الطلاق من قبل الولايات ، ولا ولاية لكافر على مسلمة لقوله تعالى : ( وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) – النساء : 141 – ، فلم يصحّ منه . أما إذا كانت كتابية فيصحّ توكيل الكافر في طلاقها إجماعاً .

قال الإمام النووي : ولو وكل المسلم كافراً في طلاق مسلمة ، فوجهان لأنّه لا يملك طلاق مسلمة ، ولكن يملك الطلاق في الجملة [13] . قال في مغني المحتاج : إنّه يصحّ توكيل المسلم كافراً في طلاق المسلمة [14] . وقال في حاشية الجمل قوله : توكيل كافر أي ذميّ أو حربيّ أو مرتد لأنّ المرتد يصحّ خلعه للمسلمة في الجملة [15] .

وعبارة تحفة المحتاج : ويستثنى أيضاً صحة توكل سفيه في قبول نكاح بغير إذن وليّه وتوكل كافر عن مسلم في شراء أو طلاق مسلمة [16] . وعبارة البجيرمي : وصح من كلّ من الزوجين توكيل كافر ولو في خلع مسلمة كالمسلم [17] . وعبارة أسنى المطالب : ويصحّ توكيل كافر في نكاح كتابية ولو لمسلم لأنّه يملك نكاحها لنفسه ، وكذا في طلاق مسلمة لأنّه يملك طلاقها [18] .

وقال الإمام الرملي : وللمسلم توكيل نصرانيّ ومجوسيّ في قبول نصرانيّة لأنّهما يقبلان نكاحها لأنفسهما ، لا في نكاح مسلمة ، إذ لا يجوز لهما نكاحها بحال بخلاف توكيلهما في طلاقها ، لأنّه يجوز لهما طلاقها [19] .

يفهم من هذه العبارات أنّ الفقهاء ذهبوا إلى أنّ توكيل المسلم كافراً في طلاق المسلمة صحيح . هذا هو الوجه الصحيح . وبعض العلماء ذهبوا إلى أنّها لا تصحّ لأنّ الطلاق هو من قبل الولاية . ولا ولاية للكافرين على المسلمة . فمن هذه الأحكام التي تجوز للمسلمين في غير دار   الإسلام ، أي الأقليات المسلمة ، توكيل غير المسلم في طلاق امرأته . يصحّ هذا التوكيل على الوجه الصحيح .

الأولى للأقليات المسلمة أن يوكّلوا المسلمين في سائر أمورهم نحو الطلاق وغيرها ، لأنّه أتقى وأفضل خروجاً من خلاف من قال : لا يصحّ توكيل كافر في طلاق المسلمة . وإن كان ثمّ حاجة إلى توكيل كافر في طلاق مسلمة فلا بأس به . هذا هو مذهب كثير من الفقهاء ، وهو الوجه الصحيح في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله .

طلاق المحاكم غير الإسلاميّة :

إنّ من صفات القاضي العدالة ، فلا يصحّ تولية فاسق ولا كافر ولو على الكفار . ولا يجوز أن يحكم كافر على المؤمنين . قال الله سبحانه وتعالى : ( وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) – سورة النساء : 141 – . قال القرطبي في معنى ” السبيل ” في هذه الآية : أي حجة عقلية ولا شرعية يستظهرون بها إلا أبطلها الله ودحضت [20] .

لا يجوز للمسلم ولا المسلمة التحاكم إلى غير شريعة الله سبحانه وتعالى ، التي أنزلها على خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام . وهذا مقتضى كلمة التوحيد التي دان بها المسلم وخضع لها . والأقليات    المسلمة ، كالمسلمين في الغرب والهند ، ليست لهم محاكم شرعية تتولّى حلّ مشاكلهم الأسريّة ، وتقوم بإجراء عقود الطلاق بينهم . وأقصى ما حقّقه المسلمون في تلك البلاد هو إنشاء المراكز التي ترعى الجالية الإسلامية وتهتم بشؤونها ، إلا أنّ هذه المراكز لا تتمتع بحق قانونيّ لإجراء عقود الزواج والطلاق بين المسلمين ، كما أنّها لا تعترف بعقودها . فالعقود التي تجري في المراكز الإسلامية ليس لها صبغة قانونية .

النكاح يمكن أن يجري في المراكز الإسلامية ، وللعاقدين أن يثبتوه بعد ذلك في المحاكم الغربية لضمان الحقوق . أمّا بالنسبة للطلاق فالأمر يختلف ، لأنّ الطلاق غالباً ما يصحب التنازع والخلاف . فيحتاج إلى قاض له السلطة لتنفيذ ما يحسم مادة التنازع ويحكم في المسألة بما يرضى الشرع . وهذه السلطة غير موجودة في المراكز الإسلامية . لذلك تقف المراكز عاجزة عن تنفيذ الطلاق ، فضلاً عن تنفيذ أحكامه المترتبة عليه من حضانة ونفقه وغيرها . فيضطر أحد الزوجين إلى الذهاب للمحاكم غير الإسلامية والرضا بأحكامها .

وقد أفتى بعض العلماء المعاصرين بصحة الطلاق الواقع في المحاكم غير الإسلامية ، وأطلق القول في ذلك بدون تفصيل . والصواب في هذا أنّ المسألة تحتاج إلى تفصيل . فما وقع من الطلاق في هذه المحاكم موافقاً لشرع الله مضى ، وما وقع مخالفاً لشرع الله فهو لغو لا تأثير له ، لقوله صلّى الله عليه وسلم : ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ” . ( رواه مسلم ) .

وليس وجود المسلمين في الغرب وعدم الاعتراف بعقودهم عذراً يبيح لأحد ترك التحاكم لشرع الله أو الرضا بحكم غيره . وقد نفى الله الإيمان عمن تحاكم إلى غير شرعه . وليس هناك ضرورة حتى نتذرع بها إلى الرضا بأحكام الكفار . بل ، كل أعمال ومعاملات في حياة المسلم ينبغي أن يكون حسب أوامر الله وشريعته .

فإذا تقدم أحد الزوجين لطلب الطلاق في المحاكم غير الإسلامية وصدر الحكم بالطلاق ، فإنّه لا يقع شرعاً إلا إذا تلفظ الزوج بكلمة الطلاق أو وقّع  على القرار الصادر من المحكمة بموافقته على الطلاق ، وهذا ما يجري عادة . وحينذاك لا يكلف الرجل إلا بما كلفه به الإسلام من مؤخر المهر والنفقة والمتعة ، فإن فرضت عليه المحكمة أقل من الواجب الشرعيّ ، عليه أن يكمله بقدر ما عيّنه الشريعة . وإن فرضت عليه أكثر من الواجب الشرعيّ لا يجوز للمرأة أن تأخذه إلا إذا رضي زوجها ، وإلا فهي آثمة بأخذها ، لأنّ ما زاد على القدر الذي عيّنه الشريعة فلا حق لها فيه . وهو غصب إلى مال الزوج . وليس هناك أي طريق للزوجة أن تأخذ منه أكثر ممّا وضعه الشارع .

والمرأة حين تختلع من زوجها يلزمها أن تعيد له ما تكلفه في الصداق . والطلاق في المحاكم غير الإسلامية تترتب على الرجل بسببه التبعات المادية ، سواء كان هو الكاره للمرأة أم هي الكارهة له ، وسواء هو الذي طلب الطلاق أم هي التي طلبته ، وسواء طلبت المرأة بحق أم بغير حق . فلو أجرت المرأة الطلاق في المحكمة غير الإسلامية وصدر فيه القرار ، نظر فيه . فإن وقع عليه الرجل أو تلفظ به وقع ، لأنّ الطلاق يقع باللفظ أو بالكتابة . وإن وقّع الرجل على موافقته على الطلاق ، فيلزم وقوعه . ولا يقال هنا بأنّه مكره ، لأنّ الإكراه لا يعتبر حتى ينال بشيئ من العذاب مثل الضرب .

وهذا الطلاق إن وقع ، لا يلزم للرجل شرعاً أن يدفع شيئاً لزوجته لأنّها هي التي تريد الطلاق عن غير إساءة منه . بل يلزمها أن تعيد له ما دفعه من المهر . فإن لم تفعله فهي آثمة . وأمّا إذا لم يتلفظ الرجل بالطلاق ولم يوقّع على قراره ، فلا يقع الطلاق ولو صدر حكم من القاضي ، لأنّه حكم جائر لا يوافق شرع االله فهو مردود . وتبقى المرأة في عصمة زوجها شرعاً .

فإن أساء الزوج في معاملته بزوجته وآذاها بالقول أو الفعل إيذاءً لا يليق بمثلها جاز لها طلب الطلاق من خلال القضاء . ويحرم على الزوج أن يأخذ شيئاً مما أعطاها ، لأنّ رغبتها في الطلاق كانت بسبب إساءته وليس بسببها . فلو امتنع الزوج عن طلاقها وصدر الحكم به من المحاكم غير الإسلامية وقع ، لأنّه موافق للشرع وللقاعدة الأصلية – ” الضرورات تبيح المحظورات ” .

والمحاكم غير الإسلامية تفرض للمرأة في العادة أكثر مما تستحقه شرعاً ، فيجب على المرأة المسلمة أن تعرف حقها الشرعي وتأخذه بدون زيادة . ويجب على المرأة أن تعلم أنها إن بادرت إلى المحاكم غير الإسلامية للطلاق لإساءة بسيطة ، واستحلت مال زوجها ، فإنما تأكل حراماً إلى جانب ما سينالها من حساب على تشريدها لبيتها وأسرتها . وللأسف ، فتحت هذه القوانين غير الإسلامية باباً من أبواب الفساد في طلاق المسلمين . إنّ بعض النساء المسلمة تذهب إلى المحاكم غير الإسلامية من غير ضرورة .

والذي نخلص إليه بعد هذا كلّه ، أن الطلاق في المحاكم غير الإسلامية واقع بين الكفار ، ولا يقع بين المسلمين إلا عند الضرورة والوفاق بشرع الله ودينه .

* كلية السيد أحمد للآداب والعلوم الإسلامية ، كيرالا .

[1] إعانة الطالبين – 2/4 ك ؛ المعجم الوسيط – مادة : طلق .

[2] روضة الطالبين ، للإمام النووي – 3/6 .

[3] رواه أبو داود – 2/294 ؛ والنسائي – 6/313 ؛ وابن ماجة – 1/650 .

[4] رواه أبو داود – 4/337 ؛ والترمذي – 3/494 .

[5] مغني المحتاج – 4/458 .

[6] روضة الطالبين للإمام النووي – 8/25 .

[7] الفتاوى الهندية – 1/415 .

[8] فتح المعين مع إعانة الطالبين – 4/9 .

[9] إعانة الطالبين – 4/9 .

[10] فتاوى الرملي – 3/340 .

[11] فتح الباري – 5/386 ؛ المغني والشرح – 5/214 – 215 ، 245 .

[12] الفتاوى الهندية – 19/14 ، 138 ؛ حاشية الدسوقي – 2/413 ؛ روضة الطالبين – 4/299 .

[13] روضة الطالبين – 4/299 .

[14] مغني المحتاج إلى أدلة المنهاج – 8/300 .

[15] حاشية الجمل على المنهج – 8/598 .

[16] تحفة المحتاج في شرح المنهاج – 21/482 .

[17] حاشية البجيرمي على المنهاج – 12/466 .

[18] أسنى المطالب في شرح روض الطالب – 2/265 .

[19] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج – 20/361 .

[20] تفسير القرطبي – 5/420 .